نحو قواعد خلقية سلوكية للعمل الإعلامي في لبنان
مساهمات وأهداف
لم تعد القوانين الناظمة للإعلام في لبنان من مطبوعات ووسائل مرئية ومسموعة قادرة وحدها على الإحاطة بكل القواعد الخلقية السلوكية للعمل الإعلامي. وتبرز الحاجة إلى شرعة لتنظيم المهنة الإعلامية وتعزيز إخلاقياتها. ولا تغني التشريعات المتوافرة، وبخاصةً قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع، عن وجود مثل هذه الشرعة التي يفترض أن تمثل إعلان مبادئ أو مدونة سلوك مهني. ولا يحد تنظيم الإعلام من التنافس والمساواة، بل يهدف أولاً إلى حماية الحريات وتحسين نوعية الأداء وضبط التجاوزات ووضع حرية التعبير في إطارها التطبيقي لأن التشريع وحده لا يضمن الحرية.
الحرية للإعلام هي بمثابة الأوكسجين للحياة. ومع ذلك يمكن إستعمال هذه الحرية بشكل أو بآخر، وقد يُساء إستخدامها. غالباً ما يوجه الإعلام النقد اللاذع نحو الإنحرافات الصادرة عن الحكم وتسلطه. نادراً ما توجه الأنظار نحو ديكتاتورية السوق أو نحو قضية التعامل مع مواطنين وكأنهم مجرّد سلعة إعلامية إستهلاكية. إستبداد الإعلام والسوق هما الوجهان المكملان لصورة الحكم السلطوي.
يشدد الأخصائيون في الإعلام وأصحاب المهنة في كل مكان وزمان على المطالبة بالحرية التي من دونها لا يمكنهم القيام بمهماتهم. ويرفضون أي تدخل في شؤونهم سواء جاء هذا التدخل من الحكومة أو من سلطات وجهات أخرى. وبقدر ما تكون الرقابة مناقضة لحرية الإعلام، فبالقدر نفسه تسيء التجاوزات الناجمة عن الحرية المفرطة إلى نوعية الصحافة ورصانتها. مجرّد الحديث بين أهل المهنة في لبنان عن الحاجة إلى شرعة وقواعد للمسؤولية ورقابة ذاتية، وهي مصطلحات متداولة في الأوساط الإعلامية، يعني إقراراً ضمنياً بالضرر الذي تتسبب به انحرافات صادرة عن بعض المؤسسات أو عن عددٍ من العاملين في الإعلام لدى إستنزافهم نظام الحرية.
الإشكالية الحقوقية لشرعات الإعلام: حرية ومسؤولية
يكمن الهدف الأبرز من وضع الشرعات الإعلامية في الدفاع عن حقوق المواطنين في الإعلام والحق في المعرفة والدفاع عن الإعلام كحاجة ومصلحة عامة، وحماية المجتمع من التجاوزات والتلاعب والتحريض والتضليل وحملات الدس التي قد تبثها وسائل إعلام كبرى تتكتل فيها على قوة المال مع الهيمنة الإيديولوجية.
في الإعلام، الحرية والمسؤولية هما وجهان لعملة واحدة، من دونهما لا تتوفر سبل تنمية هذا الإختصاص وإزدهاره. وإذا كانت الحرية والحقوق محمية في إطار القوانين، فالمسؤولية والواجبات هما من صلب الشؤون المهنية التي لا تكفي القوانين وحدها لإنتظامها. من هذه المفاهيم الشاملة تنطلق كل الشرعات الدولية وتُستلهم من النصوص الوطنية الناظمة لوسائل الإعلام في البلدان الديمقراطية. كثير من البلدان سبقت لبنان إلى إعتماد شرعات وقواعد مهنية ناظمة للإعلام، ويواجه لبنان اليوم تحديات أساسية تتعلق بالحفاظ على التعددية الإعلامية والتنوع الإعلامي وعلى دوره في المنطقة العربية في هذا المجال.
في لبنان يتمتع الإعلاميون بحرية واسعة تسمح لهم بمقاربة المواضيع التي تناسب أذواقهم وتحقيقاتهم. بإسم الحرية لعبت وسائل الإعلام في لبنان دور الرافعة المواطنية معتبرة نفسها حارسة الديمقراطية. لكن هذه الحرية بالذات ولّدت آثاراً كانت غير متوقعة. ففي السنوات الأخيرة سُجلت إنحرافات وتجاوزات للقانون وللقواعد الخلقية التي ترعى مهنة الإعلام. ولم تكن تلك التجاوزات ناجمة حصراً عن وسائل إعلام، بل كانت هي الضحية أحياناً. وهذا ما يدفع إلى التساؤل حول مستقبلها. من هنا يمثل التخلص من كل هذه المساوئ حاجة ملحة تعزيزاً لصدقية الإعلام اللبناني، ولو توفر حد أدنى من القواعد السلوكية كان في الإمكان تجنّب الكثير من الإشكالات التي تعرّض لها الإعلام اللبناني على مدى السنوات السابقة.
تعرّض الإعلام مراراً للإنتقاد منذ عام 1975 حول دوره المزعوم في تأجيج النزاعات. وغالباً ما استُغلت مفاهيم “النظام العام” و”الأمن العام” و”الفتنة الطائفية”، كذريعة للتعدي على الحريات الاساسية، وبينها الحرية الإعلامية. وتزايد عدد الدعاوى الناجمة عن القدح والذم بشكل كبير منذ انتهاء الحرب عام 1990. أغرقت محاكم المطبوعات بسيل من دعاوى يستحيل فصله، ما اضطر مجلس النواب إلى إصدار ثلاثة قوانين بالعفو العام عن جرائم المطبوعات في الأعوام 1992 و1996 و2000، وأدت إلى سقوط تلك الدعاوى لشمولها بالعفو. قبل ذلك، لم يتم البت سوى في عدد محدود منها تمتّ متابعتها حتى المراحل الاخيرة من إجراءات المحاكمة وصدور أحكام الفصل النهائية. ويُسجل لمحاكم المطبوعات في بعض الحالات قيامها بأعمال نموذجية ورائدة في إنهاء الدعاوى بمصالحة ودية بين المتنازعين انطلاقاً من المبدأ القائل بأن “الصلح سيّد الأحكام”، خاصةً وان الإعلاميين لا يملكون أسلحة حرب حتى لو كانت تعليقاتهم تعتبر مزعجة ومسيئة أحياناً. جاء في مداخلة لـ رئيس مجلس الإدارة المدير العام لجريدة “النهار” الشهيد جبران تويني: “وسائل الإعلام لم تملك يوماً أسلحة حرب. حتى لو كنت تعتبر أخبار الجريدة “مسمة”، فأنت تشتريها بإختيارك، ولا أحد يجبرك على قراءتها بالقوة” .
الأخلاق المهنية ليست رقابة حكومية ولا حتى رقابة ذاتية
ماذا تعني الخلقية المهنية؟ ترتبط الأخلاق المهنية بالقيم التي يعتنقها الإعلامي بملء حريته ودون أي إملاء أو فرض. وتتضمن مجموعة الممارسات والأفكار التي يبني عليها الإعلامي علاقاته مع الآخرين. وليست الأخلاقيات محصورة بمهنة الإعلام، بل لكل فرد أو مهنة أو مجتمع أخلاقيات تشكل إطاراً مرجعياً ومعاشاً. مثلاً خلال تفجيرات لندن في 7 تموز 2005، لم يشاهد أحد على شاشات التلفزة البريطانية نقطة دم واحدة، وهذا التعامل مكرّس كإحدى العادات الإعلامية الثابتة في المملكة المتحدة لمراعاته الذوق العام. أما في لبنان، فلم يحدث قطعاً أن حصل نقاش بين مؤسسات المرئي والمسموع حول التغطيات الحية ومشاهد العنف وكرامة الشخصية الإنسانية وكيفية تصرف الصحافيين في هذا النوع من العمل الإعلامي إزاء ردات الفعل الفورية وتأثيرها على الرأي العام.
أصبحت الأخلاق المهنية اليوم مسألة محورية تقوم على احترام قواعد ومعايير تجسد القيم التأسيسية أو السائدة في مجتمع ما، وإحترام الإعلامي للخلقية المهنية يجري وفقاً لمقاييس عدة يتم الإتفاق عليها مسبقاً من خلال حوار يستخلص قواعد سلوكية على المستوى الوطني: هل يقتضي على الإعلامي نشر خبر، رغم تأكده من صحته، إذا لم يكن من هدف وراء نشره سوى تحقير الشخص أو المؤسسة التي يستهدفها الخبر؟ ما هي حدود ممارسة وسائل الإعلام لحق حجب بعض المواقف في إطار حماية المجتمع من مخاطر التحريض على الإنقسام وتهديد سلامة البلاد نتيجة خطابات سياسية تصادمية.
هل يحق للإعلامي إستعمال ألفاظ مبتذلة لإفهام الجمهور عن المغامرات العاطفية لأحد السياسيين، أم يستعمل لغة تناسب المجتمع المحافظ؟ وهل يجوز له أساساً التطرق إلى الأمور الشخصية أم عليه الإحجام عنها؟ كيف نحدد المعايير؟ هذه أمور لا تنص عليها القوانين وتواجه الإعلاميين يومياً، ويتطلب ذلك من العاملين في الإعلام توظيف جهود خاصة لتوضيح وبلورة تلك المفاهيم.
أُعطي مثالاً معاشاً خلال سنوات عملي في الإعلام، وكيفية تدبّر الأمور في ظل غياب شرعة على المستوى الوطني. كانت تردنا من السلطات الإدارية والصحية في إحدى المحافظات تقارير رسمية تعنى بالصحة العامة وحقوق المستهلك. يتضمن بعضها أسماء معامل ومؤسسات تبيع مواد إستهلاكية، لا تستوفي الشروط القانونية والصحية للترخيص. وبما أن هذه المستندات الرسمية هي مجرّد قرارات إدارية قابلة للطعن، لم نكن ننشر الأسماء في الأخبار منعاً للتشهير بأصحابها. ولكن وجدنا طريقة أخرى لإفهام الناس، بمقتضاها ننشر إعلاماً إدارياً للتنبيه من وجود مخالفات في قطاع معين وعدد المؤسسات المخالفة، مع التشديد على المستهلكين أن يتأكدوا بأنفسهم من حيازة المؤسسة التي يشترون منها المواد الإستهلاكية الترخيص أو طلب إبراز رقم الرخصة على واجهة المؤسسة أو على العبوة والعلبة وغيرها.
تتعلق المسألة إذن بعملية مفاضلة أو خيار يقوم به الإعلامي يستند فيه إلى مجموعة قواعد سلوكية ومعايير تبرر إعتماد واحد من خيارين: نشر الخبر أو السكوت عنه، وأن يجد الإعلامي طريقة للإعلام دون إحداث ضرر بحقوق الأفراد أو بالحياة الخاصة للغير، ودون أن يصطدم بالقيم الأساسية السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه. ليس في الأمر رقابة حكومية ولا حتى رقابة ذاتية، بل مجرّد قواعد سلوكية سليمة وصحيحة يتعين إحترامها.
وإذا كانت الخلقية المهنيةEthique professionnelle نابعة من الدائرة الشخصية الفردية الخاصة، فإن آداب المهنة Déontologie تنبع من المجال العام وتمثل شأناً من شؤون المهنيين وتتضمن مجموعة قواعد ترعى سلوك الإعلامي في علاقته مع زملائه وجمهوره والمجتمع، وتظهر كدليل أو وصفة مشابهة للوصفة الطبية حتى أنها تشمل واجبات (déonto (grec)=devoir). وهذه الواجبات تجمع في شرعة أو مدونة سلوك، وتحدد سلوكيات ملموسة أو قواعد سلوك يتعين على الصحافي إتباعها وإحترامها، مثلاً التدقيق في صحة الخبر، مراقبة أدائه بنفسه بعيداً عن الرقابة، حماية مصادر المعلومات، عدم السطو على الأخبار والمقالات، الإمتناع عن التشهير والتجريح، إحترام الطابع التعددي للأخبار، الإلتزام بالبحث عن الحقائق وإعلام الرأي العام بها بصدق وأمانة إحتراماً لحق المواطنين في الإعلام، رفض أي إغراءات تخل بأخلاقيات المهنة…
تُشكل هذه السلوكيات شروطاً أو معايير عامة وتفصيلية هي بمثابة خطوط حمر ممنوع إختراقها. تأتي الواجبات لإكمال أخلاقيات المهنة بمعنى أنها تطرح قواعد خلقية محددة للمهنة. ويكون الإعلامي ملزماً بإحترامها في تقصيه عن الأخبار ونشرها. ومع ذلك، فإن إعلان هذه القواعد لا يعني سوى العاملين في الإعلام، وهذه الإخلاقيات هي وسيلة تنظيم تضع إطاراً لعمل الإعلاميين، بالإضافة إلى التشريعات والقوانين المتوفرة، وتندرج في سياق تأكيد المسؤولية الإجتماعية لوسائل الإعلام. وتساهم في تحسين نوعية الإعلام والتغطيات وتحافظ على الثقة والصدقية التي يمنحها إياها الجمهور.
ولا تنفصل الأخلاقيات والشرعة فكأنهما صفحتان لورقة واحدة أو وجهان لعملة واحدة. وفي ما تعتبر الأخلاقيات كسلطة مرجعية لمجمل العملية الإعلامية، تتخذ الواجبات بعداً معنوياً مرتبطاً بالنشاط الإعلامي وتضع قواعد مهنية تشكل الشروط المقبولة عادةً للعمل الإعلامي الصحيح بالمعنى البراغماتي، يعني أنها الأخلاقيات اليومية.
محركات البحث وحاجات التنمية الإعلامية
لبنانياً، ان إنتاج وتطوير شرعة للإعلام وأخلاقيات المهنة هو مسألة تجد محركات للبحث في سبيل خمسة أهداف رئيسية:
– صيانة الإستقلال الوطني وحمايته.
– مساهمة الإعلام في الدفاع عن الحقوق والتنمية.
– بناء المواطنية ونشر ثقافة السلام الإجتماعي.
– حماية الحرية والتنوع لاسيما الإعلامي.
– الأمانة والصدقية.
– توازن الإعلام بين المركز والأطراف من خلال الملحقين الإعلاميين، أو حق المناطق اللبنانية المختلفة ببرامج إنمائية في مختلف وسائل الإعلام وإنسجاماً مع مقتضيات الإنماء المتوازن الوارد في إتفاق الطائف.
يظهر رصد واقع الإعلام في لبنان مدى غنى وعوائق التجربة الإعلامية اللبنانية على مستويات ثلاث: التشريع وضرورة تنزيه النصوص من الاحكام المناقضة للمسار الديمقراطي عامةً ولمبادئ حقوق الإنسان الدولية خاصةً، وأهمية قيام روابط قوية بين وسائل الإعلام والجمعيات غير الحكومية العاملة في مجال حماية الحرية الإعلامية، ومدى احترام قواعد آداب المهنة الصحافية، وخدمة الجمهور الذي تتوجه إليه وسائل الإعلام استجابة لملاحظاته.
بعض التشريعات اللبنانية حول الإعلام بحاجة إلى مراجعة وتطوير مستمر حيث أظهرت التجارب وجود ضرورة للخطوات التالية:
– تعديل قانون المطبوعات.
– تطوير قانون المرئي والمسموع أي قانون البث التلفزيوني والإذاعي رقم 382/1994.
– تطوير التشريعات المتعلقة بالمنظمات المهنية والنقابية للإعلاميين.
– إستحداث هيئات وغرف قضائية متخصصة بالقضايا الإعلامية تضم قضاة وخبراء متخصصين في شؤون المهنة على الصعد الإعلامية والإدارية والمالية والتقنية.
– تعديل وتفعيل قواعد الرقابة وإنشاء مرقب لوسائل الإعلام.
– تحرير الإعلام من الأعباء الضريبية وتعزيز فرص نموه بإعتباره قطاعاً منتجاً على صعيد الإستثمار والتوظيف وفرص العمل. وهذا ما يعرف بالبعد الإقتصادي لنظام الحرية.
لماذا الشرعة أساسية للبنان؟
بات وجود شرعة تفصيلية للإعلام في لبنان مسألة في منتهى الأهمية للأسباب التالية:
1. بروز حالات من الإنفلاش الإعلامي اليوم، حيث قوانين المطبوعات غير قادرة على الإحاطة بمجملها. ترعى الشرعة حالات لا يشملها القانون. وبهذا المعنى هي أسمى من القانون، وتخلق إلتزاماً أبعد من النص الوضعي.
2. الشرعة هي أهم مصدر لثقافة الإعلامي الإجتماعية والسياسية في لبنان، ولحق المواطنين في الإعلام تُعرّف الناس أن لهم حقوق. تتطلب الشرعة إعلاميين ملتزمين يتقيّدون بالقواعد الواردة فيها، فضلاً عن عملهم بإستمرار على تطوير معارفهم إرتقاءً إلى مستوى تلك القواعد.
3. منبع قوة الشرعة أنه لدى قراءة قواعدها تبرز سريعاً إلى المخيلة مع كل قاعدة واقعاً معاشاً ومختبراً خلال سنوات عمل وتمرّس الإعلامي بمهنته. لذلك، تًعدّ الشرعة عملاً تطبيقياً مستخرجاً من الواقع الميداني قبل ان تكون إطاراً نظرياً يتضمن مبادئ عامة.
4. أهمية أي شرعة لبنانية أن تتوجه إلى كل العاملين في كل وسائل الإعلام: الصحافة اليومية، المجلات الدورية، وكالات أخبار، رؤساء تحرير، مسؤولين ومحررين في صفحات إقتصادية، عاملين في الوسائل المرئية والمسموعة، خبراء وفاعلين وناشطين إجتماعيين، ومواطنين مهتمين بتحسين نوعية الحياة اليومية، والوصول إلى الحقوق الإقتصادية الإجتماعية، ومساهمة الإعلام في التعريف بها، وبالمظالم المتعلقة بشأنها، وبالانجازات الايجابية في الادارات العامة والهيئات المهنية والنقابية والأهلية والمحاكم وغيرها.
5. لا بد لأي شرعة للإعلام في لبنان أن تنطلق من ثلاث مستويات من المساهمات في سبيل وضع شرعات للإعلام، هي المساهمات اللبنانية والعربية والدولية.
6. اللبنانيون بحاجة إلى شرعة وإلى ركود في مشاعرهم لاسيما بعد سنوات من التصعيد الكلامي في الإعلام وبخاصةً ما بعد إتفاق الدوحة (أيار 2008) الذي شدد على التهدئة والإمتناع عن إستخدام لغة التصعيد والتحريض السياسي. ونص على: “إعادة تأكيد التزام القيادات السياسية اللبنانية وقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي أو المذهبي على الفور”.
7. لأن صدور القانون الإنتخابي الجديد يتطلب ممارسة إعلامية تتلاءم مع أحكام هذا القانون.
أعمال نموذجية لبنانية من أجل الوصول إلى شرعة
لا ينطلق لبنان من الصفر في الأعمال الهادفة إلى صياغة شرعة للإعلام فقد جرت محاولات عديدة منذ النصف الأول من السبعينيات، ولم تكن مرتبطة بالظروف الإستثنائية التي عاشها لبنان بفعل الحرب، كون تلك المحاولات كانت سابقة لعام 1975، ركزت على الإعلام الحقوقي الشعبي والإداري وكان من أبرز المساهمات النموذجية في سبيل الوصول إلى شرعة، الأعمال الآتية:
– “شرعة الاخلاق أو شرف المهنة” تبنتها نقابة الصحافة في جمعية عمومية عقدتها في 25/2/1974 ووضعتها عمدة النقابة برئاسة النقيب المرحوم رياض طه، وكان له التأثير الأكبر في تبنيها وقد أقرها أصحاب الصحف السياسية كما أقرتها كذلك جمعية الصحف غير السياسية. وفي ما يلي نص “شرعة الأخلاق أو شرف المهنة” :
إعتزازاً منها بتاريخها المشرف الحافل بالنضال والإستشهاد في سبيل حرية الوطن والمواطن، بحيث إمتزج تاريخها بتاريخ الفكر الحر والنضال الوطني والشعبي، يسعد الصحافة اللبنانية أن تعلن في شرعة أخلاق المهنة هذه، مجمل مبادئ السلوك التي طالما إستعملها روادها، فكوّنوا للمهنة آدابها وأعرافها وتقاليدها، وهي المبادئ التي تلتزم بها المهنة منذ تأسيسها ولا تزال أقوى من القوانين والقرارات، وترى الآن تكرار إعلانها تلقائياً حتى تضع حداً لما يُثار من لغط حول أصول ممارسة قواعدها:
1- إن الصحيفة مؤسسة تقوم بخدمة عامة ثقافية، إجتماعية، وطنية، قومية، إنسانية، وإن كانت ذات مقومات تجارية وصناعية، وهي، تمارس حريتها، ملتزمة بالدفاع عنها وعن الحريات العامة.
2- لا تقتصر المسؤولية على مراعاة القانون وحده، إنما تلتزم المطبوعة بمسؤولية أمام الضمير المهني وإزاء القارئ.
3- تلتزم الصحيفة بالصدق والأمانة والدقة وبمبدأ سرية المهنة.
4- المطبوعة منبر يملكه القراء ولهم فيها فرصة التعبير عن الرأي وحق الردّ والتصحيح.
5- للصحيفة أن تعبئ الرأي العام دفاعاً عن البلاد وعن الحق والعدل والمقاومة ضد العدوان والقوة الغاشمة.
6- تجتنب المطبوعة التعصب وإثارة النعرات وتتحاشى القدح والتحقير.
7- الأنباء المختلقة أو المحرّفة ليست صالحة للنشر.
8- الإفتراء أو الإتهام دونما دليل يسيء الى الصحافة.
9- تتحاشى الصحيفة نشر الأخبار غير الموثوق بصحتها، وإذا نشرتها، فعليها أن تشير الى أنها غير متأكدة.
10- تتجنب المطبوعة نشر المواد التي من شأنها تشجيع الرذيلة والجريمة.
11- الصحافة تحترم سمعة الفرد وتصون كرامته ولا تتعرض لحياته الخاصة.
12- الشتم والتهويل والإبتزاز من صفات الصحافة الصفراء التي لا تعرفها صحافة لبنان.
13- المهاترات الشخصية تحط من كرامة المهنة.
14- لا تلجأ الصحيفة الى وسائل غير مشروعة في سبيل إقتناص الأنباء والأسرار.
إن الصحافة اللبنانية، إذ تتمسك بهذه الأسس الخلقية إنما تفاخر بأنها وضعت ميثاق شرف تبناه مؤتمر الصحافيين العرب، وبأنها تشارك في تسجيل تاريخ مصيرها، وفي تكوين الرأي العام متطوعة لأداء رسالة أو القيام بدور في ممارسة الديمقراطية والذود عن المصالح العامة.
– شرعة صحافية لبنانية أو الوصايا السبع من أجل شرعة خلقية صحافية في بلد متنوع كلبنان، النهار، 26/11/1985، ص 11. تحدد المبادئ التالية:
المبدأ الأول: السلطة رموز تتعدى الأشخاص وتحافظ على تناسق المجتمع واستقراره. من هذه الرموز رئاسات الجمهورية والوزارة والمجلس النيابي والجيش. يمكن نقد الأفعال وإنتقاد السياسة الدفاعية أو تنظيم الجيش وعتاده لكن دون المس بالمؤسسات في معنوياتها.
المبدأ الثاني: ليس المجتمع المتنوع الأديان مجرّد أرض بل علاقات للمجموعات بعضها ببعض. لا يكفي تقديس الأرض كعنصر ملازم للوطن لأن علاقات الطوائف لا تقل ملازمة لمفهوم الوطن. وإحترام هذه العلاقات عنصر ملازم للوطن. يمكن نقد أسس تنظيم هذه العلاقات ولكن دون المس بمبدأ العيش المشترك، ذلك مرادف للتعصب ومخالف أصلاً لبنية المجتمع. ميثاق العيش المشترك شيء والبحث في سبله المؤسسة شيء آخر.
المبدأ الثالث: ليست الاديان وسيلة لزرع الأحقاد. يجب إحترامها، على الأقل من الناحية الديمقراطية، في مجتمع متنوع الأديان. يمكن أن تكون صحافياً ملحداً أو غير مؤمن ولكن عليك أن تحترم الأديان كما يراها المؤمنون بها لا كما تراها أنت.
المبدأ الرابع: ليست السياسة للصحافي وسيلة للتعبئة ولبيع أحلام، مسيّساً كل شيء حتى الرغيف والشهداء والموت، وليست الصحافة في خدمة السياسيين بل في خدمة القرّاء في عيشهم ومشاكلهم اليومية. الصحافة تعيش مع الناس ولهم.
المبدأ الخامس: ان المجتمع المتنوع يفترض التضحية بجزء من الحق في المعارضة في سبيل الحفاظ على الوئام بين المواطنين وعلى التضامن تجاه الأخطار الداخلية والخارجية. فكما أن للحرية حدوداً كذلك للمعارضة حدود ترسمها مقتضيات الحفاظ على الوئام في المجتمع.
المبدأ السادس: مقياس الوطنية للصحافي في المجتمع اللبناني هو الوحدة الوطنية. كل ما يؤدي إلى تفكك المجتمع في طابعه المميز مخالف للوطنية وكل ما يدعم هذا الطابع ينسجم مع الوطنية.
المبدأ السابع: يربط المجتمع المتنوع الأديان علاقات بالجوار ذات أطر على الصحافي إحترامها لا أن يفتح سياسة خارجية على حسابه الخاص مهدداً نظام حرية الصحافة وعلاقات لبنان الخارجية فيتحول الوطن إلى “رصيف”.
– ندوة وزارة الإعلام، “إعادة تنظيم الإعلام في لبنان”، 17-19/5/1991.
– الحلقة الدراسية في جامعة سيدة اللويزة، “الإعلام: حرية، قانون، وتنظيم، علم وخلقية”، 15/11/1996.
– ندوة نقابة المحامين في بيروت، “حرية الإعلام بين الواقع والمرتجى”، 4/12/1993.
– المؤتمر الدولي الثاني الذي عقده معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في بيروت حول: “حرية الإعلام المرئي والمسموع”، في 2-3/10/1998، وصدرت وقائعه في كتاب بإشراف مدير المعهد د. جورج آصاف، منشورات النقابة، بيروت، 1999، 184 ص. وأبرز ما فيه:
شروط تنظيم وبث الإعلان والدعاية على شاشة التلفزة دون الإضرار بالقاصرين.
حق التوضيح والردّ ومسؤولية التحرير.
قواعد الشفافية المالية التي تخضع لها مؤسسات المرئي والمسموع.
مراعاة التعددية والمناقشة الديمقراطية وعدم التحيز في البرامج السياسية والأخبار.
– ندوتان لمؤسسة جوزف ولور مغيزل بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي حول موضوع: “حق المواطنين في الإعلام، وبرنامج “مرصد الديمقراطية في لبنان، 17-18/1/2003 و31/1/2003، تنسيق أنطوان مسرّة.
– ورشة عمل حول “دور الإعلام في حماية حقوق الإنسان وتعزيزها”، منظمة العفو الدولية بالتعاون مع مكتب الأونيسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، 19-20/10/2000.
– برنامج “الإعلام الإداري في لبنان اليوم: إشكالية وانتاج إعلامي” الذي نظمه مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية بالتعاون مع وزارة الإعلام من خلال الايام السمعية – البصرية المنعقدة في اواخر 2001 والنصف الأول من عام 2002.
– مشروع باسكال مونان وشربل مارون بالتعاون مع طلاب الإعلام في جامعة القديس يوسف.
– “مقترح شرعة الإعلام في لبنان”، أطلقه مكتب الاونيسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية في مكتبه في بئر حسن بتاريخ 2/5/2008، بالتعاون مع المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أعدّت مشروع الشرعة لجنة من أنطوان مسرّة وحسّانة رشيد وجورج عوّاد. وتمّ نشر مشروع الشرعة في كتيّب مؤلف من 46 ص. يُُمثل مشروع الشرعة نمطاً سلوكياً وقواعد تعزز خلقية الممارسة الإعلامية. يتضمن الإقتراح مبادئ عامة وواجبات يتعين إلتزامها حول: الأمانة والصدقية، الإعلام عن الشؤون الدينية، الدفاع عن الحقوق والتنمية، ثقافة السلام الإجتماعي، وظيفة الملحق الإعلامي، التدريب والتأهيل وبناء المواطنية الإعلامية.
– إجتماعات فريق العمل في وزارة الإعلام برئاسة الوزير طارق متري في الفصل الأخير من العام 2008، لإعداد إعلان مبادئ، وبخاصةٍ مناقشة هذه المبادئ مع ممثلين عن وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في الوزارة بتاريخ 12 و22/12/2008. من أبرز بنود هذا الإعلان : إحترام حرية الإعلاميين وإستقلالهم، وتعزيز قيم التسامح والحوار والإبتعاد عن الإثارة ولغة التحريض، ونبذ العنف الكلامي والمعنوي، وصدقية الخبر والتمييز بينه وبين الرأي (عدم المزج بين الوقائع والآراء)، حدود السبق الإخباري والمصلحة العامة… يُمثل إعلان مبادئ هذا، حداً أدنى من الحرص على تمتين صدقية الإعلام اللبناني وعلى الحريات الإعلامية. يقول الوزير متري في احدى مقابلاته بشأن الإعلان: “انه بسيط وواضح ويتضمن بديهيات. لكن يستحسن التذكير بالمبادئ التي تبدو بديهية وتذكّرها وتجديد إلتزام إحترامها. فليس لأنها بديهية تكون محترمة”.
تضمنت مسودة إعلان المبادئ التي صاغها الوزير متري قواعد تتمحور حول التخلص من الشوائب التي تسيء اليوم إلى موقع الإعلام اللبناني، ويمكن أن تندرج في إطار العناوين الآتية:
1. نبذ ثقافة التعبئة والتبعية والعنف: جاء في مبادئ الشرعة المقترحة أن “الإفراط في الإثارة في الكثير من الأحيان، يؤدي إلى إضعاف صدقية العمل الإعلامي، فيتحول نتيجة ذلك إلى وسيلة من وسائل التعبئة والتحريض وتعميق الإنقسام بعيداً عن وظيفته. يترتب على الإعلاميين تالياً عدم الإنسياق إلى نشر كل ما يحض على العنف والبغض والانتقام ويقيم تمييزاً بين المواطنين على أساس إنتماءاتهم”.
2. إحترام موجب التدقيق في الخبر: من المبادئ التي أوردتها المسودة ان “الإستعجال في نقل الخبر، رغم المنافسة الشديدة، لا يبرر الإستغناء عن المصادر الأولية أو إهمال التحقق من المصادر الثانوية والتأكد من تعددها” ويخضع الإعلام لشروط منها الدقة والتدقيق والامانة في نقل الخبر وأصول نقله. ففي الإعلام خلقية مهنية وتقنية وصدق، ومن شروط إعداد الأخبار في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع إطلاع الناس على الحقائق لا خداعهم.
3. إعلام ثقة وشفافية وكلمات للتواصل لا للأذية: معظم المصطلحات المتداولة في الإعلام ليست بريئة. تختم مبادئ الوزير متري مسودة الإعلان بالتأكيد على ما يلي: “تعزز صدقية الإعلام، ويؤدي دوره الوطني بصورة أفضل، من خلال قبول الإختلاف ووضعه في نصابه وحفظ حقوق المختلفين في التعبير عن مواقفهم وتصحيح الاخطاء تصحيحاً صريحاً ومرفقاً بإعتذار”.
يُستخلص من كل هذه المحاولات وجود مساعٍ حثيثة للحفاظ على دور الإعلام اللبناني ريادياً في المنطقة العربية، إزاء الصورة المهتزة حالياً بسبب غيابٍ الضوابط الناظمة. والحاجة تالياً إلى إضفاء صورة نوعية، على الصعيدين الدولي والوطني، عن إحترام الإعلام في لبنان لشرعة سلوك مهني، ومعالجة التسيّب، وبخاصة المتلفز، حيث تتطلب المعالجة مراعاة حقوق مستهلكي الإعلام أولاً وأخيراً، وقبل أي إعتبار آخر يتعلق بالسياسة النزاعية لبعض المحطات. ليس الإعلام والصحافة في خدمة سياسيين، بل في خدمة المستمعين والقرّاء في عيشهم ومشاكلهم اليومية. وليس المطلوب وقف برامج المناظرات السياسية على شاشات التلفزة بل إسنادها إلى مصادر ومرجعيات حقوقية تؤدي إلى تجنّب سجالات غير مفيدة وتوفر حلولاً للمشكلة المطروحة.
المساهمات والمصادر العربية
– مؤتمر الخبراء في العالم العربي في صنعاء، 1996. تناول أخلاقيات العمل الصحفي بتوصيات أبرزها الآتية: “إن الأداء الصحفي الجيد هو الضمانة الأكثر فاعلية للحد من الضغوطات الحكومية والضغوطات التي تمارسها مجموعات ذات منافع خاصة. لأن العاملين في وسائل الإعلام هم المعنيون الأساسيون والقادرون على وضع مبادئ وقواعد توجيهية لمهنتهم”.
– المؤتمر الدولي الثاني لحركة حقوق الإنسان في العالم العربي في القاهرة، 16 تشرين الأول/ أوكتوبر 2000، وأبرز ما فيه: مراجعة مناهج التعليم ومواد الإعلام لتنقيتها من المضامين المنافية لقيم حقوق الإنسان، تعزيز وسائل الإعلام المقروءة والمرئية لقيم حقوق الإنسان والتعددية والتنوع، وتجنّب كل ما من شأنه إذكاء مشاعر الكراهية العنصرية أو الدينية أو تحقير الرأي الآخر، أو إمتهان الكرامة الإنسانية. وتشجيع إتحاد الصحفيين العرب ونقابات الصحافيين ومؤسسات المجتمع المدني على مراقبة مدى إلتزام وسائل الإعلام بمواثيق الشرف المهنية. وتبني برامج خاصة لتدريب الإعلاميين.
– الميثاق العربي لحقوق الإنسان ولاسيما المادة 32 وتنص: “يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية التعبير والرأي وكذلك الحق في إستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها بأي وسيلة ودون إعتبار للحدود الجغرافية”.
– “الحق في الإطلاع: الواقع العربي في ضوء التجارب العالمية” (مؤلف جماعي)، منشورات الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية-لافساد، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والسفارة البريطانية في بيروت والبنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولية، بيروت 2004، 408 ص. يتضمن التشريعات المتعلقة بحق الإطلاع في قوانين سبع دول عربية هي: مصر، فلسطين، لبنان، المغرب، الجزائر، البحرين، اليمن، أبرز ما فيه:
حق وسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومات.
تحويل الحق في النفاذ إلى المعلومات إلى حق أساسي.
مكونات الحق في الإطلاع والمبادئ العامة التي ترعى هذا الحق.
المعلومات غير القابلة للإطلاع بصفة مطلقة أو المعلومات المحرّمة.
المعلومات القابلة للإطلاع بشرط أو المعلومات المقيّدة.
المعلومات المعدّة لإطلاع الجمهور اصلاً وتتضمن: المعلومات التي تؤمنها السجلات الرسمية، والمعلومات التي ينص القانون على وجوب نشرها وآليات الوصول إلى المعلومات.
– “دليل الإعلاميين والبرلمانيين لدعم حرية الإعلام” (المحامي نجاد البرعي)، كتيّب من منشورات مركز حماية وحرية الصحفيين، عمّان (الأردن)، 2005، 163 ص من الحجم الصغير. وأبرز ما فيه:
الحماية الدستورية والتدابير التشريعية ضد أعمال القذف والسب والتشهير في الأردن.
الحماية الدستورية والتشريعية للحق في الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة في المملكة الأردنية.
الحق في الرد في قوانين المطبوعات في الأردن.
حماية المصادر الصحفية في قانون المطبوعات والنشر الأردني
– “دليل الإعلاميين: كيف تدافع عن نفسك أمام القضاء؟”(المحامي نجاد البرعي)، كتيّب من منشورات مركز حماية وحرية الصحفيين، عمّان (الأردن)، 2005، 256 ص من الحجم الصغير.
مرجعيات الشرعات الدولية
هذه المرجعيات هي الأقدم والأوفر. أفضى تطور الصحافة ما بين الحربين العالميتين إلى تأسيس الإتحاد الدولي للصحافيين سنة 1926 الذي وضع لنفسه شرعة ضمّنها مبادئ كفيلة بازدهار الصحافة وتوضيح حقوقها وواجباتها.
بعد الحرب العالمية الثانية دخلت الصحافة الغربية في مجال جديد من عملها عبر معالجة الأنباء الكاذبة أو المحرّفة (la désinformation)، واهتمت بتنمية المعرفة بين الشعوب عاملةً على توجيه الرأي العام إلى الأمور الأكثر اهمية في حياة البشرية، وبخاصة السلام بين الشعوب.
نكتفي هنا بتعداد أبرز المرجعيات الدولية:
– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948. تنص المادة 19 منه على أن: “لكل شخص الحق في حرية الرأي التعبير، ويشمل هذا الحق حرية إعتناق الآراء دون أي تدخل، وإستقاء الأخبار والأفكار وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيّد بالحدود الجغرافية”.
– الإعلانان الصادران عن الأونيسكو عام 1948 وعام 1978 حول “إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب”.
– إقرار الأمم المتحدة مشروعاً يتعلق بضمان حرية الفكر والرأي في العالم كسبيل من سبل التعاون الإنساني وكأساس لخدمة السلام العالمي وترسيخه. وقد وردت في المشروع مبادئ تتعلق بالآتي: البلوغية إلى المعلومات، حماية حرية إنتقال المعلومات، حماية تنوع مصادر الأخبار، صحة وصدقية المعلومات، الإمتناع عن التذرّع بمقتضيات “الأمن والنظام العام” لتقييد الإعلام.
– شرعة الصحافيين الفرنسيين.
– الميثاق الكندي للحقوق والحريات 1989.
– دليل الأخلاق المهنية في كيبيك (كندا).
***
يستخلص من كل ما تقدم أهمية احترام حق المواطنين في الإعلام، ولصحة الخبر وخلقية الإعلام في الممارسة اليومية للإعلاميين. وحق الناس في المعرفة. إنّ تنامي موجات من الشائعات هو مرادف للبلبلة والقلق وغياب الاخبار الموضوعية وضعف ثقة الناس بالإعلام الرائج وبخاصة الرسمي منه الممول من المكلفين اللبنانيين. من وظائف الإعلام نقل المعرفة بخلقية وصدقية والاهتمام بشؤون الناس بتواضع واستقامة وشجاعة.
لبنان له دور إعلامي نهضوي في العالم العربي. أهمية تعدد إقتراحات شرعات للإعلام في لبنان أنها تأتي تعبيراً عن حاجة، وتتضمن عروضاً مفتوحة على التطوير أكثر مما يسمح به جمود التشريعات وإجراءاتها المعقدة. ويشكل إتفاق وسائل الإعلام اللبنانية على شرعة سلوكية المدخل لعودة الإعلام اللبناني إلى موقعه المميز في الشرق، ولتغيير المنمطات السائدة عن إعلامنا أمام الرأي العام اللبناني والدولي. من واجبات الإعلام في لبنان المساهمة بدوره في الحفاظ على خصوصية لبنان كموئل للحريات والعيش المشترك ولإدارة التعددية وفي إضفاء صورة مشرقة عن عمل وسائل الإعلام وتعاونها على الخير العام، ودعمها الحياة المشتركة والتواصل بين اللبنانيين. ان وضع شرعات للإعلام اللبناني وإقرارها بعد مناقشتها يعني أن لبنان يقدم ما يغني ويفيد التراث العالمي لحقوق الإنسان. والحاجة إلى توافر شرعة لبنانية يمثل ضرورة قصوى في هذا الزمن بالذات، من دون أن تكون مرتبطة حكماً بظروف إستثنائية أو بأوضاع داخلية مأزومة.
وزارة الاعلام اللبنانية
مديرية الدراسات والمنشورات
اعداد: د. طوني عطا الله