مقدمة
الموضوعية الاعلامية حلمٌ ما يزال بعيد المنال. فالتلاعب بالاخبار والآراء، وان كانت تتشارك فيه كل الانظمة السياسية، البدائية والمتقدمة، اليمينية واليسارية، القديمة والحديثة، لا يقتصر فقط على الشأن السياسيّ، وان كان هذا أبرز وجوهه.
القسم الاول: تضليل واحد وضغوط مختلفة
لا يوجد بلد في العالم لا يحاول التأثير على المعلومات، ويَنظر اليها على انها أداة من أدوات السلطة. من أبرز هذه الوسائل :
الجزء الاول: الضغوط الحكومية، وتتم وفق 4 مستويات :
– دستورية
– أمنية
– صحافية ( قانون المطبوعات)
– جنائية
المبحث الاول: القوانين الدستورية
كل دساتير العالم، من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، من الاتحاد السوفياتي السابق الى تركيا، من البرتغال الى اليونان، تنصّ على احترام حرية التعبير، وفي كثير من الاحيان بالعبارات نفسها. والفرق يكمن، كما هو الحال دائماً، في التطبيق.
في اسبانيا، على سبيل المثال، تنصّ المادة 12 من دستور عام 1945 على ان حرية التعبير محترمة، الاّ اذا كانت تحول دون الأداء السليم للحكومة. وفي اليونان، مهد الديمقراطية، تدعو المادة 14 من دستور 1952، الى احترام حرية التعبير وتنوّع الآراء… اذا كانت تنسجم مع القوانين الحكومية. مصادرة المنشورات، قبل او بعد الطباعه، محظورة… الاّ اذا كانت تتعرّض لشخص الملك، لوليّ العهد، للديانة الكاثوليكية ولموظفي الدولة. في اليابان، هناك حظر على ثلاثة مواضيع رئيسية : الامبراطور وأسرته، الدين والاقليّات.
في لبنان، الدستور يكفل حرية التعبير، شرط الاّ تتعرّض ل “السلم الاهلي”، وهو تعبير يسهل تأويله.
المبحث الثاني: القوانين الأمنية
لا يوجد بلد يعطي الصحافة الحرية المطلقة في النشر. لأن اعلان بعض الحقائق ليس دائماً لخير المجتمع، ولا سيّما اذا كانت هذه الحقائق تهدّد الامن الوطني وهي:
– الاعمال العسكرية في زمن الحرب
– مناورات الجيش في زمن السلم
المبحث الثالث: القوانين الصحافية (قانون المطبوعات)
هذه القوانين تعالج الحقوق والمحظورات الصحافية. معظم هذه القوانين هي تقييدية اكثر منها حمائية. الاّ أنها غائبة في بعض البلدان مثل قطر و الولايات المتحدة، بلجيكا وسويسرا وبريطانيا، حيث القوانين العامة تعالج الخروقات.
تحديد عدد الامتيازات(العناوين ) الصحافية في لبنان ب 99 (قانون 1948)، جعل سعر اليومية السياسية يقفز الى 400.000 دولار. وبسبب التطورات التقنية، لم يعد ممكناً الاّ للأقوياء، أي لأصحاب رؤوس الاموال، ليس فقط اصدار صحيفة، بل حتى الاستمرار في اصدارها.
المبحث الرابع: القوانين الجنائية
قانون العقوبات عادل بصفة عامة. انه يدعو الصحافة الى تحمّل مسؤولياتها في ما تنشره. هذه القوانين يمكن ان تخبّىء قيوداً، لدرجة ان ختم “غير اخلاقي” يمكن ان يُطَبَّق على نحو واسع النطاق ومتكرر.
الجزء الثاني: التوجيهات الرسمية
وهو كل ما يصدر عن السلطات المدنية والعسكرية، وأبرزها:
المبحث الاول: الضغوط الاقتصادية و السياسية
الوسيلة الاكثر مرئية للحدّ من حرية الصحافة، هواللجوء الى الرقابة والضغوط الاقتصادية. الحكومات وسّعت نطاق هذه الضغوط من خلال منح وسائل الاعلام والصحافيين، تسهيلات وتقديمات.
الاعلانات الرسمية مخصصة لفئة “مع” ومحظورة على فئة “ضد”: الاّ أن هناك استثناءين: حجب المعلومات والتدابير التقييدية.
المبحث الثاني: حجب المعلومات
كل اشكال الاحتجاز تمارس التضليل وتزوّر الحقيقة التي هي الاولوية الاولى للصحافيين. وهذه ممارسات غير مشروعة، وغير مرئية، تجعل معرفة الحقيقة ضبابياً . الصحافة العالمية تعتمد على الإقناع وليس على التكييف والترويض والبتر والإخضاع.
بصفة عامة، لم يساعد التضليل الاعلامي يوماّ على توطيد الامن، بل على العكس من ذلك، الأزمات الكامنة تنفجر في نهاية المطاف.
المبحث الثالث: التدابير التقييدية
وهي التي تحدّ من معرفة الحقيقة تنتشر، ومجموعات ضغط تتمتّع بحرية نسبية يمكن تحويلها الى فعل، والسلطات تحاول ترويض الصحافة وتحويلها الى رديف لها أو حليف، او على الاقل متعاون. فتمرّر عبر بعضها الاخبار كما تراها وليس كما هي. وتصبح الرقابة المباشرة واستخدام القوّة، شيئا مألوفا في الانظمة الكليّة بالطريقة نفسها التى تقمع بها الشرطة الجريمة.
وتتمتع الصحافة اليوم بصلاحيات واسعة تجعلها قادرة على تخفيف حدة التوتر، ولكنها في الوقت نفسه، تُثير المخاوف وتُديم الخوف بممارسة التضليل. واليوم يمكننا، بلطف، أي بدون حروب، اثارة مجتمع ضد آخر، وطبقة اجتماعية او عرقية ضد اخرى. وكنتيجة للتضليل، فإن الصورة الوطنية في الشرق تقدم مشوّهة بشكل منتظم وعن سابق اصرار، ويتمّ تصميمها من القوى الاجنبية، غير المبالية بكرامة البلد وبسكّانه. وتشويه هذه الصورة في اي وقت من الاوقات، في ظل ظروف معينة، يمكن ان يكون مصدراً للصراع.
وتهيمن الوكالات الدولية على مصدر معلومات وسائل الاعلام، بشكل كامل. ويمتلك الغرب وحده 120 وكالة انباء تغطّي ما يقارب 70 دولة. اربع وكالات أساسية: اثنتان أميركيتان (“يو بي آي” UPI و”أ.ب.”AP) ، واحدة بريطانية (“رويترز”Reuters) وواحدة فرنسية (“أ. ف. ب.”AFP).
أما في بعض البلدان العربية فلا وجود سوى غير للصحافة الرسمية، التي هي في معظم الأحيان وسيلة عُرفان وليس معرفة. والمواطن في هذه البلدان يفتقر الى المناعة، فيصدّق من لا يَصْدقه الكلام. وغالباً ما تتحول وسائل اعلامية عديدة الى ناطق رسمي باسم مالكها.
على الرغم من انها الدافعة الى التنوير والتعقّل والوئام، إلاّ أن الأنظمة الإعلامية الوطنية، كثيراً ما تحاول ان تكون “الوكيلة الحصرية” في بعض الأحيان، لجماعات خاصة او لبلدان، تتعارض مصالحها في كثير من الاحيان مع المصالح الوطنية.
القسم الثاني: لا مضلَّلين بدون مضلِّلين
ويقصد ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺗﻀﻠﻴﻞ ﻫﻨﺎ اﻟﺘﻼﻋﺐ، أي اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺷﺨﺺ، أو ﻫﻴﺌﺔ أو ﺟﻤﺎﻋﺔ، ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﻮﻳﻪ.
في كتابه “الصحافة العربية”، يقسّم ويليام أ. راف (Rugh) الدول العربية الى ثلاث مجموعات:
– الموالية: هذا العنوان يجمع بين معظم البلدان المنتجة للنفط بالاضافة الى تونس.
– التعبوية: وهي الانظمة الثورية حيث الصحافة أداة من أدوات السلطة: هذا ينطبق على ليبيا والجزائر، السودان ومصر.
– أنظمة اخرى: وهي الفئة التي تكون الصحافة فيها تابعة للقطاع الخاص، وتتمتّع ببعض الحرية. وتجد في هذه الفئة لبنان، المغرب والكويت، وصحافتها مُسيّسة، وتحاول ان تكون أكثر تحرراً. وفي بعض الاحيان تكون نقطة انطلاق للوصول الى المناصب السياسية: شارل حلو (لبنان)، الحبيب بورقيبة (تونس)، محمد حسنين هيكل (مصر).
التحوّل من المعلومات الى الدعاية السياسية سهل. والكتابات المتكررة عن حرية الصحافة في العالم العربي، لا تعني ان الحرية هي في صلب الاهتمام، بل انها في أزمة. ويُرجع “راف” ذلك الى اسباب أربعة :
1- الحكومات الخانقة للمعلومات
2- الخطاب السياسي الثََنَائي، والبرامج الاعلامية التافهة
3- صعوبة او استحالة الحصول على المعلومات، والرسمية منها
4- الحظر المفروض على المعارضة من الوصول الى الشاشة
وتلعب الصحافة في العالم الثالث دوراً تضليلياً من خلال: تشكيل الرأي العام لجهة تنميط الأفكار وردّات الفعل؛ التوعية التنموية (زراعية، بيئية، صناعية…)؛ التأثير في اتخاذ القرار.
من أجل بلوغ هذه الاهداف، تفرض الحكومات أنظمة كوابح عدة:
أ- بنية المؤسسة: على مستوى الجهاز البشري: تحديد الانتماء السياسي، والمذهبي احياناً.
ب- الممارسة الصحافية: من خلال”حارس البوّابة” أي من تمرّ عبره الأخبار، وغالباً ما يكون مدير التحرير الذي أُُحسِنَ اختياره…عقائدياً، فيستطيع من خلال تشكيلة واسعة من الوسائل والادوات أن يتلاعب بالاخبار. ومن أبرز هذه الادوات:
1- اﻹرباك: (راجع:”نماذج من التضليل الاعلامي”)
2- السفسطة: أي فن التلاعب المنطقي بالكلام: ” علينا اذاً أن نطالب بإسم التسامح الحق في عدم التسامح مع غير المسموح به”.
3- العلاقات العامة والتسويق السياسي: مجموعات اعلامية انغلو- ساكسونية تعرض للبيع نشرات أخبار تلفزيونية”المفتاح باليد”: ضمائر للبيع باسعار متدنية…
4- المَشاهدية
5- جدول الاعمال ( برمجة الاخبار وأحاديث الناس)
6- رأس المال(اذا أُسيء استعماله)
7- الكذب ولاسيّما بالحذف واﻹسقاط
8- المواقع الالكترونية ومحرِّكات البحث
9- التلاعب بالمناقشات المتلفزة
10- النجومية ( قال الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي بعد فشل الهجوم على كوبا في خليج الخنازير: “للنصرمائة أب، فيما الهزيمة يتيمة”).
11- استطلاعات الرأي ( التحت الطلب)
12- ردّ الفعل المشروط ( بافلوف / ايفانوف)
13- الدعاية السياسية: اﻹعلام بالضغط والتحريف)
14- القوالب النمطية
15- الافتراضات: (كمال توقّف عن التدخين= كان يدخّن)
16- غسل الدماغ (هو متفرع من إعلام “الاقناع القسري”) وتُستخدم فيه عقاقير الهَلْوَسة.
17- الكتب الموجَّهة
18- الصورة
19- كلام الصورة
20- الكاريكاتور
21- الصفات والنعوت
22- علامات التعجّب والاستفهام
23- العدد (التلاعب بالارقام وبالترتيب)
24- التكرار(تحوّل المثل الى نموذج: “الثورة الفرنسية”)
25- المعاني الكامنة ( درجة البداهة)
26- المعاني العكسية الموحى بها على طريقة: “أنتِ جميلة اليوم(= فقط).
27- الاخراج
28- الجِمَل التمهيدية (“قال” أو “ادعى” و”زعم”)
29- العناوين والعناوين الفرعية
30- رسائل القرّاء…المفبركة وهي واحدة من أدوات الدعاية الصهيونية
31- العبارات الاستهلاكية
32- الاعلان الموجَّه
33- الامثال والحِكَم والاقوال المأثورة(درجة الاقتناع بها عالية)
34- التوقيت ( التصاريح الهامة تأخذ في الاعتبار موعد نشرة الاخبار الرئيسية).
ملاحظة: أدوات التلاعب بالاخبار (من 18 الى 34) يتم التحكم بها من قبل قسم التحرير ومديره في الوسيلة الاعلامية
قال الباحث الاجتماعي- النفسي ميشال موكييللي في كتابه “التخريب”( مجلة “السياسة الدولية، العدد العاشر): “التضليل هو وسيلة ﺇخبار”)
القسم الثالث: نماذج من التضليل
الحقيقة التي نتعاطى معها في يومنا هذا، ما هي إلاّ وهم. فهي بكلّ بساطة ليست واحدة، فما نصادفه وما نتعاطى به هو صيغ مختلفة لها وجهات نظر متعارضة، إنعكاساً للحقيقة.
الجزء الاول: الإرباك: (La confusion)
1- أفخاخ الديبلوماسية…
القرار 242، و”ال التعريف” في ” أراضٍ” بدل ” الأراضي” العربية المحتلة.
2- …و الترجمة
بليون في الولايات المتحدة وفرنسا هو ألف مليون، بينما هو في انكلترا وسائر أوروبا مليون مليون.
3- …والمصطلحات: الديمقراطية والديمقراطية الشعبية: قريبان في التعبير، متناقضان في المفهوم وفي الممارسة.
4- لغة النمل
لدى النمل رقصات هي في الوقت نفسه أدوات تخاطب موروثة. وهناك فرق بين رقص النمل النمسوي والنمل الإيطالي. فإذا استولدنا نملاً هجيناً، فبعض أصنافه يحمل مورّثات آبائه الإيطاليين و”يتكلّم” اللغة النمساوية.
وكذلك يمكن لبني البشر أن يقعوا في نفس الإرباك في التعبير الجسدي “الموروث” من التقاليد، وغير المفهوم من الأجانب.
5- طريقة السلام والتحية: وتختلف من بلد الى آخر، ولا سيّما ما يتعلّق منها بعدد القبلات.
6- المسافة بين شخصين “غريبين” يتواجهان: المسافة المعتمدة في أوروبا وشمال أميركا هي مدى الذراع الممدودة، بينما هي أقرب في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط .
7- زوجان يصفان بعد ثماني سنوات على زواجهما، أولى مواجهاتهما: حديث الزوجة في ملهى الفندق مع رجل وزوجته: الزوج يرفض الانضمام إلى الحوار (موقف عدائي)، والزوجة تتهمه بافتعال وضع محرج. وحصلت بعد ثماني سنوات مصارحة بين الزوجين: هي كانت تريد ممارسة دور إجتماعيّ جديد: التحدّث كسيّدة فيما كان يريد الزوج أن تكون أكثر حميمية، وأن تتجاهل سائر العالم.
حسنات الإرباك: حالة “هانس” اللّعين
“هانس” جواد يتواصل مع صاحبه، بطََرْقِ نضوته بالأرض: ضربة للحرف “أ”، ضربتان لـ”ب”، وهكذا… بعد أن علّمه الابجدية صاحبه فيلهم فون اوستن، وهو مدرّس متقاعد، من برلين.
الجزء الثاني: التضاد (Le paradoxe):
1- “أن أفكّر بأنني لا أريد التفكير بك يعني انني أفكّر بك”.
2- “اني سعيد بأني لا أحب الملفوف، لأني لو أحببته سآكل كثيرًا منه وهذا ما أكرهه”.
3- وجه مضيفة الفندق يتعارض مع شارة “أهلاً وسهلاً” التي تحملها على صدرها، ويتعارض أيضًا مع شعار الفندق “نحن سعداء بزيارتكم”.
4- كان الملك فيليب الثاني يحكم امبراطورية لا تغيب عنها الشمس. وكانت أوامره تستغرق وقتاً طويلاً لبلوغ الاطراف النائية، وكانت تصل دائماً بعد فوات الاوان. هذه المعضلة أدّت الى حلٍّ جدلي في أميركا الوسطى: ” نطيع ولكن لا ننقذ”. بعد قرنين من الزمن، تحت حكم الإمبراطورة ماري تيريز التي عاشت لما بعد الحرب العالمية الأولى، كوفىء بأعلى وسام، الضباط “الذين غيّروا وجه المعركة” بتصرّفهم من تلقاء ذاتهم بعدم إطاعة الأوامر.
5- أكره صديقي لِما له من سلطة عليّ، لكنّي أرتعد من فكرة سقوطه لأنه يحميني.
الجزء الثالث: رد الفعل المشروط (Le reflexe conditioné):” الفرضية هي التي تحدّد ما نستطيع ملاحظته” (البرت اينشتاين).
1- الجواد العصبي
وُضع لأحد حوافر جواد نضوة معدنية، وتمّ تثبيت صفيحة معدنية على أرض الاسطبل الذي هو فيه. وكانت تُرسَل اليه صدمة كهربائية خفيفة مصحوبة بصفارة. فربط بين الصدمة الكهربائية والصفير(رد الفعل المشروط). وكلما أُُرسِل اليه التيار رفع حافره لتفادي الشعور بالصدمة، وتَرسّخ لديه بأنه أحسن فعلاً. ثم أصبح يرفع حافره عند سماعه الصفير الذي لم يعد مصحوباً بالكهرباء، ولم يتعلّم أبدًا أن الصفارة ما عادت مصحوبة بالكهرباء. فاكتسب بذلك علامة إثارة مَرَضية.
لا داعي للقول ان هذا لا ينطبق على الحيوان فقط.
2- الفأر المتطيّر
نحرر فأرًا من قفصه الى مساحة طولها متر تقريبًا تتضمّن طبق غذاء في طرفها. بعد 10 ثوان من وصول الفأر إلى الساحة المخصّصة له، نرمي الطعام على الطبق. إذا استطاع الفأر بلوغ الطبق بأقلّ من عشر ثوان بعد إطلاقه، لا نقدّم له طعامًا. الفأر “المستنير” يربط الوقائع ويستخلص النتائج. ولأنه ليس بحاجة إلى أكثر من ثانيتين لبلوغ الطبق، عليه ٳضاعة بعض الوقت حتى تمرّ الثواني العشر، خلافاً لطبيعته التي تدفعه الى التوجّه مباشرة الى الطعام. ومهما تكن الطريقة التي هدر بها الفأر الوقت، فهي الشرط الاساسي في نظره لظهور الطعام، مكتسباً بذلك رد فعل مشروط. وهذا يلتقي مع قناعات بعض الناس بخرافات وعقائد معينة.
3- كلّما تعقّدت أفضل
نطلب من شخصين “أ” و “ب” الإشارة إلى الخلايا الصحيحة بالضغط على زرّين. المتباري “أ” ينجح في التجربة بنسبة 100%. المتباري “ب” يجيب من خلال أجوبة “أ”، وأجوبته تبدو غامضة ومعقّدة.
ما هو مثير ومدهش، أن “أ”، لا يرفض توضيحات “ب” المعقّدة والغامضة، بل يندهش لوضوحها المتكلَّف. “أ” يتجه إلى الشعور بالدونية والهشاشة بسبب بساطة إجاباته. وكلما كانت “أوهام” “ب” معقّدة، كلّما استحوذت على قناعة “أ”.
وقبل القيام بتجربة أخرى بصور جديدة، سئل الفريقان “أ” و “ب” من سيأتي بنتائج أفضل من الدورة الاولى. جميع المؤيدين ل”أ” و “ب” أجابوا بأنه سيكون “ب”. في الحقيقة لم يحرز “ب” أي تقدّم، ولكن يبدو أنه ينجح أكثر لأن “أ” الذي بات يشارك “ب” بعض أفكاره الغامضة، أتت نتائجه أقل مما كانت عليه في المرة الأولى.
الدرس الذي نستخلصه من هذه التجربة، يدلّ اننا ننبهر بالتفسير المثير للدهشة.
إذا نظرنا إلى التاريخ، نجد ان الصيغ التي كانت تبدو قاطعة كانت السبب في الكوارث الكبرى.
4- صدفة وقواعد
إذا خلطنا ورق اللعب وصففنا كلّ صنف بالترتيب من الواحد إلى الجدّ، فان حظ هذا الاصطفاف مثل حظ أيّ اصطفاف آخر. وتبدو الصدفة، وفق هذا الترتيب، هي القاعدة والنظام هو الاستثناء البعيد الاحتمال، وهو تناقض جميل يحذّرنا منذ البداية أن احداثاً أكثر غرابة يمكن أن تلي… بامكاننا أن نقول الأمر نفسه بشأن آلة”ﻹنتاج الصِدَف” تطبع سلاسل رقّّمية، ولنفترض أنها أنتجت المنظومة المتتالية 0123456789 .انطباعنا الاوليّ سيكون ان الآلة معطّلة لأن هذه الارقام العشرة هي ” بكل تأكيد” مرتّبة ترتيباً تاماً، وبالتالي ليست مصادفة. الخطأ الذي نرتكبه هو أن هذه المنظومة هي مرتّبة ومُحتملة مثلها مثل أي منظومة أخرى من عشرة أرقام.
لقد تمّ اعتماد جوهر الصدفة لغياب النموذج. لكن الذي لم نضعه في الحسبان لغاية الآن أن غياب النموذج يفترض منطقياً وجود آخر. والقول بأن تتابعاً ليس له أنموذج، هو تناقض رياضي؛ وجلّ ما يمكننا قوله أن ليس لها نموذجاً يمكن العثور عليه. مفهوم الصدفة ليس له معنى الاّ بالنسبة للمراقب: واذا كان مراقبان اعتادا على أن يبحث كلّ منهما على نماذج مختلفة، فسيختلفان لا محالة على النتائج التي سينسبانها الى الصدفة.
5- التنقيط الدلالي:
لنأخذ هذه العبارة: “هل تعتقد ان هذا يمكن أن يقوم بالمهمة؟”
معنى الجملة يتوقّف على التشديد والتأكيد، أو الاستفهام، بالنسبة للفظتي “هذا” أو “يقوم بالمهمة”. هذا بالاضافة إلى الكلام الذي يحمل أكثر من تفسير، من حركات، توقفات ونبرات.
الجزء الرابع: التضليل التجريبي
الكاميرا الخفية:
• – • • _ •
2 1
تركن سيدة سيارتها في الموقف 1. ثم تأتي رافعة وتنقل السيارة إلى الموقف 2.
واثر عودتها لاخذ سيارتها لا تجدها في مكانها فتصاب بالدهشة، وتتوجّه لاستدعاء النجدة. وقبل عودتها برفقة العامل، كان الفريق قد أعاد السيارة إلى مكانها الأول في (1). علاوة عن الصدمة، عليها الآن الشك بسلامة قواها العقلية.
المبحث الاول: بروز القواعد
البند الاول: شاب في موعده الأول مع فتاة، لم يطلب منها تفسيرًا عن تأخّرها 20 دقيقة. لقد قَبِلَ القاعدة الأولى في علاقتهما: لها الآن “الحقّ” في التأخّر، وهو ليس لديه “أي حق” في التذمّر.
و إذا أراد لاحقًا اتهامها بجعله دائمًا ينتظر، يكون ردّها مبنيًا على سؤالها له: “لماذا لم تتذمّر منذ البداية؟”
البند الثاني: توافق الدول على وجود جواسيس على أرضها، لأنها تتقبّل ضمنًا قاعدة الطرد المتبادل.
الجزء الخامس: الترابط
يحتجز قاضي تحقيق رجلين كمشتبه بهما بسرقة مسلّحة. الدلائل غير متوفرة لرفع القضية أمام المحكمة، فيجب إذن استدعاؤهما. فيقول لهما أنه بحاجة إلى اعترافات لاتهامهما، وإلاّ لا يستطيع سوى ملاحقتهما بتهمة “امتلاك أسلحة نارية بشكل مخالف للقانون”، وهي جنحة عقوبتها السجن ستة أشهر.
وإذا اعترفا، يعِدُهما بالعقوبة الأدنى بتهمة “السرقة بقوّة السلاح”، وهي السجن لمدة عامين، كحدّ أقصى. وهو لم يعطِهما الفرصة للتشاور لأنه سَجَنهما في زنزانتين منفردتين.
بدأ كلّ واحد يشكّ بثقة الآخر، وبتضامنه معه: هل سيعترف أم لا؟
الثقة بالآخر تتعلّق بما يوحي به الأول تجاه الآخر.
الجزء السادس: التهديد
لكي ينجح التهديد، يجب أن تتوفّر فيه شروط ثلاثة:
1- أن يكون مقنعًا، أو ممكنًا إلى حد كاف حتى يؤخذ بجدية.
2- أن يطال هدفه (الفريق المهدّد).
3- أن يكون بمقدور الهدف الخضوع للتهديد.
إذا كان أحد هذه الشروط غير متوفر، أو يمكن إلغاؤه، يسقط التهديد.
كيف العمل حتى يتحقق التهديد، وكيف يمكن تحييده؟
إذا هدّدك أحد بملاحقتك قضائيًا لأنك رميت عقب سيجارة على حديقته، فلن تعير لذلك اهتمامًا يُذكر. لكن إذا هدّد شخص بالانتحار اذا لم تدعه يلتهم الحلوى خاصتك، وإذا كنت تعرف أن هذا الشخص ارتكب في الماضي أعمالاً يائسة، فمن الممكن تعطيه قطعة الحلوى.
يمكن أن نواجه بالآلية نفسها من يهدّدنا، الدفاع الأكثر بداهة الذي نلجأ إليه عادة، هو تهديد معاكس أكثر جدية، وإقناعاً. وهذه بعض الأمثلة:
أ- نزول القائد الاسباني هيرنان كورتيس على شواطئ فيرا كروز في المكسيك وقد أحرق بواخره لإرغام جنوده على “القتال أو الموت” بدون أن تكون لهم إمكانية العودة إلى اسبانيا.
ب- تهديد هتلر لسويسرا التي أفهمته بأنها لن تخضع.
ج- تواجد القوات الأميركية في أوروبا: الولايات المتحدة تعرف ان السوفيات يعرفون ان الولايات المتحدة تعرف ان قواتها ضئيلة إلى درجة انها لا تشكّل تهديدًا لحلف وارسو، إلاّ ان الوجود المادي لهذه القوات يشكّل التزاماً غير قابل فرضياً للتفاوض من قِبل الولايات المتحدة حتى لا تتراجع أمام تهديد من الشرق.
التهديد العاجز عن بلوغ هدفه، كمحاولة سرقة مصرف تبيّن أنه أعلن إفلاسه في الصباح، أو أن مفتاح الخزنة ليس مع أمين الصندوق.
التهديد الذي لا يمكن الخضوع له:
1- إذا هدّدني أحد بالموت إذا لم أعطه مليون دولار، لن يكون صعبًا عليّ إقناعه بأني لا أملك المبلغ، ولا يمكنني استدانته أو جمعه. ولكن إذا طالبني بمئة دولار، يكون عليّ الرضوخ والدفع.
2- إرهابيون في الخارج يحتجزون رهينة معتقدين خطأً أنه أميركي فتصبح قيمته كرهينة صفراً.
القسم الرابع: الخداع والتضليل في عمل الاستخبارات
عمل أجهزة المخابرات يتضمّن شقين(1):
1- الحصول على معلومة عن العدو (تجسّس)
2- منع العدو من الحصول على معلومة (مكافحة التجسّس).
هناك أيضًا نشاط ثالث: تزويد العدو بمعلومات مضلّلة: “ماذا يعتقد انني أعتقد ما يعتقد؟”
ويضيف السوفيات ضغط النفوذ.
عملية “ماينس ميت” (Mince Meat)
في 30 نيسان/ ابريل 1943، عثر صيّادون إسبان على شاطئ هويلـﭬـا الأطلسي، على جثّة رائد طيّار في القوات البحرية الملكية البريطانية. ووجدوا بحوزته وثائق، ودلائل أخرى تؤكّدها بما لا يدع مجالاً للشك، بأنه كان ساعٍ توجّه من لندن للالتحاق بالقيادة العامة للجيش البريطاني الثامن عشر في تونس، وأن طائرته سقطت. وعندما عثرت القوات الإسبانية المكلّفة بالتحقيق على رسائل عدّة مع الجثّة، بدون أن تفضّ عنها أختامها، تأكّد لها أن الأمر يتعلّق بوثائق عسكرية بالغة الأهمية فقد كان بحوزته رسالة من القائد المساعد للأركان الملكية الجنرال الكسندر، الى القائد المساعد للجنرال إيزنهاور في افريقيا الشمالية، تتعلّق بالحملة في المتوسّط، وقد أشير بحماقة إلى اليونان كهدف محتمل للغزو. ورسائل أخرى شخصية من الأميرال مونتباتن إلى الأميرال كوننغهام القائد الأعلى للقوات البحرية للحلفاء في المتوسّط، تتضمّن أيضًا إشارات واضحة عن هذه النقطة.
بدأ نائب القنصل البريطاني في هويلـﭬـا والملحق البحري البريطاني في مدريد مباشرة، تحقيقًا سريًا بداية ثمّ شيئًا فشيئًا صار علنياً، بهدف استعادة الجثمان والوثائق. ودامت البلادة المتعمّدة من قبل الإسبان الوقت الكافي حتى يستطيع عميل المخابرات الالمانية الحصول على أدنى تفصيل من المعلومات عن هذه القضية، وإعادة الرسائل إلى مظاريفها قبل الاستجابة إلى طلب البريطانيين. وكانت بين الوثائق واحدة تدعو إلى تضليل الإعلام وإيهام الألمان بأن الإنزال سيكون في صقلية.
في مدافن هويلـﭬـا، صخرة بسيطة تحمل هذه الكتابة:
“ويليام مارتن. ولد في 29 آذار/ مارس 1907 وتوفي في 24 نيسان/ ابريل 1943. والده جون غليندوير مارتن وأمه المرحومة انتونيا مارتن”.
وفي الواقع، فإن الرائد ويليام مارتن لم يبصر يومًا النور وربما كان اختلاق هذه الشخصية الوهمية أكبر عملية تضليل ناجحة في الحرب العالمية الثانية، التي حملت الاسم الكودي “عملية ماينس ميت”. نشر هذه العملية مهندسها العميد ايـﭬـن مونتاغو Even Montagu تحت عنوان “الرجل الذي لم يوجد”.
بعدما احتلّ الحلفاء شواطئ افريقيا الشمالية عام 1943، بدأت التحضيرات المتعلّقة بإنزال إلى ما كان تشرشل يدعوه “خاصرة أوروبا الهشّة” صقلية. وأي عملية من هذا النوع تتطلّب آلية قرار توافقي، الهدف منه التضليل والإرباك. كان على الاستراتيجيين الحلفاء الإجابة على هذا السؤال: ماذا يكون الهدف الأسهل؟ نظرة سريعة إلى الخريطة تبيّن أن هناك ثلاث إحتمالات: اليونان، صقلية وسردينيا. من الاحتمالات الثلاث، تبدو صقلية إلى حدّ بعيد الأقرب والأهم. ولأن الأمور على هذه الصورة، يصبح من المنطقي ان تعزّز القيادة العليا لدول المحور الشواطئ الجنوبية والشرقية للجزيرة وتحشد لها أكبر عدد من قواتها للدفاع عنها.
وليصرف الحلفاء نظر الالمان عن صقلية، أوهموهم بعملية التضليل “ماينسميت” هذه، بان الإنزال سيكون في اليونان.
معلومة بهذا الحجم لا يمكن تداولها إلاّ بين القادة، حتى تكون مقنعة للالمان. لذلك كان هذا الحشد من الاسماء القيادية.
القسم الخامس: التضليل الأميركي في حرب الخليج
في الولايات المتحدة الأميركية، خلال حربي الخليج الثانية والثالثة، لم يكن في وسع المواطن الأميركي مشاهدة صور القتلى الأميركيين. و ضمّت الفِرَق الأميركية المنخرطة في النزاع مجموعة من الصحافيين الى وحداتها القتالية. فالتحق حوالي 600 صحافي من العالم أجمع، بالمنظومة العسكرية، مما حرمهم من الحرية والممارسة المستقلة لمهنتهم. وكانت الشاشات التلفزيونية الاميركية خلال هاتين الحربين أشبه بقيادة أركان لرموز الحكومة، معظمهم عمداء سابقين في الجيش وجدوا أنفسهم مجدداً في الخدمة…ولكن الأعلامية هذه المرة. وكان حظّ الهواء لمعارضي هذه الحرب ما نسبته 2 % فقط.
ويختلط في وسائل الأعلام الاميركية الصحافي بالعسكري.
ال”سي.ان.ان.” مملوكة من جنرال موتورز، أكبر مورّد أسلحة لوزارة الدفاع الاميركية؛ ال”ان.بي.سي.” من جنرال دايناميكس، التي تصنّع صواريخ باتريوت، القاذفة ب-52 ، وطائرات الاستطلاع أواكس.
ضمن المجموعات الصحافية الأبرز نلاحظ وجوداً قوياً لصناعات الدفاع:
• سايروس فانس، وزير الدفاع السابق، هو في الادارة العامة لل” نيو يورك تايمز” ويشغل مقعداً أيضاً في ” آيرو دايناميكس”، شركة الأسلحة العملاقة.
• هارولد براون، وزير دفاع سابق أيضاً، في مجلس ادارة”سي.بي.اس.”.
• روبرت ماكنامارا، وزير دفاع أيام جون كينيدي، في ال” واشنطن بوست”.
وتذوّب أجهزة الدعاية المتخفيّة في وسائل الاعلام، الصحافة وحريتها في أتون الحرب.
في الأيام الأولى للعمليات العسكرية، تم بث 245 صورة فوتوغرافية تمثّل الأسلحة، مقابل 40 صورة لما تبقّى، للناحية الانسانية، أي للناس وللدمار…
هذه النسبة لم تتغيّر في التلفزيون: 95% من الصور ركّزت على القوات الاميركية، مقابل 3% فقط على الحلفاء(التحالف)، وغياب شبه مطلق للجيوش العربية والعراقية، وحتى للشهداء.
لقد تمّ تسخيف الحرب وتقديمها كاستعراض(show)، وليس كدعوة الى التأمّل في أزمة أو في مأساة. كما جرى تهميش الشهيد، وأصبح البطل أشبه بتلك الدمى التكنولوجية القاتلة، كما لو أننا أمام حلقة من برنامج “حرب النجوم”. هذا بدون أن نتحدّث عن قصف شبكات التلفزة المناوئة. كيف يمكننا أن نشرح، بعد عصور من التنوير العلمي،أننا ما زلنا نعيش قصة ذلك الساعي الذي تمّت تصفيته لأنه جلب خبراً سيئاً. لقد تحوّل نقل الأحداث الى تسويق لصناعة الأسلحة. فصور حاملات الطائرات والصواريخ مأخوذة من الأفلام الترويجية التجارية( “الكاتالوغات” الرقمية) للشركات الصانعة.
القسم السادس: التضليل بالكذب
ان عبارة “تحالف” هي نفسها أكذوبة. واتهمت جيسيكا لينش، الجندية الاميركية التي تمّ “تحريرها” من المستشفى الذي “اعتقلت” فيه، تحت العدسات، الجيش الاميركي بالتضليل. كما أن ذريعتي الحرب(أسلحة الدمار الشامل والعلاقة ب”القاعدة” التي اتُهِم بهما الرئيس العراقي السابق صدّام حسين)، تبيّن زيفهما باعتراف الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش نفسه.
وماذا نقول أيضاً عن الرسوم والتصميمات التي عرضها في الامم المتحدة وزير الدفاع الاميركي السابق كولن باول كإثبات عن وجود أسلحة الدمار الشامل النوويّة والجرثومية والكيميائية، وقد تبيّن لاحقاً أنها وهميّة.
بعد أسبوع واحد على انطلاق المعارك، تمّ تسجيل خمس عشرة كذبة كبيرة أساسية، نشير هنا الى السبع الأبرز منها:
1. موت صدّام حسين
2. احتلال أمّ قصر(أُعلن سقوطها ثلاث مرّات)
3. استسلام مجموعة كبيرة من الجيش العراقي للقوات الأميركية
4. استسلام فرقة عراقية من ثمانية آلاف جندي في البصرة
5. سقوط البصرة
6. سقوط الناصرية
7. انسحاب ألف آليّة من الحرس الجمهوري من بغداد الى جنوب البلاد
وبعيداً عن حرب العراق، لمجرّد اعطاء أمثلة، اكتشفت ال”نيويورك تايمز، أن أحد صحافييها، جايزون بلير، كان يخترع مواضيعه، كما صرفت ال”يو اس آي توداي” مراسلها جاك كيلي، لاستشهاداته الخيالية خلال حرب صربيا.
القسم السابع: التضليل بالكلمة
تستخدم شبكة ال”سي.ان.ان”مثلاً تعبير”أحياء” (neighbourhood) ل”المستعمرات” بدلاً من settlement))؛ وعبارة”الأراضي المُتَنازع عليها”( disputed land) بدلاًمن “الأراضي المحتلة (occupied land)؛ و”اشتباك”( accrochage) بدلاًمن “اجتياح (devastation)؛ و”ارهابيون” لمقاتلي فتح وحماس بدلاً من”مقاومون”؛ و”ولد” بدلاً من “رضيع” لطفل عمره سبعة أشهر قتلوه؛ و”المزيد من العنف” بدلاً من ” اشتباك” في غزّة لاعطاء صورة سلبية عن هذا القطاع؛ و”قتل استهدافي”(targeted killing) بدلاً من “اغتيال”(assassination ) . ولا تُظْهِرال “سي.ان.ان. خلال الاشتباكات ” سوى المقاتلين الملثّمين… بالاضافة الى ذلك، فان ثلاثة أرباع المعلّقين في شبكة الـ “سي.ان.ان” يهود.
من جهتها تسمي محطة “الحرة” المقاتلين العراقيين ب” القوى المتمرّدة” أو “المتمرّدين” rebelles)).
ويواجه كلٌّ منا سيلاً من المعلومات المكوّنة من صور وكلمات مختلفة، ومتناقضة أحياناً، ويكون علينا المقارنة، الاختيار، واعادة تشكيل الحقيقة بمزيد من الشفافية.
الصحافي هو الشخص الذي يحتاج أكثر من غيره الى الحرية لأنه على تماس يومي معها. ويخضع لعلاقات قوّة ولمعايير وتفترض الحرية الاعلامية تحوّل المؤسسات الصحافية الى شركات خاصة مستقلّة. كما يجب انشاء المزيد من وسائل الاعلام وابتكار برامج تربوية وتعليمية.
وقد نشر المركز الفرنسي لتأهيل الصحافيين وتطويرهم مهنياً (cfpj) وصايا نذكر ستاً منها:
1. على الصحافي أن يتحمّل مسؤولية ما يكتب، حتى ولو لم يكن موقّّعاً من قبله.
2. على كل صحافي السهر على شرف المهنة.
3. الكذب محظور بما فيه الاستشهادات المحوًّرة أو الخاطئة.
4. على الصحافي الاّ يقبل الرشوة…
5. … وألاّ ينسب لنفسه عمل زميل.
6. عليه أن يعتذر في كل مرة ينشر فيها معلومة خاطئة.
وفي غياب التوافق على المبدأ الأساسي لحرية التعبير، نقترح ثلاثة بدائل:
أ- الحريّة في موضوع الحقّ العام يجب أن تكون مطلقة.
ب- التعبير عن الأفكار، مهما كانت، يجب أن يكون مصاناً.
ج- حرية التعبير لا يمكن أن تكون محدودة بالضرر الذي يمكن أن تُلحقه بالمجتمع.
القسم الثامن: استطلاعات الرأي بين التضليل والإعلام
مسألة تأثير استطلاعات الرأي على سلوك الناخبين قديمة قدم الاستطلاعات نفسها. فهي تستعيد ظهورها لدى اليسار أو لدى اليمين، عندما يسعى أيّ طرف إلى شرح نكسة انتخابية. ويمكن أن تؤثّر في نتائج التصويت. فالتلاعب بالارقام سهل في غياب ضوابط دقيقة وقاسية؛ العلّة ليست في العدد وانما في بني البشر وفنون التلاعب والاحتيال ليست بنت الحضارة الحديثة. فقد مارستها معظم شعوب الارض. وشيئاً فشيئاً حصلت محاولات لضبط الاوضاع وبخاصة بعدما أصبح صوت ناخب واحد أحد في الانظمة الديمقراطية يبدّل الحكم والحكومات،ويتحكّم بالمصائر والمقدّرات. وبعد شيوع استطلاعات الرأي، عمدت الدول الى قوننة هذه الظاهرة التي فرضت نفسها كعلم يُحسب له حساب خصوصاً بعدما دلّت استطلاعات الرأي في فرنسا في عام 1965 الى تعادل الجنرال شارل ديغول وفرنسوا ميتران في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية، وانتقال الحسم الى الدورة الثانية.
نشأت استطلاعات الرأي السياسية من التطوّر الهائل في علم التسويق. وكما يشير لويك بلونديو، فقد كانت الشركات في الولايات المتحدة الاميركية أول من استخدم هذه التقنية للتعرّف على توقّّّّعات المستهلكين وزيادة اسواقها. ورويداً رويداً امّحت الحدود بين التسويق والسياسة، بعدما أنشأ الصحافي ج. ھ . غاللوب في عام 1936 “المعهد الاميركي للرأي العام” من اجل الانتخابات الرئاسية.
الجزء الاول: استطلاع الرأي في أوروبا
في فرنسا، استطلاع الرأي السياسي بدأ في فترة الحرب العالمية الثانية، عندما أسس جان ستويتـزل “المعهد الفرنسي لاستطلاع الرأي”(أيفوب). وكان القانون الفرنسي يحظّر نشر التوقّعات قبل أسبوع من الانتخابات، واصبحت هذه الفترة يوماً واحداً بفعل قانون صدر في عام 2002.
أكثر اعتدالاً، مجلس أوروبا يستعدّ لتبنّي بعض قواعد اللعبة التي أقرّها تقرير “بِرن”(سويسرا) الذي يرفض أيّ تدخّل من جانب الدولة.
في أوروبا اتفق الجميع على نقطة واحدة: منع نشر أيّ تقرير يمكن أن يقدّم معلومات كاذبة إلى الناخبين. ولا يمكننا أن نستبعد إرادة التلاعب من خلال نشر استطلاعات مزوّرة. ولكن الأخطاء تتعلّق أساسًا في عدم التيقّن من إجراء دراسة استقصائية، على الرغم من تحسين الأساليب العلمية.
المبحث الاول: قرائن دون أدلّّة
نحن نعرف القليل جدًا عن تأثير استطلاعات الرأي على سلوك الناخبين. وقد خلصت دراسة فرنسية، على سبيل المثال، إلى ان نسبة 5 إلى 10 في المئة من الناخبين في الانتخابات الرئاسية لعام 1995 أخذت في الاعتبار استطلاعات الرأي للتعبير عن خياراتها. هذا الرأي هو أبعد ما يكون عن الاستهانة به، ولكنه لم يذكر شيئًا عن كيفية ممارسة هذا النفوذ. قد تكون هناك “تداعيات”: تصويت الناخبين للجانب الذي أُعلن منتصرًا. ردّ الفعل قد يكون عكسيًا ويعبّر عن “التعاطف” مع الخاسر لتجنيبه هزيمة قاسية.
المسار الآخر: تخلص دراسة المانية إلى أن نسبة 85% من الناخبين في الانتخابات التشريعية قد قرّرت بالفعل الاختيار أشهراً عدّة قبل الانتخابات. عدد الناخبين المتأرجحين الذي يمكن أن يتأثّر بالاستطلاع، أصبح ضئيلاً. النظرية تشير إلى أن الاستطلاع لا يغيّر الآراء كثيرًا بل انه على العكس، يشجّع الممتنعين على التعبئة في الدقيقة الأخيرة، في حالات التوقّعات الضيّقة.
المبحث الثاني: حظر يُعارَض بشدّة
هل ينبغي على أساس هذه الافتراضات حظر نشر استطلاعات الرأي قبل بضعة أسابيع أو أيام من إجراء الانتخابات كما هو الحال في فرنسا وإيطاليا، إسبانيا والبرتغال، بلجيكا أو اليونان؟ هذا الحظر هو مُعارَض بشدّة لأسباب جديّة:
1- أي حملة انتخابية تهدف إلى إقناع الناخبين. والعديد من السياسيين لا يتردّدون في نشر معلومات كاذبة يمكن أن تشوّه طوعًا تشكيل رأي. وينبغي أيضًا إدخال الرقابة المًسبقة للدعاية إذا كنّا نريد المطالبة بالقضاء على أيّ تلاعب!
2- استطلاعات الرأي موثوقة لأنها تجري في موعد قريب من الانتخابات. وحظر النشر في الفترة الأخيرة، يعزّز الاستطلاع الأخير المسموح به ويعطي قيمة لعدم دقّته.
3- إن وجود استطلاعات رأي غير منشورة، ولكن معروفة من الذين طلبوها، ولا محالة من الصحفيين، يفتح الباب على شائعات تلاعبيّة أكثر من نتائج دقيقة.
4- المعلومات لا تعرف حدودًا. فوسائل الاعلام السويسرية مثلاً تنشر نتائج استطلاعات الرأي المحظورة في فرنسا. وفرض حظر نشر استطلاعات الرأي في سويسرا سيتمّ القفز فوقه في المانيا أو النمسا.
5- مراقبة الرسائل عبر الانترنت لم تُنفّذ بعد.
علاوة على ذلك، وفي ما يتعلّق بسويسرا، هناك تطوّر ملحوظ في التصويت عن طريق المراسلة في بعض الكانتونات قبل أسابيع عدّة. وفرض حظر نشر استطلاعات الرأي لن يكون له معنى الاّ عن كامل مدّة الحملة. لهذه الاسباب كلها، فان تقرير المجلس الاتحادي السويسري يستبعد فرض حظر قانوني على نشرها.
المبحث الثالث: وضع قانون او مدوّنة لقواعد السلوك؟
تدخّّل أخر ممكن: وَضْعُ التوقّّعات، تنظيمها ونشرها. لضمان معلومات يمكن للناخبين الركون إليها، ينبغي لاستطلاعات الرأي أن تحترم عدداً من القواعد في وضع استبياناتها وعيّناتها. يدعو مشروع توصية أعدّه مجلس أوروبا في آذار/ مارس 1998، إلى أن يترافق نشر النتائج مع معلومات وافية عن طريقة الاستطلاع ، وموثوقيته وهويّة طالبيه.
ولا يعترض المجلس الاتحادي السويسري على هذا النهج الذي لا يقيّد حرية التعبير. ويستبعد ان يجعل منه التزاماً قانونياً، تاركاً الحرية لكلّ طرف. جميع العاملين في القطاع اجتمعوا لوضع مدوّنة لقواعد السلوك، تلحظ عقوبات ضد المخالفين. ويبدو ان الحكومة موافقة.
لأسباب عقائديّة من ناحية، فهو يعتزم الحدّ من تدخّل الدولة. كما أن الحكومة ترفض أيّ تنظيم لوضع استطلاعات رأي شاملة لا تضمن الموثوقية.
من ناحية أخرى ولأسباب اقتصادية، يتمّ نشر ملخّص عن استطلاعات الرأي، كما هو الحال اليوم، لأنه أقلّ كلفة، من عمليات المسح الدقيقة والمتقدّمة وحينها تتفوق الكميّة على النوعيّة.
الجزء الثاني: استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الاميركية
المبحث الاول: التلاعب بالعقول
يحكي هربرت شيللر في كتابه”المتلاعبون بالعقول” كيف يجذب محرّكو الدمى الكبار في السياسة والاعلان ووسائل الاتصال الجماهيري، خيوط الرأي العام. فيقول: ﻳﻘﻮم ﻣﺪﻳﺮو أﺟﻬﺰة اﻹﻋﻼم ﻓﻲ الولايات المتحدة ألاﻣيركية ﺑـﻮﺿـﻊ أﺳﺲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺪاول اﻟﺼﻮر والمعلومات، وﻳﺸﺮﻓﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎلجتها وﺗﻨﻘﻴﺤﻬﺎ وإﺣﻜﺎم اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠـﻴـﻬـﺎ. ﺗﻠﻚ اﻟـﺼﻮر والمعلومات اﻟـﺘﻲ تحدّّد ﻣـﻌـﺘـﻘـﺪاﺗـﻨﺎ وﻣﻮاﻗﻔﻨﺎ ﺑﻞ وتحدّّد ﺳﻠﻮﻛﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻤﺪ ﻣﺪﻳﺮو أﺟﻬﺰة اﻹﻋﻼم إﻟﻰ ﻃﺮح أﻓﻜﺎر وﺗﻮﺟـّﻬﺎت ﻻ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺟﻮد اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺘﺤﻮﻟﻮن إﻟﻰ ﺳﺎﺋﺴﻲ ﻋﻘﻮل. ذﻟﻚ أن اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﻮ ﻋﻦ ﻋﻤﺪ إﻟﻰ اﺳـﺘﺤﺪاث ﻣـﻌﻨﻰً زاﺋـﻒ وإﻟﻰ إﻧﺘﺎج وﻋﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻄـﻴـﻊ أن ﻳـﺴﺘﻮﻋـﺐ ﺑـﺈرادﺗﻪ اﻟﺸﺮوط اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ، أو أن ﻳﺮﻓﻀﻬﺎ ﺳﻮاء ﻋﻠﻰ المستوى اﻟﺸﺨﺼﻲ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﺳﻮى أﻓﻜﺎر ﻮاﻫية أو ﻣﻀﻠِّْﻠﺔ. ّ
إن ﺗﻀﻠﻴﻞ ﻋﻘﻮل اﻟﺒﺸﺮ ﻫـﻮ ﻋـﻠﻰ ﺣﺪ ﻗـﻮل ﺑﺎوﻟﻮ ﻓﺮﻳﺮ”أداة ﻟﻠﻘﻬﺮ”. ﻓﻬﻮيمثّل إﺣﺪى اﻷدوات اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ اﻟﻨﺨﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ إﻟﻰ “ﺗﻄﻮﻳﻊ الجماﻫﻴﺮ ﻷﻫﺪاﻓﻬﺎ الخاﺻﺔ”. ﻓﺒﺎﺳﺘﺨﺪام اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺴـّّﺮ اﻟﺸﺮوط اﻟﺴﺎﺋﺪة وﺗﺒﺮّرها ﻟﻠﻮﺟﻮد، ﺑﻞ ﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻃﺎﺑﻌﺎً ﺧﻼّﺑﺎ،ً ﻳﻀﻤﻦ المضلِّلون من خلاله اﻟﺘﺄﻳﻴﺪ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻟﻨﻈﺎم اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻻ ﻳﺨﺪم ﻓﻲ المدى اﻟﺒﻌﻴﺪ المصالح الحقيقية ﻟﻸﻏﻠﺒﻴﺔ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆدي اﻟﺘﻀﻠﻴﻞ اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻟﻠﺠﻤﺎﻫﻴﺮ دوره ﺑﻨﺠﺎح ﺗﻨﺘﻔﻲ الحاﺟﺔ إﻟﻰ اﺗﺨﺎذ ﺗﺪاﺑﻴﺮ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺪﻳﻠﺔ.
ﻋﻠﻰ أن ﺗﻀﻠﻴﻞ الجماهير ﻻ يمثل أول أداة ﺗﺘﺒﻨﺎﻫﺎ اﻟﻨﺨﺐ الحاﻛﻤﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ الحفاظ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﻄﺮة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﻓﺎلحكّام ﻻ ﻳﻠﺠؤون إﻟﻰ اﻟﺘﻀﻠﻴـﻞ اﻹﻋﻼﻣﻲ- ﻛﻤﺎ ﻳﻮﺿﺢ ﻓﺮﻳﺮ- إﻻّ”ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺒﺪأ اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ اﻟﻈﻬﻮر، وﻟﻮ ﺑﺼﻮرة ﻓﺠّﺔ، ﻛﺈرادة اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺎر اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴـﺔ”. أﻣﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻓـﻼ وﺟﻮد ﻟﻠﺘﻀﻠﻴﻞ، ﺑﺎلمعنى اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ، ﺑﻞ نجد ﺑﺎﻷﺣﺮى ﻗﻤﻌﺎً ﺷﺎﻣﻼً. إذ ﻻ ﺿﺮورة ﻫﻨﺎك ﻟﺘﻀﻠﻴﻞ المضطهدين ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻏﺎرﻗين ﻵذاﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﺆس اﻟﻮاﻗﻊ. واﻟﻮاﻗﻊ أن اﻟﻘﻤﻊ-أي ﻛﺒﺖ اﻟﻔﺮد وإﺧﻀﺎﻋﻪ ﻛﻠﻴاً – ﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ أي ﻛﻴﺎن ﺟﻐﺮاﻓﻲ أو ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻣﻨﻔﺮد. ﻓﺄﻏﻠﺐ اﻟﺒﺸﺮ ﺗﻌﺮّضوا ﻟﻠﻘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺮّ اﻟﻌﺼﻮر وﻓﻲ ﻛﻞ أرﺟﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ بسبب الفقر.
المبحث الثاني: استطلاعات تحت الطلب
ﺗﺘﻤﺜﻞ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻻﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي في ﺗﻮﻓـﻴﺮ المعلومات المتعـﻠﻘﺔ ﺑﺄوﻟﻮﻳﺎت اﻻﺳﺘﻬﻼك وﻋﺎداته. وﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻷﺧﻴﺮة، وﺑﻌﺪ ﻇﻬﻮر اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن، ﺗﺰاﻳﺪ اﺳﺘﺨﺪام اﻻﺳﺘﻄﻼع اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﺼﻮرة ﻫﺎﺋﻠﺔ في الولايات المتحدة خصوصاً، ما حدا ﺑﺒﻌﺾ المراﻗﺒين أن ﻳﺮوا ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑين اﺳﺘﻄﻼع اﻟﺮأي واﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن أﺳﺎﺳﺎ ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﻧﻮع ﺟﺪﻳﺪ. ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ اﺳﺘﻄﻼع اﻵراء ﺳﻮاء ﺗﻌﻠّﻘﺖ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة أو ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺗﻮﻓﺮ دﻋﻤﺎًً ﻛﺒﻴﺮاً ﻟﻠﺒﻨﻴﺔ اﻟﻘﺎﻋﺪﻳﺔ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ. ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻴﻄﺮون ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﺔ اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮارالحـﻜﻮﻣﻲ الاميركي وﻋﻠﻰ اﻟﻨﺸﺎط اﻻﻗـﺘﺼﺎدي الخاص، ﻫـﻢ اﻟـﺬﻳـﻦ ﻳﻮﻓﺮون اﻟـﺪﻋـﻢ اﻷﺳـﺎﺳـﻲ لمستطلعي اﻵراء. وتحدّد اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت الحيوية ﻟﻬﺬه اﻟﻔﺌﺎت، ﺳﻮاء ﺑﻘﺼﺪ أو دون ﻗﺼﺪ، اﻟﺜﻮاﺑﺖ أو المؤﺷﺮات اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺼﺎغ ﻓﻲ إﻃﺎرﻫﺎ اﻻﺳﺘﻄﻼﻋﺎت. وﻣﻊ أن اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺬي ﺗﻠﻘﺎه واﻗﻌﻲ و ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﻣﺎﻟﻲ، إﻻ أﻧﻪ ﻣﻦ الخطأ أن ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺻﻨّﺎع اﻻﺳﺘﻄﻼع أو اﻻﺳﺘﻔﺘﺎء ﻋﻠﻰ أﻧﻬﻢ يقدّمون ﻣﺠـﺮد ﺧﺪﻣﺔ ﻳﺘﻢ ﺷـﺮاؤﻫـﺎ ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮﻋﻦ الاتجاه اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ.
وﻫﻨﺎك ﻣﺜﺎل آﺧﺮ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﺳﺘﻄﻼع أﻋﺪته مؤسسة “روﺑﺮ” لحساب ﻣـﻜـﺘـﺐ اﺳﺘﻌﻼﻣﺎت اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن وﻋﻠّﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺘﺎﻟﻲ: ”أﻗﺮّ ٤٧% ﻣﻦ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴين اﻟﺒﺎﻟﻐين ﻣﺒﺪأ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ واﻟﺪﻋﻢ اﻟﺘﺠﺎري ﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻷﻃﻔﺎل ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن. ﻟﻘﺪ ﻛﻠّﻒ ﻣﻜﺘﺐ اﺳﺘﻌﻼﻣﺎت اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن ﻣؤسسة “روﺑﺮ” ﺑﺄن ﺗﻜﺘﺸﻒ اﻟﺮأي الحقيقي ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر ﻓﻲ ﻫﺬه اﻹﻋﻼﻧﺎت. ﻓﻤﺎ اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻔﺘﻪ? ﻫﻞ اﻛﺘـﺸـﻔـﺖ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ اﻟﻌﻨﻮان اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻠﺒﻴﺎن اﻟـﺼﺤاﻔـﻲ “أن ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﻛـﻞ أرﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴين ﻳُﻘِﺮّون ﻣﺒﺪأ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻷﻃﻔﺎل” ﻳﺆﺳﻔﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل: إن ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺤﺪث. وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاءة المتأنّية ﻟﺴﺆال “روﺑﺮ”: ”واﻵن أود أن أﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻦ اﻹﻋﻼﻧﺎت ﻓﻲ ﺑﺮاﻣﺞ اﻷﻃﻔﺎل ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن وأﻗﺼﺪ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ أﻧﻮاع ﺑﺮاﻣﺞ اﻷﻃﻔﺎل”.
ويشير شيللر في كتابه الى اﻻﺳـﺘﺨﺪام اﻟﻮاﺳﻊ اﻟﻨﻄﺎق ﻟﻮﻛﺎﻻت اﺳﺘﻄﻼع اﻟﺮأي اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻓﻲ أﻣيرﻜﺎ “رﻏﻢ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺳﺮاً ﺗﻨﻔﻴﺬ اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت لوﻛﺎﻟﺔ الاﺳﺘﺨﺒﺎرات اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ. وﻳـﺘـﻢ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ. ﻓﻌﻠﻰ المستوى اﻟﻌﺎ لمي ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻣﺴﺄﻟﺔ إﻋـﻼء ﺷﺄن أﻣيرﻜﺎ ﻓـﻲ الخارج ﺑﺼﻮرة ﻣﺒﺎﺷﺮة وﺻﺮﻳﺤﺔ”.
المبحث الثالث: تضليل بتضليل
ﻓﻲ ﻋﺎم 1971، ودﻓﺎﻋﺎً ﻋﻦ رﻓﺾ اﻟﺮﺋﻴﺲ تحديد ﻣﻮﻋﺪ لاﻧﺴﺤﺎب القوات الاميركية ﻣﻦ ﻓﻴﺘﻨﺎم أﺷﺎر ﻣﻮﻇﻔﻮ اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺑﻴﺾ إﻟﻰ اﺳﺘﻄﻼع ﺣﺪﻳـﺚ ﻟﻶراء أوﺿﺢ أن ٨٦% ممن ﺳﺌﻠﻮا عن تنفيذ هذا الانسحاب ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻋﺎم 1971 ﻓﺈن ٥٧% ﻋﺎرﺿﻮا ﺳﺤﺒﺎً ﻟﻠﻘﻮات ﻳﻬﺪّد أرواح أﺳﺮى الحرب اﻷﻣيرﻜﻴين أو ﺳﻼﻣتهم. وﻫﻨﺎك اﻋﺘﻘﺎد ﺷﺒﻪ ﻣﺆﻛﺪ- بحسب شيللر- أن اﻻﺳﺘﻄﻼع تمّ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺑﻴﺾ.
وﻳﻜﺸﻒ ﻫﺎدﻟﻲ ﻛﺎﻧﺘﺮﻳﻞ ﻓﻲ ﻛﺘﺎبه “البعد الانساني” ﻛﻴﻒ يمكن ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣّﺔ إﻧﺸﺎء ﺷﺮﻛﺎت ﻷﺑﺤﺎث اﺳﺘﻄﻼع اﻵراء ﻣﻌﻔﺎة ﻣﻦ اﻟﻀﺮاﺋﺐ وﻏﻴﺮﻣﺴﺘﻬﺪِﻓﺔ ﻟﻠﺮﺑﺢ ﺑﺄﻣﻮال الحكومة . ﻓﻬﻮ ﻧﻔﺴﻪ أﺳﺲ أرﺑـﻊ ﺷﺮﻛﺎت ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ: اﻟـﺸﺮﻛﺔ اﻷﻣيرﻜﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، الجمعية المتحدة ﻟﻸﺑﺤﺎث، ﻣﻌﻬﺪ اﻷﺑﺤﺎث المشترﻛﺔ، وأﺧﻴﺮا ﻣﻌﻬﺪ اﻟﺒﺤﻮث اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ. وﻗﺪ ﺣﺼﻠﺖ اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻷوﻟﻰ (اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻷﻣيرﻜﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋـﻴﺔ) ﻋﻠﻰ اﻋﺘﻤﺎدات ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺐ اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة ﻹدارة اﻟﻄﻮارىء في ﻋﺎم 1940 ﻹﺟﺮاء أول اﺳﺘﻄﻼع ﻟﻠﺮأي اﻟﻌﺎم ﻳﺘﻢ انجازه ﻓﻲ اﻟﺒﺮازﻳﻞ. وﻳﺬﻛﺮ ﻛﺎﻧﺘﺮﻳﻞ أن ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻠﻚ اﻟﺪراﺳﺔ واﻟﺪراﺳﺎت اﻷﺧﺮى المشابهة اﻟﺘﻲ أﺟﺮﻳﺖ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻧﻔﺴﻬﺎ ما ﺗﺰال تحت “الحفظ اﻟﺴﺮي”. ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺨﺼﻴﺺ اﻋﺘﻤﺎد ﻣﺎﻟﻲ لمعهد اﻷﺑﺤﺎث المشتركة في ﻋﺎم 1951 ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ وزارة الخارجية ﻹﺗﺎﺣﺔ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻜﺎﻧﺘﺮﻳﻞ ولزﻣﻼﺋﻪ ﻹﺟﺮاء اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت ﻟﻠﺮأي ﻓﻲ ﻫﻮﻟﻨﺪا وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻃﺒﻘﺎً ﻟﻠﻤﻌﺎﻳﻴﺮ “المثلى” ﻟﻠﺤﺮب اﻟـﺒـﺎردة. وﺳُـﻠـﻤـﺖ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺨﺘﺎرة ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺟﻮن ﻓﻮﺳﺘﺮ داﻻس وزﻳﺮ الخارجية. وﻣﻦ دراﺳﺎت ﻛﺎﻧﺘﺮﻳﻞ اﻷوﻟﻰ لمعهد اﻟﺒﺤﻮث اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻈﻴﺖ ﺑﺎﻋﺘﻤﺎدات ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ أﻣﻮال روﻛﻔﻠـﺮ، ﺗﻠﻚ التي ﻋﻨﻴﺖ ﺑـ”ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﺻﻮّﺗﻮا لمصلحة اﻟﺸﻴﻮﻋﻴين ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ اﺣﺘﺠﺎﺟﺎً ﻋﻠﻰ ﻇﺮوﻓﻬﻢ المعيشية”. ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻼﻗﺎت ﻣﻨﻈﻤﺎت اﺳﺘﻄﻼع اﻟﺮأي ﻋﻠﻰ دﻻﻻت ﻣﻔﻴﺪة ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﻓﺠﻮرج غاﻟﻮب ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره أﺣﺪ اﻷﻣﺜﻠﺔ، ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻨﻈﻤﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﺮوﻋﻬﺎ ﻓﻲ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺟـﺰءا ﻣﺘﻤّﻤﺎً لجهاز ﺻﻨﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ الخارجية اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ.
ﻣﺎ اﻟﺬي ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻘﻮﻟﻪ إذن ﺣﻮل دور اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي وأﻫﻤﻴتها ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺮي ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة أو ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن آﺧـﺮ. ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﻳﺴّﻮغ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: يمثّل اﺳﺘﻄﻼع اﻟﺮأي اﺧﺘﺮاﻋﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻻ يمكن ﻓـﺼﻠﻪ ﻋـﻦ اﻟـﻨـﺴـﻴـﺞ المؤﺳﺴﺎﺗﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ. أي المجتمع اﻷﻣيركي اﻟﺮاﻫﻦ. ان اﺳﺘﻄﻼع اﻟﺮأي ﻣﻬﻤﺎ ﺟﺮت ﺻﻴﺎﻏﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮات ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻫﻮ ﻓﻲ المقام اﻷول أداة ﺗﺨﺪم أﻫﺪاﻓﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ. وﻻ ﺗﺘﺴﻢ ﻫﺬه اﻷﻫﺪاف ﺑﺎﻟﻮﺿﻮح داﺋﻤﺎ.
إن اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺬي ﺗﻠﻘﺎه اﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي- اﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺪّر ﺑﺎﻵﻻف- واﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ إﺟﺮاؤﻫﺎ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ المزﻳﺞ ا لمؤﺳﺴﺎﺗﻲ اﻟﺘـﻘـﻠـﻴـﺪي اﻟﺬي ﻧﺴﻤﻴﻪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺔ ﺑﺎلمجتمع اﻟﻌﺴﻜـﺮي-اﻟـﺼـﻨـﺎﻋـﻲ – اﻷﻛـﺎد يمي. ﻓﻬﻨﺎك عدد ﻻ ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ اﻟـﺪراﺳـﺎت المتعـﻠﻘﺔ ﺑـﺎﻻﺳـﺘﻬﻼك واﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻤﻬﺎ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﻜﺒﺮى. وﻫﻨﺎك ﺑﺎﻟﻮن اﻻﺧﺘﺒﺎر الحكوﻣﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺬّر تحديد ﻫﻮﻳﺘﻪ واﻟﺬي ﻳﺘﺨﺬ ﺷﻜﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ “ﻻ ﻳﻌﻠﻢ إﻻ الله وﺣﺪه ﻣﻦ أﻳﻦ ﺗﺄﺗﻲ، كما يقول شيللر. “أﻏﻠﺒﻴﺔ المشارﻛين ﻓﻲ أحد اﺳﺘﻄﻼعات اﻟﺮأي أﻳّﺪوا الخدﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﻹﺟﺒﺎرﻳﺔ”. ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﻌﻨﻮان اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻠﺘﻘﺮﻳﺮ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻻﺳﺘﻄﻼع غاﻟﻮب المنشور ﻓـﻲ اﻟﻨﻴﻮﻳﻮرك ﺗﺎ يمز ﻓـﻲ 22 آذار/ ﻣـﺎرس 1927. وﻫـﻨﺎك أﻳﻀﺎ اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﻓﺘﺮة اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت وﺧﻼلها وﺑﻌﺪها. وﻫﻨﺎك أﺧﻴﺮا ﺗﻠﻚ المجموﻋﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت الجاﻣﻌﻴﺔ المستمرة واﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪد ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ أﺳﺎﺳﺎ وﻓﻘﺎ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ الجهة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﻧﻔﻘﺎﺗﻬﺎ.
ﻓﻤﺎ ﻫﻮ الحكم اﻟﺬي يمكن أن ﻧﺼﺪره ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ المثال ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻄﻼع ﻟﻶراء ﻟﻪ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻫﻲ “أﺻﺪﻗﺎء ﻣﻜﺘﺐ اﻟﺘﺤﻘﻴﻘـﺎت اﻟـﻔـﻴﺪراﻟﻲ”، ﻳﺴﺘﻄﻠﻊ رأي 2500 ﺷﺎب في اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة والخاﻣﺴﺔ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ أﻧﺤﺎء ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺐ اﻟﺘﺤﻘﻴـﻘـﺎت اﻟـﻔـﻴﺪراﻟﻲ!؟
ﻫﻞ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺮف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻬﺎت ﻣﺴﺆوﻟﺔ أن ﺗُﻌﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺰﻋﻢ ﻣﺆﻳﺪوﻫﺎ وﻟﻨﺪع ﺟﺎﻧﺒﺎً اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺼﺎرﺧﺔ – واﻟﺘﻲ ﻳﺸﻤﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﺪداً ﻣﻦ أﺑﺮز اﻷﺳﻤﺎء ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﺳﺘﻄﻼع اﻟﺮأي-ﻻﺳﺘﻄﻼﻋﺎت رأي لجأت إﻟﻰ اﻟﺘﺤﺮﻳﻒ المتعمّد ﺣﺘﻰ ﺗﻀﻤﻦ الخروج ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ ﺗﺮﺿﻲ من يرﻋﺎﻬا.
ويختم شيللر: تعرضت اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي أﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ﻣﻔﻬﻮم ﻋﻠﻤﻲ وﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ أن رأﻳﻨﺎ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺪ. أﻣﺎ في ﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﻜﺮﻳـﺲ اﻟﻔﻜﺮ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪام اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي وﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ، ﻓﺈن اﻟﺸﻮاﻫﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻛﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى رﺑﻊ ﻗﺮن ﻣﺘﺎﺣﺔ وﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ وﺗﻮﺿﺢ ﺑﺠﻼء أن اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي ﻟﻢ ﺗﻘﺼـّّﺮ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ أﻫﺪاف اﻟﺪ يمقراطية، ﺑﻞ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺆدي إﻟﻰ اﻟﻜـﺎرﺛـﺔ. ﻓﻘﺪ ﻛﺮّﺳـﺖ ﻣﻈﻬﺮا ﺧﺎدﻋﺎ ﻣـﻦ روح الحياد والموﺿﻮﻋﻴﺔ. ﻛﻤﺎ ﻋﺰزت وﻫﻢ المشاركة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻐﻄﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺎزٍ ﻟﺘﻮﺟﻴﻪ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻮل ﻳﺘﺰاﻳﺪ ﺗﻮﺳﻌﻪ وﺗﻄﻮره ﻳﻮﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم.
وزارة الاعلام اللبنانية
مديرية الدراسات والمنشورات
اعداد: د.غدير سعادة