أجرى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، صباح اليوم في السراي الحكومي، محادثات مع نظيره الإيطالي جيوزيبي كونتي تناولت آخر المستجدات في لبنان والمنطقة والعلاقات بين البلدين وسبل تفعيلها على المستويات كافة.
وكان رئيس الوزراء الإيطالي قد وصل إلى السراي عند التاسعة والنصف صباحا، حيث كان الرئيس الحريري في استقباله عند الباحة الخارجية، وأدت له التحية ثلة من حرس رئاسة الحكومة وعزفت الموسيقى النشيدين اللبناني والإيطالي. ثم عقد الرئيسان الحريري
وكونتي اجتماعا حضره وزير الاعلام جمال الجراح والوزير السابق غطاس الخوري والسفير الإيطالي ماسيمو ماروتي والأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل.
بعد ذلك، عقد الرئيسان الحريري وكونتي خلوة استكملا خلالها البحث في المواضيع المطروحة.
وفي ختام المحادثات، قام الرئيس الحريري وضيفه بجولة في أرجاء السراي وأطلا من شرفتها على معالم وسط بيروت.
مؤتمر صحفي مشترك
الحريري
بعد المحادثات، عقد الرئيسان الحريري وكونتي مؤتمرا صحافيا مشتركا، استهله الرئيس الحريري بالقول: “يشرفني ويسرني أن أرحب بدولة رئيس مجلس وزراء إيطاليا السيد جيوزيبي كونتي هنا في بيروت. إن العلاقات بين لبنان وإيطاليا تاريخية ومتجذرة، وسنعمل سويا في المرحلة المقبلة على تطويرها وتفعيلها على كل الأصعدة، وبخاصة على الصعيد الاقتصادي والتجاري والاستثماري. إيطاليا كانت دائما في طليعة شركاء لبنان التجاريين لناحية استيرادنا منها، الأمر الذي نأمل أن ينسحب على الصادرات اللبنانية إلى إيطاليا في المستقبل القريب”.
وأضاف: “أتوجه بالشكر إلى إيطاليا، دولة وشعبا، على صداقتها الراسخة ودعمها الدائم للبنان ولوحدته وسيادته واستقلاله، وبشكل خاص على دورها الهام في صفوف “اليونيفيل”. وهنا أشدد على التزام الحكومة اللبنانية قرار مجلس الأمن الدولي 1701 وسياسة النأي بالنفس، بصفتهما ركيزتين لاستقرار لبنان. إن لبنان يشكر الدولة الإيطالية أيضا على الدعم الذي تقدمه الى مؤسسات الدولة اللبنانية، وعلى رأسها الجيش. وقد استضافت إيطاليا مؤتمري روما 1 وروما 2 لتعزيز قدرات الجيش ودعم سائر الأجهزة الأمنية اللبنانية الأخرى”.
وتابع: “في كل الأوقات الصعبة، وقفت إيطاليا إلى جانب لبنان. بعد حرب تموز 2006، ثم مع أزمة النزوح السوري، قدمت مساعدات طارئة من خلال الوكالة الإيطالية للتعاون من أجل التنمية، التي تقدم مساعدات سنوية إلى لبنان في المجال الإنساني والتنموي وإعادة الإعمار”.
وقال: “إن المرحلة المقبلة في لبنان هي مرحلة عمل، وهي مرحلة واعدة بإذن الله، فيها العديد من الفرص الاستثمارية، خصوصا من خلال تنفيذ برنامج الانفاق الاستثماري الذي عرضته الحكومة اللبنانية في مؤتمر “سيدر”، ومنها ما يتعلق بتنفيذ مشاريع البنى التحتية بالشراكة مع القطاع الخاص. وإنني أدعو اليوم أصدقاءنا الإيطاليين الى الاطلاع عن كثب على هذه المشاريع والفرص الاستثمارية المتاحة في لبنان. وأعرب عن سروري لكون الشركات الإيطالية مشاركة في الفرص الاستثمارية في قطاع النفط والغاز في لبنان”.
وأضاف: “إن دور لبنان، المعروف بديناميكية ونشاط قطاعه الخاص، سيكون اساسيا في إعادة إعمار المنطقة، وعلينا تطوير شراكات اساسية بين القطاع الخاص اللبناني والقطاع الخاص الإيطالي لتنفيذ مشاريع مشتركة على صعيد المنطقة. واقتناعي راسخ بأن لبنان قادر أن يصبح مركزا إقليميا لقطاع الأعمال الإيطالي”.
وختم: “إن زيارتكم اليوم تعيد تأكيد علاقة الصداقة المتينة والتاريخية بين لبنان وإيطاليا، وثقتي كاملة بأننا سنعمل معا على تطوير التعاون الثنائي بيننا في كل المجالات وفي المستقبل القريب”.
كونتي
ثم تحدث كونتي، فقال: “أود أن أتوجه بالشكر إلى دولة الرئيس الحريري على هذه الاستضافة خلال زيارتي الأولى للبنان. إنه شرف كبير لي، وخصوصا وأنها تأتي بعد تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة. أود أن أتوجه بأحر التمنيات بالنجاح والتوفيق لهذه الحكومة”.
وأضاف: “لقد أكد لي الرئيس الحريري أن ما جرى بالنسبة الى البيان الوزاري وما حصل بعد ذلك يشبه ما حصل قبيل تشكيل الحكومة في إيطاليا. دولة الرئيس، الشعب اللبناني يمكن أن يكون أكيدا من الدعم الإيطالي لبلد تربطنا به علاقة صداقة راسخة وقوية على أساس الاحترام المتبادل والهوية المتوسطية المشتركة. إيطاليا تقف منذ زمن إلى جانب المؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني، وهي ستبقى لتقديم مساهمتها في عملية السلام والحوار والتماسك الاجتماعي. لبنان والحكومة الجديدة لديهما تحديات كثيرة، لكن الرئيس الحريري يركز على نشاطات محددة، وهي الإصلاح الاقتصادي والبنى التحتية، وهو ينوي أن تشارك كل القوى السياسية في هذه العملية، مع المحافظة على النأي بالنفس عن الأزمات في المنطقة”.
وتابع: “نحن نؤكد التزامنا تجاه لبنان في ما يتعلق بمهمة حفظ السلام، ونحن فخورون بمشاركة قواتنا في مهمات الأمم المتحدة. وأود أن أشكر بالمناسبة كل ما يقوم به الجنرال دل كول والجنود في جنوب لبنان، والذين سألتقيهم بعد ظهر اليوم. أتوجه لهم بأحر المشاعر، وأؤكد لهم أننا قريبون جدا منهم. وتحدثت مع الرئيس الحريري عن أمور عدة، ولا سيما التطورات على طول “الخط الأزرق”، ونتمنى أن يكون الحوار الحل الوحيد من أجل التخفيف من التوترات التي يمكن أن تنتج. نحن هنا على أتم الاستعداد مع جنودنا من أجل القيام بالوساطة ونثق بالوصول إلى نتيجة إيجابية”.
وقال: “كما ذكر الرئيس الحريري، فقد تحدثنا عن الفرص المتاحة لتنمية العلاقات الثنائية. فالحكومة اللبنانية لديها قدرات، وهي ستسهل كل الأعمال، في إطار الاستثمارات المنوي تنفيذها ضمن مؤتمر “سيدر”. وأود أن أشكر الرئيس الحريري على دعوته للشركات الإيطالية للمشاركة في عملية الإعمار والتنمية في لبنان، ونحن مستعدون للقيام بذلك، من خلال شركاتنا والكفاية العالية والقدرات التكنولوجية البارزة التي نتمتع بها في مجالات مختلفة. وعندما تحدثنا في اللقاء الثنائي، اتفقنا على أن تكون هناك زيارة للرئيس الحريري لايطاليا من أجل تشجيع المؤسسات الإيطالية على المشاركة في عملية التنمية في لبنان”.
وأضاف: “كذلك تحدثنا عن الأزمات في المنطقة، ولا بد من أن تكون هناك حلول سياسية وتقويم كبير لدور الأمم المتحدة، من أجل تفادي أن تكون هناك عقوبات أخرى. وتحدثنا عن مشكلة النازحين، ونعرف أن عددهم يشكل زهاء 30 في المئة من نسبة الشعب اللبناني، وإذا ما نظرنا إلى النسب سنجد أنها الأعلى بالمقارنة مع البلدان الأخرى. ونحن، من خلال مكتب التعاون للتنمية، سنكون دوما إلى جانب لبنان والشعب اللبناني، ونود أن نساهم، نظرا الى خصائص المقاربة، وهي مقاربة دعم كما كانت دوما، نود أن نساهم ونستمر في المساهمة بالحوار السلمي في المنطقة ككل”.
سئل كونتي: “تلتقون اليوم الكتيبة الإيطالية في “اليونيفيل”، على وقع إعلان وزيرة الدفاع الإيطالية تقليص عدد الكتائب الإيطالية العاملة في الخارج، فما تأثير ذلك؟ وماذا عن الإنذار الذي صدر عن صندوق النقد الدولي في ما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي الإيطالي، فهل تنوون القيام بأي إصلاحات أو إجراءات احترازية؟
أجاب: “أود أن أقول لكم إن وزيرة الدفاع أعلنت ذلك، لكننا في مرحلة مبدئية، وهذا التصريح كان يخص الكتيبة الإيطالية في أفغانستان، وستكون هناك عمليات تقويم أخرى سيتم النظر فيها في المستقبل، ونحن نتمنى أن تتم عملية السلام بطريقة سلمية في الأشهر المقبلة. فهناك كتيبة إيطالية موجودة في الموصل العراقية، ومن المتوقع أن تنسحب قواتنا في نهاية آذار من العراق. أما في ما يتعلق بكتائبنا الأخرى، فهناك فقط عمليات تقويم تقنية.
أما في ما يتعلق بملاحظات صندوق النقد الدولي، فإننا نؤكد أن هناك توقعات نمو ونرد على كل ما هو انكماش اقتصادي، وهذا أمر يعنينا نحن، وهناك نشاط ومبادرة لدعم الاستثمارات، وهناك إجراءات ملموسة في الأشهر المقبلة، وكل ذلك سيكون له أثر على الاقتصاد الإيطالي، بما سيسمح للعائلات برفع مستوى الاستهلاك. هناك أيضا خطة استثمار صلبة جدا، وسنعمل على البنى التحتية والأمن القومي، وكل ذلك سيسمح لنا بأن نستعيض عن هذا التأخير.
أود أن أقول إن الدين الإيطالي مرتفع جدا، ولا يمكن أن نخفي ذلك، لكن هنك ثقة بالأسواق، وهذه إشارة كبيرة للثقة التي تعطيها الأسواق للحكومة الإيطالية. وهذه القرارات ليست وليدة الساعة، لكنها تأتي من مستثمرين يعرفون جيدا الاقتصاد الإيطالي”.
سئل الحريري: ما هي أوجه التعاون بين لبنان وإيطاليا؟
أجاب: “إيطاليا موجودة منذ زمن في مجال الشراكة مع القطاع الخاص اللبناني، فهي موجودة في مجال الغاز والنفط، وهناك شركات إيطالية عملت في مجالات الكهرباء والصرف الصحي وغيرهما. واليوم تحدثت مع الرئيس كونتي على تشجيع الشركات الإيطالية للدخول في شراكة بين القطاعين العام والخاص والاستثمار في لبنان، واتفقنا على أن يكون هناك اجتماع للتقنيين من البلدين لاطلاع الشركات الإيطالية على المشاريع التي يمكن الاستثمار بها في لبنان، وهذا سيتم في أسرع وقت، ثم سأزور إيطاليا لاستكمال هذا العمل، من أجل التوصل إلى أرض يمكن العمل عليها.
أنا أشجع كل الشركات الإيطالية على أن تستثمر في لبنان، وخصوصا أن مشاريع “سيدر” مبنية على إصلاحات أساسية في قطاعات، كالكهرباء والمياه والاتصالات والطرقات، وهذا ما يحسن أداء الدولة ويساعد على تشجيع الاستثمار الخارجي وخصوصا الإيطالي”.
ثم انتقل رئيس الوزراء الايطالي الى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أثار معه التعدي الاسرائيلي على البلوك 9 النفطي والتلزيم في محاذاة الحدود الجنوبية اللبنانية البحرية، وتناولا أيضا العلاقات الثنائية والتطورات في المنطقة.
وكان بري استقبل كونتي والوفد المرافق والسفير الايطالي ماسيمو ماروتي عند مدخل مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، وأدت له ثلة من شرطة المجلس التحية.
وبعدما ودع ضيفه الايطالي عند مدخل مقر الرئاسة الثانية، سئل بري عن قوله امس في لقاء الاربعاء النيابي إنه سيثير مع رئيس الوزراء الايطالي موضوع الاعتداء الاسرائيلي بتلزيم شركتين للنفط في المنطقة المحاذية للحدود اللبنانية الجنوبية البحرية، فأجاب: “هذا اكثر المواضيع التي كانت موضع بحث بيننا وبين دولة الرئيس الذي ابدى كل الاستعدادات لمؤازرة لبنان في شتى الميادين وخصوصا في الميدان السياسي الاقتصادي الذي يتمثل بموضوع البلوكات”.
سئل: كف تشرح لنا موضوع الاعتداء الاسرائيلي؟
اجاب: “باختصار هناك أحواض مشتركة بين دولتين. هناك بيننا وبين فلسطين حوض مشترك وأكثر من ثمانين بالمئة منه في المياه اللبنانية. كان الاسرائيليون بعيدين ما بين 20 و30 كيلومترا، وكذلك نحن ايضا في البلوك 9. وحديثا لزموا شركتين، شركة نوبل وشركة اسرائيلية في محاذاة الحدود، أي أنهم يأخذون جزءا من هذه الحوض ويحفرون فيه، واعطوا الشركتين مهلة اقصاها نيسان2020 لبدء الحفر، ويكون لبنان في هذه الفترة لم يبدأ الحفر، وبالتالي يسرقون جزءا كبيرا من ثروتنا النفطية. لذلك من الضروري ان نحذر الشركات ومن بينها شركة “إيني” وغيرها”.
وأضاف: “هذا الموضوع سأثيره في فرنسا مع الرئيس الفرنسي، وان شاءالله الوزارات ستقوم بواجبها في هذا المجال”.