قد يتبادر الى الذهن، لدى طرح أمر تجديد لبنان ودور الاعلام في هذا التجديد، ان الكلام يجب ان يدور على بقاء لبنان واستمراره في الوجود قبل ان يدور على تجددها وتجديده وأدوار مختلف القطاعات العامة، ومنها الاعلام في تحقيق هذا المطلب، خصوصاً وان الهاوية التي سقط فيها هذا البلد وما يزال يتخبط في دياجيرها من غير ان يجد سبيله النهائي الى الخلاص بعد أربعين عاماً من الآلام البشرية والخراب المادي والتشرذم الاجتماعي وضروب الفتن وصنوف المؤامرات، تكاد تجهز على البقية منه، وتقضي عليه القضاء الاخير الذي يتلاشى معه ويضمحل ويمحى، ككيان وكدولة، من عالم الوجود.
وقد يبدو ذلك منطقياً للوهلة الاولى، من حيث أن محض الوجود شرط لامكان التجديد او التجدد. فأنت لا تستطيع ان تطمح الى تجديد شيء غير موجود، ولا يمكن لشيء كذلك ان يتجدد تجدداً ذاتياً اذا كانت ذات الشيء مفقودة.
ولكن الامر يجب ان ينظر اليه في ما اعتقد من زاوية مختلفة كل الاختلاف، ومن مفهوم اعمق واصدق والصق بتطور الحياة الانسانية والمجتمعات البشرية من تلك النظرة العادية. اعني مفهوم حركة التاريخ في جوهرها من حيث عدم امكان الفصل في ديناميكية هذه الحركة بين الكينونة والصيرورة. وربما كان الامر في هذا المجال معكوساً الى ابعد الحدود، اذ ان استمرار الصيرورة في المجتمعات البشرية هو شرط استمرار الكينونة، ولا يعكس. فان مجتمعنا يتجمد حيث هو، او يتسمر في مكانه تسمراً طويلاً من غير ما دفع او اندفاع نحو الافضل، في انسجام طبيعي مع حركة التاريخ وديناميكيته، هو مجتمع محكوم عليه بان يتعرض، عاجلاً ام آجلاً لفقدان ذاته واضمحلال كيانه وتلاشيه هباءاً منثورا، وسط أعاصير الاحداث التي لا تتوقف، ولا يهدأ لها فعل، ولا هي ترحم.
ولندع، اذا شئنا، حال تجمد المجتمع أو توقفه عن مسايرة حركة التاريخ، بحال “الاستنقاع” Stagnation ، وهي الحال التي تفسح المجال لكل الوان التعفن، ولكل اسباب القضاء على خصب الارض ويناع الحياة.
وكيف يمكن ان يستمر لبنان في الوجود، وقد ثبت ذلك لكل ذي لب، ان اكتفى المعنيون بأمره بمحض الوجود على اساس حال “الاستنقاع” السالفة التي كانت، في نهاية المطاف، هي وراء ما انتهى اليه من زلزال يكاد يأتي على القواعد من بنيانه، ويقضي الاخير على كل كيانه؟
فاذا كان امر التجدد او التجديد، على هذا الخطر من جوهر بقاء لبنان، فما من ريب في ان للاعلام، بكل وسائله، دوراً بالغ الاهمية في:
1. استحداث هذا التجدد او التجديد.
2. مواكبة تطور هذا التجد او هذا التجديد.
3. تصويب حركة هذا التجدد او التجديد حيث يقتضي التصويب.
وان تفصيل كل هذا ليستغرق سلسلة من المقالات او المحاضرات او حتى الكتب. ولكن الامر الذي لا بد من التشديد عليه ان الاعلام المدعو الى الاضطلاع بهذا الدور الاساسي في بناء مستقبل لبنان، لا مفر له من التجند بروح الرسولية بكل ما تتميز به هذه الروح من تجرد، ومن صدق في محاولة اكتناه الافضل، ومن شجاعة في الكشف عن الحقيقة والدعوة لما هو حق، ومن رحابة في تفهم الآخر وفكر الآخر واحترام لحق الآخر في الاختلاف واستعداد يجب ان يبلغ حد الاقبال على الاستشهاد بكل رضى وطواعية للدفاع عن هذا الحق. ولعل أهم وجوه دور الاعلام في هذا المجال ما يتصل منه بمفهوم القيمومة على كل هذه المثل، وصيانتها من كل عبث، فضلاً عن بثها المستمر في الناس لكي تتأصل في الذهنية العامة، وكل ذلك طبعاً في اطار الولاء للوطن الذي هو وطن الحرية والديمقراطية وكرامة الانسان قبل ان يكون وطن أي شيء آخر.
وفي حال مثل الحال التي يعانيها لبنان اليوم، قد نفهم أكثر من أي وقت قصد “جفرسون” حين قال:”انني أفضل العيش في بلد فيه صحافة وليست فيه حكومة، على العيش في بلد فيه حكومة، وليس فيه صحافة”. والمقصود، بالطبع الصحافة الحرة التي تمارس الديمقراطية ضمن اطار المسؤولية الوطنية والاخلاقية العليا، لا الصحافة الفوضوية ولا الصحافة المؤممة التي تطعن الحرية وتسيء اليها في كلا الحالين. ولعل هذا القول بحد ذاته يشير الى الدور الاساسي الذي تلعبه الصحافة الحرة المسؤولة في تجديد بناء الاوطان حتى ان كانت بلغت درجة من التفكك جعلها مستعصية على قيام حكومة مركزية منسجمة فيها.
أليست هي حال لبنان اليوم؟ وللقارىء إذن أن يستنتج معنا أي دور للاعلام في تجديد لبنان، أي في استعادته قلعة للحرية، وحصناً للقيم، ومنارة للشرق والغرب، وملاذاً للانسانية جمعاء
وزارة الاعلام اللبنانية
مديرية الدراسات والمشورات
اعداد: محمد البعلبكي- نقيب الصحافة اللبنانية.