كتبت صحيفة “النهار” تقول: … وأخيراً ولدت للبنانيّين حكومة استهلكت الرقم القياسي الثاني في تاريخ أزمات تشكيل الحكومات ولكن هذه المرة وسط أخطار كادت أن تكون غير مسبوقة على الصعيدين الاقتصادي والمالي وربما بما يتجاوز أخطار حقب الحرب. هي الحكومة الثالثة برئاسة الرئيس سعد الحريري والثانية برئاسته في عهد الرئيس العماد ميشال عون وهي الحكومة الثانية في عهد عون الذي كان يرى ان أولى حكومات عهده تبدأ بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. أكثر من ثمانية أشهر مرت على أزمة التأليف التي استهلكت تحديداً 252 يوماً من تاريخ تكليف الرئيس الحريري في 24 أيار 2018 الى تاريخ صدور مراسيم تأليف الحكومة الجديدة في 31 كانون الثاني 2019، وهي ثانية أطول مدة لتأليف حكومة بعد حكومة الرئيس تمّام سلام التي استهلكت 315 يوماً لتأليفها عام 2014.
ومع ان ولادة الحكومة أمس لم يكن حدثاً مفاجئاً تماماً، فإن أجواء الارتياح إلى هذا التطور هبت في معظم الاتجاهات وخصوصاً من حيث انعكاس هذا التطور الذي طال انتظاره على الواقع المالي والاقتصادي الذي كان مكمن الخطر الحقيقي الماثل على مجمل الوضع في لبنان. ومع ان شكوكاً كبيرة لا تزال ماثلة في إمكان اقلاع الحكومة بسرعة نحو الاتجاهات الاصلاحية الجدية التي من شأنها طمأنة المجتمع الدولي والرأي العام الداخلي الى أهلية الحكومة الوليدة للتصدي كفريق عمل منسجم في الحد الأدنى حول سياسات انقاذية اقتصادية ومالية واجتماعية، فإن التعامل الايجابي للأسواق المالية الخارجية مع ولادة الحكومة بدا بمثابة حافز قوي للحكومة والقوى السياسية على المضي بسرعة نحو التوافق على بيان وزاري يخرج عن رتابة التوافقات اللفظية الفارغة من مضمونها الجدي الى وضع بيان متطور يتضمن اتجاهات مقنعة حيال التحديات الكبيرة التي تعمد رئيس الوزارء سعد الحريري منذ اللحظة الأولى لولادة الحكومة تعدادها والإضاءة عليها من قصر بعبدا.
ولعل أكثر ما يستوقف في الحكومة الجديدة، على رغم ان مراسيم ولادتها لم تواكبها مفاجآت كبيرة بل جاءت متطابقة مع المعالم المعروفة عنها هي انها تتضمن سابقة من حيث توزير أربع سيدات فيها للمرة الاولى هن وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني (تكتل لبنان القوي) وزيرة الدولة للتنمية الادارية مي شدياق (“القوات اللبنانية”)، وزيرة الداخلية ريا الحسن (“تيار المستقبل”)، وزيرة الدولة لشؤون المرأة فيوليت الصفدي (“المستقبل”). كما ان ثمة سابقة ضمن السابقة النسائية نفسها هي ان سيدة تتولى منصب وزارة الداخلية للمرة الأولى. وتضم الوزارية الثلاثينية 17 وزيراً جديداً بما يعكس اتجاهات القوى السياسية المنضوية فيها الى تمثيل وجوه جديدة بعد الانتخابات والحفاظ على توازنات حزبية بين الأجيال المخضرمة والجديدة من خلال هذا التمثيل الوزاري.
لكن بيضة في تظهير الصورة العامة للحكومة تبرز من خلال ميزان توزع الحصص والوزراء على القوى المشاركة فيها. هذا التوازن مع انه بدا كأنه احترم للوهلة الأولى من خلال توزع “الكوتات” الوزارية الكبرى على ثلاث عشرات بما يسجل للرئيس الحريري مكسباً بارزاً في صموده أمام موجات كسر هذا التوزيع، فإن تعمد الفريق الرئاسي الذي تشكل حصة رئيس الجمهورية وحصة “التيار الوطني الحر” مجموع وزاراته تأكيد حصوله على 11 وزيراً وليس عشرة وزراء رسم علامات التباس حول طبيعة المخرج الذي اعتمد لاعلان نهاية الأزمة الحكومية بمعنى ان الفريق الرئاسي يكون قد خرج بتحقيق المكسب الذي أصر عليه وذلك من خلال احتسابه ان وزير “اللقاء التشاوري” الذي يفترض ان يكون مستقلاً هو من حصته. وجاء توزيع الوزراء على القوى كالآتي: فريق رئيس الجمهورية و”تكتل لبنان القوي” مع “اللقاء التشاوري” والطاشناق 11 وزيراً. “القوات اللبنانية” أربعة وزراء. الحزب التقدمي الاشتراكي وزيران. “تيار المستقبل” خمسة وزراء. كتلة الرئيس نجيب ميقاتي وزير. تيار “المردة” وزير. حركة “أمل” ثلاثة وزراء. “حزب الله” ثلاثة وزراء.
الحريري: التحديات
وبدا الرئيس الحريري عقب صدور مراسيم تأليف الحكومة راغباً في نقل البلاد بسرعة الى أجواء التحديات الكبيرة التي تواجهها، فاستهل الاطلالة الجديدة لحكومته باعلانه “واجب الاعتذار من كل اللبنانيين على التأخير، خصوصاً من جيل الشباب الذي انتظر فرصة لتصحيح الأوضاع”. وقال: “قد لا يكون هناك ما استدعى هذا التأخير، فهناك الكثير من القضايا والملفات أهم من الحصص وتوزيع الحقائب. ولهذا السبب تحديداً يهمني التأكيد منذ البداية ان المهم اعتباراً من اليوم، هو كيفية عمل الحكومة، وكيفية التعاون والتضامن داخل مجلس الوزراء كي نكون خلية عمل متجانسة”. وشدد على “اننا أمام تحديات اقتصادية ومالية واجتماعية وادارية وخدماتية، اضافة الى التحديات المعروفة عن الأوضاع في المنطقة والتهديدات الإسرائيلية على الحدود. هذا يعني ان التعاون بين أعضاء الفريق الوزاري شرط وواجب كي نكون في مستوى التحدي وكي تنجح الحكومة في تجاوز هذه المرحلة. لدى الحكومة جدول أعمال لا يحتمل التأخير والتردد أو التشاطر على الناس. لقد انتهى زمن العلاج بالمسكّنات، ولم يعد لأحد القدرة على ان يدفن رأسه في الرمل، فالأمور واضحة كالشمس، وكل المشاكل وأسباب الهدر والفساد والخلل الإداري معروفة، وكل اللبنانيين يعيشون القلق على الوضع الاقتصادي”.
واعتبر أن “الحل لا يكون من خلال الشكوى والنظريات والخطوات الشعبوية، بل عبر برنامج واضح ومبادرات واصلاحات جريئة، وورشة تشريع وتطوير للقوانين لا تحتمل التأخير ولا المساومة. بهذه الطريقة نحمي اقتصاد البلد وحقوق الناس ومصالح ذوي الدخل المحدود، خصوصاً ان حكومتنا هي حكومة الاستثمار في الحلول الاقتصادية والإنمائية والخدماتية”.
ثم قال “أدرك جيداً ان وجودي في الحكومة مع الوزراء مهمة غير سهلة، ويقال لي ان البعض “يرغب في رمي الجمر بين يديك، أما أنا فأقول: ليس لديّ ولدى الوزراء أي خيار، وعلينا مع فخامة الرئيس والمجلس النيابي ان نتحمل هذه المسؤولية، ونمنع انتقال الجمر الى بيوت اللبنانيين. انني اعتمد على تعاون الجميع”.
وأعلن ان الاجتماع الاول للحكومة سيعقد قبل ظهر السبت.
جعجع والتبادل
ولم تحجب ولادة الحكومة الدور البارز لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في تسهيل آخر المطبات التي واجهتها بموافقته و”تكتل الجمهورية القوية” على مبادلة حقيبة الثقافة التي كانت مخصصة لـ”القوات” بحقيبة التنمية الادارية.
وأكد جعجع “أنّ “القوّات اللبنانيّة” لم تبخل يوماً حتى بدماء أبطالها في سبيل لبنان، فكيف بالحري بتبديل حقيبة بحقيبة أخرى، إذا كان هذا التبديل سيؤدي إلى ولادة حكومة جديدة في لبنان. من هذا المنطلق، اتخذ تكتّل الجمهوريّة القويّة قراراً بالقبول بتبديل حقيبة الثقافة التي كانت مخصصة لحزب “القوّات اللبنانيّة”، بحقيبة التنمية الإداريّة، إذا كانت هذه المبادلة ستؤدي إلى ولادة الحكومة فوراً”.
وقالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”النهار” إن الأولوية التي فرضت إيقاعها في اجتماع تكتل “الجمهورية القوية” هي تشكيل الحكومة التي تعلو ولا يعلى عليها، لأن البلاد لم تعد تحتمل استمرار الفراغ ولا دقيقة إضافية، واجتماع التكتل كان مخصصاً أساساً لإطلاق نداء شديد اللهجة اذا كان سيستمر هذا الفراغ، فضلاً عن ان “القوات” التي كانت قدمت التسهيلات اللازمة للتأليف كما ونوعاً لن تقف عائقاً أمام تبديل وزاري من الفئة نفسها إذا كان سيفضي إلى تأليف الحكومة، وهذا بالذات ما صرّح به رئيس التكتل سمير جعجع في ظل مخاوف من ألا يؤدي تجاوب “القوات” إلى ولادة الحكومة.
وأفادت المصادر ان الرئيس الحريري لم يفاتح “القوات” بالتبادل إلّا أمس انطلاقاً من اقتناعه بتعاون “القوات” على طول خط مسار التأليف، وعندما وجد نفسه أمام الحائط المسدود لجأ إليها، فيما لا يمكن “القوات” ان ترده خائباً، خصوصاً ان أولويتها ولادة الحكومة من أجل مواجهة المخاطر الاقتصادية والاستراتيجية وتلبية المطالب الحياتية للناس.
جنبلاط: المعركة بدأت
أما الموقف البارز الآخر الذي واكب ولادة الحكومة، فبرز في تصريح لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عكس الكثير من الدلالات عن أجواء غير مريحة لديه. وقال جنبلاط لـ”النهار”: “الآن بدأت المعركة لتصحيح الخلل ورفض الهيمنة ومحاولة عودة التوازن والتصدي لنهب البلد”.
كذلك غرّد جنبلاط فور تأليف الحكومة: “مبروك شيخ سعد الحكومة بعد جهد جهيد. سنساعدك ضمن الثوابت التي نؤمن بها في الحزب ونعترض على اي خلل يصيب المال العام والثروة الوطنية كما جرى في دير عمار ومصفاة طرابلس. وفي المناسبة لم تكن ملاحظتي اليوم حول تأخير التشكيل الا من باب التخمين ولا داعي لجعلها مادة خلاف.المهم المستقبل.