خاص – لموقع وزارة الإعلام مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية
حين تتحدث مع الباحثة ليلى شمس الدين، تلمع عينيها بدهشة وشوق للسنوات الست عشرة الماضية التي راكمتها في عالم الإعلام، وليلى صاحبة التجربة الإعلامية المثمرة في عالم الإعداد لبرامج إجتماعية وتربوية، لم يغب عنها طيف الطفولة بكل تعقيداته وبساطته، ولأنها شغوفة بهذا العالم، أفردت مساحة واسعة من حياتها لأبنائها على حساب تحصيلها العلمي، وانتظرت لأن تنال لقب الجدة أولا ، حينها تفرغت لحيازة لقب الدكتوراة بدرجةمشرف جداً من الجامعة اللبنانية، على أطروحة أعدتها تحت عنوان ” تشكيل ثقافة الأطفال في البرامج التلفزيونية “، وهي دراسة متخصصة بقناة جيم – الجزيرة للأطفال، ترصد من خلالها مجمل القيم الأساسية المبثوثة من خلال برامج القناة والتي تستهدف الأطفال بأعمار متفاوتة من سنوات الطفولة المبكرة حتى سن المراهقة ، ولعل المؤتمر الذي أقيم في بيروت عام 2010-2011برعاية المجلس العربي للطفولة والتنمية بالشراكة مع المجلس الأعلى للطفولة، وما نتج عنه من توصيات عدة تشجع على ضرورة إنجاز رسائل دكتوراة في مجال الإعلام والطفل ، كان الدافع الأساسي لإجراء هذه الدراسة ، أضف إليه هذا الكم الهائل من القنوات الفضائية الموجهة للأطفال في ظل غياب عوامل الرقابة على مضمون هذه البرامج.
- فأية قيم ترسلها هذه البرامج لأطفالنا ؟
- وهل تساهم فعلاً في تشكيل شخصية هذا الطفل أو ذاك ؟
- وماالذي أضافته هذه الدراسة في عالم الإعلام والطفل ؟
للحديث عن أهمية هذه الدراسة ومضمونها ،التقينا الباحثة ليلى شمس الدين .
- لماذا اخترت قناة جيم عن سواها للدراسة ؟
حين بدأت بالدراسة كان يسبح في العالم العربي 24 قناة فضائية عربية بحسب الدليل السنوي لإتحاد إذاعات الدول العربية حتى العام 2016 ، فقمت برصد ومسح لهذه القنوات بأكملها ، وتبين لي من خلال المسح أن “جيم “الفضائية هي القناة العربية الوحيدة التي تتميز بعدة مزايا ، منها ، أنها تبث 24 على 24 بصورة غير مشفرة ، لا تضع القناة إعلانات بين فقرات برامجها – في إشارة إلى الأثار السلبية للإعلانات على الأطفال من حيث التوجيه والتفاعل- وتضيف د.ليلى أن قناة جيم تتمتع بميثاق تحريري خاص للأطفال، تلتزم بمنظومة التنمية البشرية المطلقة وتحديداً بحقوق الطفل، فضلاً أن سياستها واستراتيجتها وأهدافها متاحة عبر الوسائل التكنولوجية لمن يرغب بالبحث والمعرفة، هذه الأمور، دفعتني لاختيارها لأنها قدمت نفسها من خلال الوثائق بأنها القناة التي تضع هذه المعايير وتعلن التزامها بها ، الأمر الذي يجعلها القناة الفضلى للدراسة.أضف إلى ذلك أن قناة “جيم ” تعمل تحت مظلة مؤسسة قطر للتنمية والعلوم وتربية المجتمع وعليه فإن سياستها تنبثق من أهداف تربوية ، وهي بالتالي أكبرمن كونها قناة تلفزيونية ، هي فتح جديد في عالم الإعلام لأنها جمعت بين التلفزيون التقليدي والتكنولوجية لتصل إلى الأطفال بأكثر من طريقة .
أشرت إلى عدة دراسات أجنبية وأخرى عربية في هذا الإطار منها دراسة أوف كوم وهي دراسة للهيئة المشرفة على الإعلام البريطاني التي تقول أن الوقت الذي يمضيه الأطفال مع وسائل الإعلام المتنوعة إلى ازدياد وإشراف الأهل إلى تراجع ، ودراسة كندية تشير إلى أن الأطفال دون سن ال12 عاما يقضون بمعدل 20 إلى 22 ساعة أسبوعياً أمام التلفاز ما يعادل ما يقضونه في المدرسة .
- مالفرق بين الدراسات العربية والدراسات الأجنبية التي استندت إليها ؟
- ما علاقة الدراسات الأجنبية بواقع الطفل العربي ؟
- وماذا تقصدين ، هل هناك خطورة من الإعلام الموجه للطفل ؟أم أننا أمام جيل مقبل على التكنولوجية بطريقة أذكى وأفضل من سابقيه ؟
صحيح أنني استفدت من معظم هذه الدراسات الأجنبية والعربية على حد سواء وما استخدامي للدراسات الأجنبية إلا لأشير إلى مسألة هامة ولأقول التالي : إن الطفل الأجنبي الذي يتمتع بكل الوسائل الترفيهية الممكنة ، هذا الطفل الذي يعيش في بيئة توفر له كل الإمكانيات العلمية لتطوير معارفه ومداركه فضلاً عن الأنشطة التي تنمي مهاراته ، مع هذا فهو لا يزال يجلس أمام التلفاز لساعات طويلة ، وليس صحيحاً على الإطلاق أن دور التلفاز قد انتهى حتى هذه اللحظة . وتضيف د.شمس الدين أنه إذا كان وضع الطفل في الغرب على هذا المنوال على الرغم من كل الإمتيازات التي يتمتع بها ، فكيف إذن هو حال الطفل في البلاد العربية، حيث لا يتاح للطفل العربي المشاركة في أنشطة تنمي مهاراته العقلية وتنمي إدراكاته الجسدية بالشكل الكافي، إلا ماند ر، في إشارة إلى أن الأنشطة الترفيهية المخصصة للأطفال في العالم العربي محدودة وتتطلب الكثير من المال ليس بمقدور الجميع الحصول عليها، وبالتالي هي غير متاحة لجميع الأطفال . وتقول د.شمس الدين للأسف نحن مقبلون على مرحلة خطيرة ربما لا يعرف فيها الأهل أهمية دورهم في توجيه أبنائهم أو ربما يتخلون عن دورهم الفعلي كأهل في متابعة الطفل ،فيعتبرون وجوده أمام الجهاز التلفزيوني كاف لهم، وهذه النتيجة توصلت إليها الباحثة ليلى شمس الدين من عدة دراسات علمية في هذا الشأن كانت قد رصدتها قبل وأثناء إعداد الدراسة، الأمر الذي يؤشر لخطورة دور الأهل في هذا المجال وأهمية الإلتفات إلى دورهم الفعلي في المعرفة والإرشاد وفتح حوار متواصل مع الطفل لفتح الأفاق أمامه وترشيده لعملية الإختيار الصحيح ، فالطفل هوالحلقة الأضعف في المجتمع ، وهو لا يستطيع بمفرده انتقاء ما هو سلبي أو إيجابي في كل ما يعرض عليه في الشاشة .
- تحدثت عن تعقيدات متنوعة في العلاقة بين الطفل ووسائل الإعلام . ماهي أبرز هذه التعقيدات ؟
يمر الطفل بثلاث مراحل تكوينية، هي الطفولة المبكرة، المتوسطة، والطفولة المتأخرة ، كل هذه المراحل مهمة من عمر صفر حتى الثامنة عشرة من عمره ، بحسب تعريف الأمم المتحدة للطفل، ومرحلة الطفولة المبكرة هي المرحلة الأساسية للطفل لأنها مرحلة الإكتساب والتخزين، يكتسب فيها كل تطوره المعرفي والإجتماعي والفكري والإنساني ويخزن كل هذه المعارف ليبني من خلالها تصوراته عن كل مايحيط به، إذ من خلال هذه المرحلة يبني الطفل تصوراته عن عالمه الذاتي والقريب والأبعد .أما المرحلة المتوسطة التي تمتد حتى سن ال14، فهي الفترة التي تظهر فيها أثرمكتسباته المعرفيةعلى سلوكه مع الأخرين، وكيف يتصورهذا الأخرالذي رأى عنه وسمع عنه، يبقى مرحلة الطفولة المتأخرة وهي مرحلة التطبيع وتعلم المهارات المختلفة في الحياة، صحيح أن هذه المراحل أساسية في تكوين وتنشئة الطفل، إلا أن عالم البحث التربوي قد أشار إلى أبعد من ذلك ، حين اعتبر أنه لا يمكننا معرفة أي طفل سيكون في المستقبل ، بغض النظر عن كل المؤثرات التي وضعناها أمام الطفل .
- ماالسبب ؟
لأن الطفل هو نتيجة موروثات جينية معقدة أولاً، يضاف إليه ما يكتسبه من ردات فعل من الوالدين حتى خلال تكوينه الجنيني، لذا نقول “من عمر صفر سنة “، فضلاً عما يكتسبه من محيط الأقارب في المرحلة اللاحقة، وتتسع المرحلة إلى المكتسبات التي يتلقاها في المدرسة، وتتسع دائرة المكتسبات لتشمل عالم الميديا، حيث لم نعد نتحدث عن جهاز تلفزيوني تقليدي فقط ، بل عن جهاز أصغر قصدت به الخليوي أو الأيباد هذا العالم الواسع الذي يبث كل المؤثرات الصوتية والبصرية والتي وإن كانت تمر كومضة سريعة أمام الطفل لكنها تترك في ذهنه مشاهد مؤثرة يصعب محوها .
وتسأل د. شمس الدين ، هل يمكننا معرفة ماالذي تفعله كل هذه المؤثرات في عقل هذا الطفل ؟ وتجيب ، قطعاً لا . والسبب ، أننا قد وضعنا الطفل أمام عالم مفتوح جداً ، يصعب علينا علمياً أن نضبط ردات فعله
وتضيف ، لمن الغلبة في هذه الحال للأهل فيما يقدمونه من نصائح للطفل أم للرسائل المبطنة والصريحة التي يتلقاها من هذا العالم المفتوح ؟ من هنا يمكننا فهم هذه التعقيدات التي تجعل مهمة الباحث شائكة في فهم أي ثقافة ستتشكل في ذهن الطفل ، وماهية القيم التي ستتراكم في مخيلته وتكوينه .
- ما هي الأليات الإجرائية التي اعتمدت عليها في الدراسة ؟
عملية الرصد ؟
اختيار العينة الملائمة ؟
في البداية رصدت كل القنوات التلفزيونية العربية الموجهة للأطفال ثم وقع اختياري على قناة جيم فأكملت عملية الرصد لكل برامجها لمدة سنة كاملة، وهي عملية ليست سهلة، كيف تقدم هذه البرامج، ماهي مميزاتها، توزيع برامجها الموسمي والسنوي، فتبين لي من خلال عملية الرصد هذه أن هذه القناة تقدم للأطفال تنوعاً غير عادي حتى في مواسم البث، ولديها حملات موسمية ، حملة العودة إلى المدرسة ، حملة الصحة، حملة علوم ، الغذاء الصحي، وحملة مواسم دينية، شهر رمضان والحج، وتضيف د. شمس الدين، جيم أكبرمن قناة،لديها قناة تعلم وهي علمية، سوار قناة موسيقية، وبراعم مخصصة للأطفال من عمر صفرسنة إلى ست سنوات، وقد كنت مضطرة أن أتابعها كلها بوصفها شبكة مترابطة، فضلاً عن متابعتي لموقعها الإلكتروني الذي يتناغم بنيوياً مع ما تبثه القناة، وتضيف، رصدت 7500 فترة بث واخترت 256 برنامج لكي أعرف الجهة المنفذة ، هل هو محلي أو أجنبي ، وأهمية الرصد تلك هي لمعرفة الفروقات بين ما تعلنه القناة للمشاهد وما تضمره من رسائل إعلامية موجهة للطفل ، وليس بالضرورة أن تكون الرسائل المضمرة سلبية، قد تكون إيجابية جداً.
- ما هي الإستنتاجات التي خلصت إليها ؟
على الرغم من أنها تعمل تحت مظلة أهم مؤسسة تربوية في قطر إلا أنها تتبع خطوات غير تربوية في تنشئة الطفل ليس أقلها أنها تقدم جوائز مالية ضخمة جدا تصل لحد عشرة الاف دولار لطفل شارك في برنامج تربوي، بغض النظر عن أهمية هذا البرنامج والجهد الذي أعطاه الطفل، إلا أنه بالمنظور التربوي لا يمكننا تعليم الطفل أهمية القيمة المعرفية ثم نقيسها بما هومادي ، وتصف هذه المقارنة بين القيمة المعرفية والبدل المادي بالمضر جداً بالنسبة للأطفال ، وتضيف ، تقدم القناة بعض البرامج التي تفرض على كل طفل مشارك، امتلاك وسيلة أنترنت وهو أمرغير متوفر لجميع الأطفال الأمر الذي يحرم معظم الأطفال من المشاركة، وفي هذا السلوك ضرب لأحد أهداف التنمية المستدامة وهو المساواة بين الأطفال، كما أن بعض البرامج تقوم على التمييز الجندري لأنها مخصصة للإناث في التقديم والحضور فضلاً أن القناة تبث برامج بقيم أجنبية بأسلوب مجتزء مثل الحرية، الديمقراطية، وتقدمها لأطفال يعيشون في بلاد عربية مأزومة وفي كل يوم تنتهك حقوقهم وكراماتهم ، ولأطفال محرومون أصلاً من الحرية والرفاة، وتسأل د.شمس الدين،الطفل الذي يعيش في بلد محروم من الإنتخابات، كيف أقدم له برنامج يتغنى بالديمقراطية والطفل الذي يعيش في بلاد الحروب والقتل والذبح، كيف أقدم له برنامج يشجع على التسامح
- ما هي الرسائل التي تودين إبلاغها للقيميين على الواقع الاعلامي في لبنان ؟
أولاً هذه الدراسة لم تأت لتقول بخطورة التلفاز وضرورة التخلي عنه أو الإبتعاد عنه بل لتقول أمور عديدة منها أننا أضحينا اليوم في عالم الإعلام ، والإعلام هو المؤثر الأول والأخير ومابينهما ، وقد احتوى هذا العالم دور الأهل والبيئة المحيطة لهذا الطفل .
وعلى الرغم من أن قناة جيم تعتبر من أهم القنوات التي تتوجه لتنشئة الطفل تنشئة تربوية ، إنما برز من خلال الدراسة ضرورة الإلتفات إلى مضمون هذه القناة وغيرها ، ومواكبة أطفالنا فيما يشاهدونه لكي نوجه شراع سفينتهم صوب الأفضل .
ولوسائل الإعلام أقول، إن الأطفال أمانة في أعناقنا ودورنا كإعلاميين كبير ومهم في حفظ هذه الأمانة، أيها الإعلاميون أنتم مسؤولون عما تقدمونه للطفل وأنتم معنييون بمحاسبة ومساءلة أي مؤسسة إعلامية وإن كنتم تعملون فيها ، إذا لمستم أنها تغفل عن لحظ مصلحة الطفل الفضلى في كل ما تقدمه للطفل .
وعلى وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام واجب متابعة ومساءلة الإعلام عن تقصيره في حفظ هذه الأمانة .
تحقيق :
زينب إسماعيل
مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية