كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: واضح انّ التسوية السياسية التي اوصلت الى تأليف الحكومة بالشكل الذي خرجت فيه، ما زالت تحكم المشهد الداخلي، وتمنع انزلاقه نحو مطبّات اشتباكية حول الكم الكبير من الملفات الخلافية بين القوى السياسية.
من هنا كانت الغلبة لسياسة التبريد التي انتُهجت من قبل القيّمين على الواقع الحكومي، والتي كان من نتائجها المباشرة نزع فتيل التفجير السياسي، بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، حول الملف السوري بشقي العلاقة اللبنانية مع النظام، وعودة النازحين، وإن كان جمر التوتر ما زال كامناً تحت رماد العلاقة بين الطرفين. وكذلك احتواء ارتدادات الهزّة السياسية التي ضربت “تيار المستقبل” عبر قرار المجلس الدستوري بإبطال نيابة ديما جمالي، وصولاً الى احتواء القرار البريطاني بحظر “حزب الله” وتصنيفه ارهابياً، عبر التخفيف من وطأة هذا القرار وإفقاده اي تأثير على لبنان، على ما ورد في موقفي رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل.
ترميم
يفترض ان تشكّل جلسة العمل الثانية لمجلس الوزراء المقررة غداً، محطة جديدة لاعادة ترميم الحكومة، وبث مناخ التضامن في داخلها، وتصويب مسارها في الاتجاه الذي يترجم اسمها “حكومة الى العمل”، بما يطوي ما خلّفته الانتكاسة التي ضربتها في الجلسة الاولى لمجلس الوزراء، من ندوب سياسية في الجسم الحكومي.
وفي هذا السياق، يحدّد ازدحام الملفات خط سير الحكومة في المرحلة المقبلة نحو الدخول في ورشة عمل واسعة النطاق اعتباراً من الشهر المقبل، وسط ما كشفت عنه مصادر وزارية بارزة لـ”الجمهورية” عن توجّه لدى الحكومة، للدفع نحو تفعيل الحضور الحكومي في كل الملفات، في مقابل دعوات سياسية، حتى من مسؤولين كبار في الدولة، لاعلان حالة طوارىء حكومية لمقاربة وحسم مجموعة من الملفات الحيوية والملحة.
واذا كان في حكم المؤكّد انّ موازنة العام 2019 تشكّل البند الاساس في جدول العمل الحكومي، والموضوع على نار حامية، تؤشر الى توجّه لاحالته الى مجلس النواب قبل نهاية آذار المقبل، فإنّ الشهر المقبل، بحسب المصادر الوزارية المذكورة، يمكن اعتباره شهر التعيينات، حيث تحضّر الحكومة لسلة تعيينات واسعة في القريب العاجل، لملء الشغور الكبير في الادارة، وعلى وجه الخصوص في بعض المراكز الحساسة، ولاسيما في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني، بما ينهي الوضع الشاذ المُعانى منه حالياً، والذي تُسد فيه الفراغات الوظيفية امّا بابقائها فارغة او بالتكليف الذي ادّى في بعض المراكز الى التباسات واشكالات جرّاء ما نتج منه من إخلال واضح وفاقع بالتوازن الطائفي على الصعيد الوظيفي.
ورشة مجلسية
تقابل هذا التوجّه نحو الانتاجية الحكومية، ورشة عمل ملحوظة في المجلس النيابي، محورها كثافة عمل اللجان النيابية ودرس مجموعة من اقتراحات ومشاريع القوانين، بالتوازي مع حضور لجنة المال والموازنة على خط المساءلة حول آلاف الوظائف التي جرت خلافاً للقانون منذ شهر آب 2017، في وقت تعاني بعض القطاعات من تخمة في التوظيف، والتي جاءت بمعظمها كـ”تعيينات انتخابية ونفعية” شكّلت باباً لنزيف مالي جديد أرهق خزينة الدولة بأعباء إضافية.
3 جلسات
واذا كان ما تقوم به لجنة المال، لناحية البحث في التوظيف العشوائي، واحدة من الخطوات المجلسية التي وعد رئيس المجلس النيابي بري بتكثيفها على نحو يواكب العمل الحكومي بحيوية مجلسية ورقابة مشددة على مواقع الانتاج والتقصير المنتظر من الحكومة، والتي ستُستكمل خلال النصف الاول من الشهر المقبل، بجلستين عامتين للمجلس، الأولى مخصصة لانتخابات اعضاء المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وذلك بعدما اكتملت الترشيحات لهذا المجلس، سواء من المجلس النيابي المُمثل في المجلس الأعلى بسبعة نواب اصيلين ومعهم اعضاء رديفون، او من الجانب القضائي، الممثل في المجلس الاعلى بثمانية اعضاء، على أن يتم إبلاغ المجلس النيابي (ربما اليوم) بأسماء القضاة المرشّحين كأعضاء أصيلين وكذلك اسماء المرشحين كأعضاء رديفين، على أن يرأس المجلس، اعلى القضاة رتبة من بين القضاة المرشحين لهذا المجلس.
على أن تلي ذلك فوراً، وربما في يوم انعقاد جلسة انتخاب اعضاء المجلس الاعلى نفسه، جلسة تشريعية، يُحدد جدول اعمالها في اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب الذي سينعقد برئاسة بري ظهر اليوم في عين التينة.
اما في النصف الثاني من آذار، فسيبادر مجلس النواب الى عقد جلسة عامة، إمّا جلسة مناقشة عامة، او جلسة استجواب ان توفر وجود استجواب نيابي لأحد الوزراء، او جلسة اسئلة واجوبة بين النواب والوزراء إذا كان هناك من اسئلة نيابية.
ويأتي عقد هذه الجلسة، في سياق الوعد الذي اطلقه رئيس المجلس لعقد هذا النوع من الجلسات بمعدل جلسة كل شهر، كتأكيد على المواكبة المجلسية الحثيثة لعمل الحكومة.
وأوضح بري امام زواره، انّ جلسة المناقشة او جلسة الاستجواب والاسئلة والاجوبة لن تكون مفتوحة لمطولات خطابية، بل سيحدّد امد الجلسة بساعتين على الّا تزيد المداخلة النيابية عن بضع دقائق. مشيراً الى امكانية ان يكون هذا النوع من الجلسات منقولاً مباشرة على الهواء عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة.
لجنة القوانين المعطلة
يأتي ذلك في وقت، علمت فيه “الجمهورية” انّ اللجنة النيابية الموكلة اليها متابعة تطبيق القوانين، ستُدعى الى اجتماع قريب خلال الاسبوع الثاني من الشهر المقبل، لبلورة خطة تحرّكها في اتجاه المسؤولين، سعياً لوضع القوانين المعطّل تنفيذها وعددها 39 على طريق التنفيذ الفعلي باصدار مراسيمها التطبيقية، ولذلك ستبادر اللجنة الى طلب مواعيد مستعجلة مع الرؤساء وكذلك مع الوزراء المختصين، المعنيين بالقوانين المعطلة.
وعلمت “الجمهورية”، انّ اللجنة المذكورة، التي تمّ تشكيلها خلال ولاية المجلس النيابي السابق، تعرّضت قبل فترة وجيزة الى نوع من الترميم، بحيث تمّ تشكيلها من جديد، على نحو صارت تضمّ: النائب ياسين جابر رئيساً، وأما الأعضاء فهم: النائب رولا الطبش التي حلّت مكان النائب السابق محمد قباني، النائب مروان حمادة، النائب شامل روكز الذي حلّ مكان النائب السابق فريد الخازن، النائب جورج عقيص الذي حلّ مكان النائب السابق جوزف المعلوف، والنائب علي فياض.
بري: تنفيذ القوانين
وأعرب بري عن أمله في ان تنجح اللجنة في مهمتها، خصوصاً وان القوانين المعطلة حيوية جداً، وترتد بفائدة كبرى على البلد وتؤدي الى انقاذه من القسم الاكبر من الفساد المشكو منه.
وقال بري امام زواره، المجلس امام ورشة عمل كبرى، وسنواكب عمل الحكومة بكل ما يتطلب ذلك من رقابة وتشدد في المحاسبة عند اي خلل او تقصير.
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت هذه الورشة الرقابية ستتوصل في لحظة ما الى استدعاء وزير مخالف الى المجلس لمساءلته ومحاسبته علناً امام المجلس، قال بري: “من اجل هذا انا مستعجل لتأليف المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ثم لا توجد إهانة على الإطلاق في طلب اي وزير للمساءلة او التحقيق في اي ملف من الملفات”.
وأكّد بري، انّ على الحكومة ان تبادر في اسرع وقت الى اجراء تعيينات في المواقع الشاغرة في المراكز الاساسية، سواء في الكهرباء، او الاتصالات او الطيران المدني، وايضاً تعيين اعضاء المجلس الدستوري، كما تعيين اعضاء المجلس الوطني للاعلام.
المجلس الدستوري
وكشفت مصادر مواكبة لملف التعيينات لـ”الجمهورية”، انّ الصورة الحكومية لهذه التعيينات ما زالت مبهمة، مرجحة استباق هذا الامر بلقاء قريب بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، اضافة الى مشاورات مع رئيس مجلس النواب لوضع ملف التعيينات على النار. واخراجه في جلسة قريبة لمجلس الوزراء، بحيث يفترض ان يحمل الشهر المقبل انجازاً على هذا الصعيد.
وأشارت المصادر الى توجّه لدى الحكومة لوضع ملف المجلس الدستوري في صدارة البنود المستعجلة للحسم، خصوصاً وان هذا المجلس منتهية ولايته منذ فترة طويلة. وثمة ترشيحات قد قُدّمت لعضوية المجلس الدستوري الجديد.
وكشفت عن اتصالات هادئة تجري حول هذا الملف حالياً، بهدف وضعه على طاولة البحث بما يؤدي الى التزامن بين انتخاب مجلس النواب للاعضاء الخمسة، او ما تسمّى حصة المجلس النيابي في المجلس الدستوري، وتعيين الحكومة بعد ذلك، الاعضاء الخمسة الآخرين الذين يشكلون حصتها في المجلس الدستوري. والأمر نفسه بالنسبة الى المجلس الوطني للاعلام.
عون: مواجهة التطرّف
من جهة ثانية، اكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على “الحفاظ على لبنان الوطن والرسالة، وعلى مواجهة التطرّف”.
ولفت في كلمة له خلال افتتاح “مؤتمر البطاركة والأساقفة حول كاريتاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” الذي حمل عنوان: “خدمة الخير العام في إطار بيئة تعددية”، الذي انعقد قبل الظهر في دير سيدة الجبل في فتقا، الى “أن مشرقنا هو مزيج ثقافات وحضارات ومهد الديانات السماوية، وهو نموذج فريد للغنى الروحي والثقافي والمعرفي، وان ضرب أي مكون من مكوناته هو ضرب له ولفرادته”.
الراعي: إعادة النازحين
وخلال المؤتمر، كانت كلمة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اعرب عن امله فيها في حلول الاستقرار مع تأليف الحكومة الجديدة. متوقفا عند التأثير الاقتصادي والاجتماعي والانمائي والثقافي والامني الذي اوجده المليون ونصف مليون نازح من سوريا، بالاضافة الى نصف مليون لاجىء فلسطيني.
وقال الراعي: “من الضرورة الملحة ان يعود النازحون السوريون الى وطنهم، ومن الواجب بالتالي حماية لبنان من مخاطر هذا الوجود المرهق”. داعياً المجتمع الدولي، الى ان يفصل بين الحل السياسي في سوريا وعودة النازحين والا كان مصيرهم مثل اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتظرون الحل السياسي منذ 71 سنة، والكل على حساب لبنان وشعبه. وهذا لا يمكن قبوله”.
لا عودة
الى ذلك، اكّدت مصادر رسمية لـ”الجمهورية” انّ ملف النازحين السوريين معطل بشكل كامل، ولا توجد اي معطيات لدى اي من المسؤولين اللبنانيين حول توجهات عربية او دولية لاعادتهم.
وعلى الرغم من استمرار العودة الطوعية التي تتم عبر الامن العام اللبناني بين وقت وآخر، الا انها لا تعدو اكثر من جرعات لا تتلاءم مع ضخامة هذا الملف. والامر المريب الذي يزيد من مخاطر هذا الملف، هو ان الجانبين اللبناني والسوري، لا يقاربان هذا الملف بما يقتضيه من اعادة سريعة لهم، بل يقاربانه من خلفيات سياسية تجعل النازحين وسيلة ابتزاز متبادل.
ونعت المصادر المبادرة الروسية لاعادة النازحين، وقالت: “حتى الآن تؤكد موسكو انها لم توقف جهودها الآيلة الى تأمين عودة اللاجئين السوريين الى بلدهم، الا انّ شيئاً ملموسا لم يظهر بعد”.
لا تمويل
وبحسب مسؤول لبناني كبير، فإنه لمس لدى المسؤولين الروس حماسة جدية لانجاز هذا الملف، وان بلوغ الحل السياسي في سوريا يساعد في انهاء هذه المسألة، الا انّ العائق الاساس امام هذه العودة، حالياً يكمن في تأمين التمويل اللازم لهذه العودة، خصوصاً وان المناطق التي سيعود اليها النازحون، تحتاج في غالبيتها الى اعادة بناء وتوفير البنى التحتية والخدمات العامة.