كتبت صحيفة “الحياة” تقول: أكدت مصادر وزارية لـ”الحياة” أمس أن فرقاء الحكومة اللبنانية انتقلوا إلى أجواء من الجدية والتصميم على إنجاز موازنة 2019 التقشفية بسرعة وبدأوا في الجلسة الثانية التي عقدوها أمس برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري البحث فيها بندا” بندا”، بعيدا من السجالات والمماحكات التي شهدت جلسة أول من أمس برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فصلا منها، في شأن التخفيضات المطلوبة لخفض العجز فيها.
وقالت المصادر الوزارية إن الحريري أبلغ الوزراء أنه يرغب في الانتهاء من إقرار بنود الموازنة يوم الأحد المقبل، حتى لو اقتضى الأمر عقد جلستين في اليوم، استنادا إلى مداخلته يوم الثلثاء التي قال فيها إن “علينا شد الحزام لأن وضعنا المالي مهترئ فإما أن نغرق جميعا أو نوقف التراجع الاقتصادي لمصلحة الجميع”. وذكرت المصادر الوزارية ل”الحياة” أن الحريري كان أكد أن “التقشف اليوم يفيدنا في الغد، وأي إجراءات بهذا المعنى ليست موجهة ضد أي فئة من اللبنانيين، بل ستتخذ من أجل حماية جميع اللبنانيين”.
وأوضح مصدر وزاري لـ”الحياة” أن إصرار الحريري على تسريع إقرار الموازنة في الحكومة يعود إلى أن أكثر من مسؤول لبناني تلقى إشارات دولية بأن المجتمع الدولي يأمل جدية أكثر في اتخاذ الإجراءات المطلوبة لتصحيح الوضع المالي في لبنان، وأن لا مبرر للتأخير الذي يحصل بعد مضي أكثر من سنة على انعقاد مؤتمر “سيدر” والوعد بالإصلاحات التي يفترض أن يترجم جزء منها في الموازنة التي تترقبها الصناديق الدولية والجهات المانحة باعتبارها شرطا أساسيا من أجل إقراض لبنان لتنفيذ مشاريع استثمارية بفوائد وتسهيلات طويلة الأمد، في شكل يعيد تحريك الاقتصاد ويخفف خدمة الدين وعبءه تدريجا.
وقالت أوساط مطلعة على موقف الدول المعنية بتنفيذ “سيدر” إنها تراقب مدى الجدية في مناقشات خفض العجز في الموازنة، بعد أن كان خاب أمل بعضها بتأخير تعيين الهيئات الناظمة في القطاعات الإنتاجية التابعة للدولة لاسيما عند إقرار خطة الكهرباء قبل أسبوعين، حيث كانت تنتظر تعيين الهيئة الناظمة لهذا القطاع، فإذا بالأمر يؤجل إلى ثلاث سنوات. وأبلغت المصادر المطلعة إياها “الحياة” أن بعض الدول لم يخف خيبته هذه للمسؤولين اللبنانيين.
إلا أن المصادر الوزارية أشارت إلى أن الحريري يستعجل إقرار الموازنة لاستلحاق التأخير الحاصل وينوي إقرار الموازنة في جلسة الأحد المقبل، تمهيدا لعقد جلسة نهائية في القصر الرئاسي برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أجل القيام بقراءة نهائية لها، ثم لإحالتها إلى البرلمان من أجل درسها وإقرارها قبل نهاية شهر أيار (مايو) حيث تنتهي الدورة العادية للمجلس النيابي. وقال رئيس البرلمان أول من أمس إنه يحتاج شهرا لإقرارها.
وأكدت مصادر وزارية متعددة أن جلسة الأمس لم تشهد سجالات كالتي حصلت أول من أمس بين وزير الاقتصاد منصور بطيش الذي اعتبر أن مشروع الموازنة يفتقد إلى السياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ووزير المال علي حسن خليل الذي رفض اقتراح بطيش زيادة الضريبة على البضائع المستوردة بنسبة 3 في المئة، كذلك بين خليل ووزير الدفاع الياس بوصعب الذي احتج على المس برواتب تقاعد العسكريين ما اضطر الأول إلى الرد عليه وتأكيد عدم المس بالعسكريين داعيا إلى عدم بث معلومات خاطئة، فيما رفض الحريري المزايدة في هذا الأمر ورأى أنه “إذا كان البعض يعتقد أن بإمكانه القيام ببطولات هنا فهو مخطئ”.
خليل: ليس صحيحا على الإطلاق…
وتحدث وزير المالية علي حسن خليل لدى دخوله الى السراي الحكومي قبل انعقاد جلسة الأمس الى الصحافيين وقال: “كنت أتمنى ان نستمر على الأجواء الايجابية التي عكست بالأمس على طاولة مجلس الوزراء والتي أبديت خلالها وبكل ايجابية استعدادي وانفتاحي لنقاش كل الامور، وكنت واضحا عندما قلت إنه ليس هناك شيء مقدس في الموازنة، فهذا المشروع مطلوب حصول نقاش حوله. وبالتأكيد من الممكن أن يكون هناك ثغرات، وفي رأيي هناك الكثير من الإيجابيات، والإجابة على تساؤلات. هناك خطوات إصلاحية جدية، وهذا الامر عكسته بعد جلسة مجلس الوزراء (أول من أمس). لكن اختار بعض الزملاء ان يتعاطوا بالاعلام مع هذا النقاش، ولذلك فأنا مضطر كوزير للمالية وأمثل ايضا كتلة نيابية وحركة سياسية، أن اقول ان كل المزايدات حول موضوع الجيش والأجهزة الامنية في غير محلها. وتحدثت أكثر من مرة حول هذا الموضوع والآن اكرر ذلك، بانه ليس صحيحا على الإطلاق ان هناك استهدافا او مسا بالجيش. علينا ان ندقق بالأرقام لنرى الموازنة كيف اصبحت. وعلى العكس، هناك الكثير من البنود او بعضها طرأت عليها زيادات، وفي بعض البنود حصل تخفيض في كل إدارات الدولة، مثل نفقات البنزين والمحروقات التي يطالب بها الجميع. وهي طالت الجيش كما غيره. اما الحديث عن رواتب وأجور وتعويضات وتقاعد، كل هذا الكلام يراد منه خلق بلبلة وشرخ في البلد”.
وخاطب خليل “مباشرة قيادة الجيش ووزارة الدفاع تحديدا لان عليهما الانتباه لهذا الامر، وان لا يُدخلوا أنفسهم في مثل هكذا إشكالات وصراعات وهمية، والتي يحاول البعض تسجيل انتصارات وهمية حولها. ففي وزارة المالية لا يتم شيء من دون نقاش، وليس صحيحا انه تم إجراء تخفيضات لم يتم النقاش فيها مع أحد، وأكرر للمرة الثانية والثالثة ان هذا الامر قد حصل”.
وفي إشارة مباشرة إلى ملاحظات الوزير بطيش أول من أمس قال خليل: “أما الحديث عن التوجهات العامة للموازنة، ورأي أحد الزملاء بان هناك غيابا للدفع باتجاه النمو وتحريك الاقتصاد، فنحن اليوم في جلسة أتمنى ان يتم ترجمة شعاراتها وخطبها ومحاضراتها الى ارقام وصياغات. المطلوب اليوم الدخول بعمل جدي مباشر، والوقت ليس للترف وطرح نظريات حول قضايا ينطلق من يتحدث فيها من خلفيات وظيفية، اكثر من تحديد للواقع والوقائع”.
وقال: “سرِّب وقيل ان هذه الموازنة لم تطل معالجة الدين العام، وهذا كلام غير صحيح، وتحدثوا عن ان الموازنة لم تطل الاملاك البحرية، فهذا الكلام ايضا غير صحيح. كذلك بانها خفضت لبعض الناس على حساب آخرين، والأسوأ هو محاولة نقل النقاش حول البنود المتعلقة باعتمادات الى منحى مناطقي وطائفي في بعض الأحيان. وبوضوح وصراحة من المعيب ان يتم طرح الموضوع في هذه الموازنة وكأن هناك استهدافا لمنطقة معينة وانه تم سحب اعتمادات لمنطقة مثل طريق القديسين او مرفأ جونية (أثار ذلك وزير الخارجية رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل). هذا كلام معيب على مطلقيه، لان من يقرأ الموازنة جيدا ويرى كل بنودها، يعود للموازنات 2017 و2018، لاننا لا نضع قوانين برامج مستقلة، وهذان المشروعان بالتحديد أموالهما متوفرة حتى قبل اقرار الموازنة لان القانون يقول ذلك والمخصصات للعام 2019 متوفرة كما يجب ان يكون، من خلال تدوير المبالغ. وأمل خليل ألا تكون إثارة موضوع طريق القديسين لها علاقة بالتلزيمات بالتراضي.
لا نريد متاريس
وتابع: “قلت في اول لحظة انا منفتح على النقاش وعلى أي تعديل وتبديل. وفي كل الأحوال أي موازنة تدخل الى مجلس الوزراء لا تخرج كما دخلت، وكذلك في مجلس النواب. لماذا إعطاء صورة كأننا نريد الذهاب الى مواجهة بين بعضنا البعض؟ كان قرارنا منذ البداية اننا لا نريد إقامة متاريس، بل أن نناقش بانفتاح وايجابية. ومن يريد الاطلاع على الموازنة يجب ان يطلع عليها من خلال القرارات التي اتخذناها والتي أصر عليها بالقدر الذي أقول بانه لا مس بالرواتب ولا بالتقاعد، ولكن علينا العمل بإعادة النظر بالرواتب والتعويضات المرتفعة والإنفاق غير المبرر وبالمزايدات التي تستخدم من اجل مئة هدف وهدف. هذا الموضوع الإصلاحي يشكل مسؤولية بالنسبة لي كوزير للمال وكعضو كتلة التحرير والتنمية وكشخص يمثل حركة سياسية على رأسها الرئيس نبيه بري. لا احد يناقشنا بالثوابت والقضايا الكبيرة. انا ملتزم عندما تكون هناك ايجابية في مجلس الوزراء ان اتحدث بايجابية، اما عندما ننقل النقاش لوسائل الاعلام والصحف ويحاول البعض تصوير نفسه بطلا او منقذا في الشأنين الاقتصادي والمالي عليه ان يقدم نفسه في مجلس الوزراء، وعندها نرى النتيجة بماسيصدر عن مجلس الوزراء. فانا وزير من اصل 30 وزيرا”.
وتمنى على من ليس لديه خبرة في ادارة المال العام والموازنات ان يسأل كي لا يقع في أخطاء ويوقع تياراته وحركاته السياسية فيها”.
وأكد خليل “بوضوح وصراحة”، أنه “لا يفترضن احد انني وضعت أي بند في الموازنة من دون نقاش مع الكتل، وحتى من يسجل اعتراضات ويقدم اوراقا فهو، أول من تم النقاش معه والتوافق على معظم او كل الإجراءات التي وضعت”.
شهيّب والحسن وبوصعب
وأكد وزير التربية أكرم شهيب أن “الأهم ضبط الحدود لمنع التهريب والضريبة التصاعدية وإصلاح الجمارك، وكل وزير يعرف مكامن الهدر في وزارته”.
ورأت وزيرة الدولة للتنمية الإدارية مي شدياق أن “ما يثار ويطرح في الخارج من خلال اعتصامات وتظاهرات ليس موجودا اساساً في الموازنة”.
لكن بو صعب قال: “لا أعتقد أن المتظاهرين نزلوا الى الشارع من لا شيء وسأناقش هذا الموضوع ووزير المال لم يقل أن هذا الأمر غير قابل للنقاش”.
وأكدت وزيرة الداخلية ريّا الحسن أنه سيتم تحفيض موازنات كل الوزارات و ايضاً النفقات السرية. ورأت أنه يجب أن يكون هناك تمييز بالنسبة للوحات السيارات التي تحمل 4 أو 5 أرقام أو الأرقام المميزة عن أخرى، فلا تكون سلّة واحدة على أن تختلف الضرائب عليها.
وأقرت الحكومة 12 مادة من مواد مشروع الموازنة أمس ومعظمها يتناول القوانين التي تحكم قواعد الصرف والإنفاق. وكشف وزراء أن الحريري طلب منهم الإبقاء على سرية المداولات وعدم تسريب المناقشات بعدما ظهرت في الإعلام أمس بعضا مما دار من سجال في جلسة أول من أمس، وتسريب الدراسة التي قدمها بطيش.
وأعلن وزير الاعلام جمال الجراح في المعلومات الرسمية التي أذاعها بعد انتهاء الجلسة أنه حصل نقاش مستفيض حول أهداف الموازنة، وهي خفض العجز وتحفيز النمو الاقتصادي، مشيرا إلى أنه نقاش جدي وعميق وبدأنا بصياغة الأفكار المهمة لتحفيز النمو الاقتصادي وضبط الانفاق. بعد ذلك انتقلنا لاقرار بعض المواد، وغدا ظهرا سيتم استكمال نقاش المواد المتبقية، وخلال الاسبوع الحالي سيتم عقد جلسات للانتهاء من دراسة مشروع الموازنة.
وحين سئل الجراح عن تشنجات بين بعض الوزراء أجاب: “انتم جزء من التوتر الذي حصل بتسريبات اعلامية وتصاريح وتصاريح مضادة. وتبيّن بعد النقاش وتحدثنا بهدوء، انه لا لهذه الضجة. الوزراء يتحدثون بنفس اللغة حتى ولو كان ذلك بطريقة مختلفة”. وتابع: “كل ما أشيع حول المس بالرواتب، والاقتطاع من فئة، وتحميل فئة، واستثناء اخرى، كلام لا اساس له من الصحة. ومعظم ما تم تداوله في الاعلام حول قضية الرواتب والعسكريين والمتقاعدين لا اساس له من الصحة، ومجلس الوزراء لم يصل الى نقاش هذه الامور، ولم يتخذ بعد قرارا بها. واستبعد “الى حد كبير من ان تطالها التخفيضات كما يقول البعض من خلال الاضرابات والتظاهر ضد شيء لم نصل لاتخاذ قرار به. وأشار إلى أنه تم توضيح هذه الأمور لوزير الدفاع. وتمنى على المتقاعدين والاتحاد العمالي العام، انتظار قرارات مجلس الوزراء، وعدم استباق الامور والقيام بضجة والتظاهر وقطع الطرقات وتعطيل البلد فيما لم يصدر شيء”. وأضاف:”لو اردنا اقرار الموازنة كما وردت من وزير المالية لكانت اقرت في القصر الجمهوري وتم تحويلها الى المجلس النيابي. فلماذا اذا تعقد جلسات متكررة ومتعددة لمناقشة الموازنة نقطة نقطة وبندا بندا، ونرى ما هو المناسب من اجل اقراره وبتوافق جميع القوى الممثلة في الحكومة، وما هي النقاط التي لا نتفق عليها ولا نقرها”.