كتبت “اللواء” تقول : حتى الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام بات موضع تجاذب، ففي حين يحظى بدعم ضمني من الأطراف المشاركة في الاتحاد، ومن بينها حركة «أمل»، بدا ان التيار الوطني الحر، يُبدي امتعاضاً، فيما يدور في الأفق تجاذب من نوع أخطر، يتعلق باحتمالات عقد حكومة تصريف أعمال جلسة لدرس وإقرار موازنة العام 2019، ليتسنى للدولة ان تقوم بالوفاء بالتزامات الوزارات في ما يتعلق بالانفاق.
وبصرف النظر عن موقف الرئيس المكلف سعد الحريري إزاء هذه المسألة التي ناقشها وزير المال في حكومة تصريف الأعمال معه في بيت الوسط أمس، فإن بعبدا، كما تدل المعطيات التي برزت عن موقفها لا تؤيد هذه الوجهة، وترى انها غير دستورية، ودونها عقبات كثيرة.
على ان الأبعد من وجهة نظر مالية ان إقرار الموازنة، لا يرتبط فقط بالمهل الدستورية بل في الوقت الذي يكاد ينفذ باعتبار ان الحكومة لو شكلت اليوم، فإن وضع البيان الوزاري، ثم نيل الثقة، الأمر الذي قد يسغرق وقتاً اضافياً..
وعلى الصعيد الحكومي، علمت «اللواء» من مصادر واسعة الاطلاع، ان أي صيغة لعدد الوزراء فوق الـ30 وزيراً غير واردة بتاتاً، وبالتالي فالحكومة مرجحة، في حال تأليفها قريباً، بين 30 وزيراً و24 وزيراً.. والغلبة في ما يبدو لصيغة الـثلاث عشرات.. معتبراً ان العقدة المطروحة ما تزال هي هي، من يمثل اللقاء التشاوري (أي سنة 8 آذار) ولمن تكون مرجعية اتخاذ قراره.
وأشارت مصادر المعلومات إلى ان ما يجري من عروضات لحكومة فوق الـ30 لا تعدو ان تكون بالونات اختبار إعلامية، كاشفة عن توجه إلى تبادل الحقائب، مع الإشارة إلى ان مساعي تجري للتباحث في إمكانية دعوة الحكومة إلى جلسة لإقرار الموازنة، عملاً بما جرى عام 1969 أي في عهد حكومة الرئيس رشيد كرامي، التي كانت تصرف الأعمال.
دافع واحد لدعوتين
بين الإضراب العام غير المفهومة دوافعه، والذي دعا إليه اليوم الاتحاد العمالي العام، ومعه مجموعة من الحراك المدني والنقابات في قطاعات مختلفة، وبين دعوة رئيس المجلس لتفعيل حكومة تصريف الأعمال من أجل إقرار موازنة العام 2019، لا تبدو دوافع الدعوتين سوى الدفع باتجاه الإسراع بتشكيل الحكومة، على الرغم من هذه العملية هي غاية جميع المعنيين بتأليف الحكومة، الأمر الذي يطرح السؤال البديهي: لماذا لا يكون الحل بالضغط على المعرقلين من أجل الإفراج عن الحكومة، من معتقل عقدة تمثيل النواب السنة الستة، حلفاء «حزب الله»، بدل ان يكون الضغط على الرئيس المكلف، وهو صاحب المصلحة الأولى بالخروج من هذه العقدة؟
ولماذا لا يكون الضغط على النواب الستة وحليفهم للتنازل عن شروطهم أو أقله التخفيف منها وهي تكاد تكون محصورة بتموضع وزيرهم، واين سيكون هل من حصة رئيس الجمهورية، أم ممثلاً حصرياً لهم؟ وهل من المقبول ان تبقى البلاد من دون حكومة بسبب وزير قرابة ثمانية أشهر؟ على حدّ تعبير رئيس الكتائب النائب سامي الجميل، الذي سأل أيضاً من مقر الاتحاد العمالي: «هل من المعقول ان يختلف المسؤولون على وزير في الوقت الذي يُعاني منه البلد والاقتصاد على حافة الانهيار، والشباب ليس أمامهم سوى الهجرة؟».
في زمن اللامعقول، لا من جواب، في حين ان حركة الاتصالات، التي بدأت غداة انتهاء عطلة الأعياد الميلادية ورأس السنة، لم تنتج حلولاً حتى الساعة، في ظل حديث عن الأفكار الذي تمّ تداولها بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، لحل المعضلة الحكومية ليست جديدة، بل هي قديمة سبق ان رفضت، وهي تحتاج إلى المزيد من الاتصالات والمشاورات، على الرغم من معلومات ذكرت ان حركة الوزير باسيل الذي يحيطها بتكتم شديد حتى على أقرب المقربين منه، توحي بقرب الخروج من عقدة تأليف الحكومة، بحسب مصادر معنية بالمشاورات ومتابعة لها لمحطة OTV الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر»، حيث كشفت ان باسيل عرض خمسة أفكار تتضمن خمسة حلول، يتركز البحث على ثلاثة منها، متوقعة ان تفضي هذه الاتصالات إلى حل أكيد في الأيام القليلة المقبلة.
وتكشف المصادر ان ٥ افكار او اقتراحات قدمت تشمل صيغاً حكومية من 30و32 وزيراً لكلّ واحدة ظروفها وانعكاساتها. فصيغة الـ32 طرحت من ضمن مقاربة جديدة تحترم عدالة التمثيل وتفتح الباب على الحل، الا انها رفضت من قبل الحريري.
وقالت: لقد أظهر اليومان الأولان من العام الجديد ان باسيل يمسك ايجابياً بملف حلحلة العقد امام الحكومة مما يوحي ان الحل بات في متناول اليد. مع التشديد ان الاتصالات السرية مستمرة بكثافة اليوم وغداً، مرجحة ان يشمل تحركه اركان «اللقاء التشاوري» الذي يجمع النواب السنة الستة.
لكن «اللواء» علمت من مصادر مطلعة على موقف «اللقاء التشاوري»، ان اركانه لم يتلقوا اي اتصال ولا اي معلومة عمايجري التحضير له من حلول، لكنه وازاء ما يتم تسريبه من معلومات عن اقتراحات بطرح اسماء اخرى غير المقترحة منهم وانه سيكون من حصة هذا الطرف او ذاك، قرروا بعد التواصل بينهم امس، تأكيد موقفهم برفض قبول اي اسم غير الاسماء التسعة التي طرحوها منذ بداية المفاوضات وهي اسماء النواب الستة اعضاء اللقاء او الاسماء الثلاثة المقترحة من قبلهم (عثمان المجذوب وحسن مراد والشيخ طه ناجي)، ولن يقبلوا اي اسم اخر، كما لن يقبلوا ان يكون الوزير السني السادس من غير حصة اللقاء ويحضر اجتماعاته ويلتزم قراراته.
وقد استبعد عضو «اللقاء» النائب الوليد سكرية «ولادة الحكومة في وقت قريب إذا بقي الافرقاء على مواقفهم الحالية»، مشيرا الى ان الوزير الذي سيمثّل «اللقاء التشاوري» يجب ان يكون مستقلاً وليس من حصة لا رئيس الجمهورية ولا غيره». واذ قال ان «من غير الوارد إعادة تعويم إسم جواد عدره»، لفت في تصريح الى «ان أي طروحات جديدة لم تُقدّم الى «اللقاء التشاوري» كما لا تواصل معه حتى الساعة»، معربا عن الاستعداد لتقديم اسماء جديدة لتمثيل اللقاء شرط أن تصدر عنه».
دعوة برّي
في هذا الوقت، كان اللافت للانتباه، اللقاء الذي جمع الرئيس الحريري بالمعاون السياسي للرئيس نبيه برّي وزير المال علي حسن خليل، والذي تركز على اقتراح إعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال، وعقد جلسة وزارية لها لإقرار مشروع موازنة العام 2019 المنجز لدى وزارة المال منذ شهر آب الماضي.
وأوضح الوزير خليل، بعد اللقاء ان فكرة انعقاد مجلس الوزراء لاقرار الموازنة، ليست تحديا لأحد ونحن لسنا على خلاف مع الرئيس الحريري حول هذا الموضوع، ولكن الأمر يحتاج الى مزيد من الدرس والمشاورات، رغم أننا نعتبر أن هذا الأمر دستوري، اذ ان مفهوم تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة بالمعنى الضيق يجوز لشهر أو شهرين، ولكن عندما تطول مهلة تشكيل الحكومة وتتأخر، هناك سابقة مع حكومة الرئيس رشيد كرامي يمكن الاستناد اليها، لانه إذا تأخر تشكيل الحكومة شهرا اضافيا، فقد لا تتوفر الأموال لوزارات عديدة وعندها سنكون مضطرين لإيجاد سبل لتأمينها».
وفي موضوع تأليف الحكومة، قال: «لدي انطباع بأن الأمور يجب ألا تطول اكثر ولكن علينا أن نكون حذرين بهذا الشأن».
وذكرت معلومات ان الرئيس الحريري لا يزال يدرس الفكرة، ومن دون ان يُبدي حماسة لها، لأنه يعتبر ان الأولوية يجب ان تكون لتشكيل الحكومة، وهو نفس التوجه السائد لدى دوائر قصر بعبدا، لكن نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، المنتمي إلى تكتل «لبنان القوي» أيد توجه الرئيس برّي بالنسبة للموازنة، معتبراً انه أمر باستطاعة الحكومة ان تقدّم عليه، ونحن باعلى درجات القناعة به، لأنه يتعلق بمصالح الدولة العليا وباستمرارية عملها».
الا ان الأستاذ المحاضر في القانون الدستوري الدكتورانطوان صفير أكّد لـ«اللواء» انه لا يشاطر رئيس المجلس رأيه بالنسبة إلى دستورية انعقاد الجلسة الوزارية لحكومة تصريف الأعمال، لأنه في روحية التشريع، فإن الحكومة هي حكومة تصريف الأعمال، ولا يمكنها ان تقوم بأي موضوع يخرج عن سياق تصريف الأعمال في معناه الضيق.
وقال: أنه عندما تتمكن الحكومة المستقيلة والتي هي في وضعية تصريف الاعمال من الاجتماع واقرار الموازنة هذا يعني ان بامكانها القيام بكل الاعمال ، وكأنها حكومة عادية، لانه وفق القاعدة المعروفة ان الذي يمكن القيام بصلاحية كبيرة يمكنه ايضا ان يقوم بصلاحية اقل اتساعا.
واعتبر صفير ان الموضوع واضح ، ويجب ان تكون هناك حكومة جديدة وهي التي تقر مشروع الموازنة، ولكن ان تجتمع حكومة تصريف الاعمال لاقرار المشروع فهذا الامر لا يتناسب مع روحية تصريف الاعمال ومع ما يعتبره الدستور ان الحكومة مستقيلة ليس بقرار من رئيسها او باستقالة اعضائها، انما مستقيلة بحكم النص جراء الانتخابات النيابية، والدستور ينص على انه عند اجراء الانتخابات النيابية تصبح الحكومة مستقيلة وصلاحياتها تصريف الاعمال فقط.
القمة الاقتصادية
اما «حزب الله» فقد نأى بنفسه عن الموضوع وان كانت كتلة «الوفاء للمقاومة» رأت في بيانها الأسبوعي انه «آن للحكومة الجديدة ان تبصر النور دون أي تأخير لكي ينتظم العمل في البلاد».
واعتبرت «ان لبنان معني بدعوة سوريا للمشاركة في القمة الاقتصادية العربية التي ستنعقد على أرضه، لما في ذلك من قوة للبنان ومصلحة استراتيجية له، وخصوصا أن الظروف الراهنة تشهد مناخا عربيا ايجابيا تتسارع فيه الدول العربية للعودة الى سوريا، فيما لبنان الجار الاقرب وصاحب المصلحة الاكيدة يجدر به ان يكون في طليعة المبادرين لتعزيز هذا المناخ».
ولم تستبعد مصادر عليمة وجود علاقة بين الحكومة والقمة الاقتصادية، إذ ان عدم دعوة سوريا إلى القمة يعني ان لا حكومة جديدة، في حين ان عدم ولادة الحكومة يعني ان لا قمّة في بيروت.
وفي هذا السياق، علمت «اللواء» ان لبنان لم يتبلغ اي امر يتصل بتأجيل القمة الاقتصادية التنموية او طلب تأجيلها وبالتالي فإن القمة ستعقد في موعدها المحدد في 20 الشهر الجاري في بيروت.
وافادت مصادر مواكبة للتحضيرات المتعلقة بالقمة ان هذه التحضيرات متواصلة وان عددا من الدول العربية ارسلت اسماء وفودها الرسمية والوفود المرافقة وهناك انتظار لبعض الدول في ارسال أسماء وفودها ودول اخرى تتأخر في تشكيل وفودها الى القمم.
سلامة: الليرة بخير
وعلى صعيد مالي، شدّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على ان البنك المركزي يقوم بكل ما يلزم من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للبنانيين وعلى سلامة الليرة اللبنانية، مشيراً إلى أن «لبنان والمنطقة يعيشان تحديات اقتصادية ومشكلة السيولة بدأت تنقرض بسبب الحروب وانخفاض سعر النفط».
وكشف سلامة في مقابلة مع تلفزيون M.T.V ضمن برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه الزميل مارسيل غانم، ان «احتياطي مصرف لبنان 40 مليار دولار، ويمكن للمصارف ان تغطي 80 في المئة من التحويلات من الليرة اللبنانية للدولار في حال قرر 80 في المئة من المودعين تحويل اموالهم من الليرة الى الدولار»، معلنا أنه ليس خائفا على الليرة اللبنانية او الوضع النقدي في لبنان».
وأكد أن «العلاقة ممتازة مع رئيس الجمهورية وهو رئيسنا وانا اطلعه على كل شيء، والعلاقة بيننا تقوم على الاحترام والتعاطي وهي في اطار جو عمل»، موضحا أن «الاجتماعات التي تحصل مع الرئيس علنية، كل شهر او شهر ونص ازوره لاطلاعه على كل ما يحصل ولا زيارات مخفية كما يشاع من وقت لاخر في الاعلام».
وجزم سلامة أنه «لم توضع شروط عليه لاعادة تسميته في الحاكمية وما يحكى عن صفقات غير صحيحة، والتجديد لي هو تحدي شخصي وقال مسؤولية وانا مؤتمن على وضع الليرة وعلى القدرة الشرائية للناس».
وعن الهندسات المالية التي قام بها في العام 2016، لفت الى أنه «لولا هذه الهندسات لما واجهنا الازمة الحكومية والفراغ الرئاسي وهذه العملية اتت بـ 15 مليار دولار الى المصرف وعملياً هذه المسألة حققت أرباحاً في العام 2016 فقط 200 مليون دولار اكثر من 2015»، جازما أن «المصارف لم تحقق ارباحاً كبيرة من الهندسات المالية عام 2016».
وأكد سلامة اننا سنؤمن الاستحقاقات المالية كلها وخصوصاً الرواتب، ولا نية بطبع العملة، لأنها تشكّل مغامرة، مشيراً إلى انه إذا طبق مؤتمر «سيدر» سيدخل مليار و400 مليون دولار مما سيحرك الاقتصاد في لبنان.
وقال ان مقاربتنا هي ضخ ما يكفي من السيولة ليبقى الاقتصاد يتحرك، لافتاً إلى ان مصرف لبنان دعم 800 مليون دولار للاسكان في لبنان، مشدداً على انه من مكامن الضعف في لبنان الوجود السوري الذي كلفنا 14 مليار دولار.
ونفى وجود نية لاقتطاع 15 في المئة من سلسلة الرتب والرواتب، معتبراً ان على الحكومة التفتيش عن حلول لتغطية نفقات السلسلة، موضحاً انه لا يمانع من فرض 5 آلاف ليرة على صفيحة البنزين إذا كان هذا الحل يؤمن الأموال اللازمة للسلسلة.