“أيها العسكريون نحتفل اليوم بعيد الاستقلال هذا العام في يوبيله الماسي، وفي هذه الذكرى المجيدة أكثر من درس وعبرة، إذ إن صمود لبنان في وجه العواصف والمحن طوال تلك الحقبة المديدة من الزمن، يثبت بشكل قاطع أن بزوغ فجر الاستقلال في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني من العام 1943، لم يكن وليد تقاطع ظروف إقليمية ودولية مؤاتية فحسب، بل هو في جوهره ثمرة نضال اللبنانيين في وجه الاحتلالات والوصايات الأجنبية، وفعل إيمانهم الراسخ بهذا الوطن وسعيهم الدؤوب إلى تحقيق هوية وطنية جامعة، فريدة في نموذجها الثقافي والحضاري الرائد. كذلك فإن جيشكم الذي نشأ من رحم الاستقلال، أثبت على امتداد مسيرته ولا يزال، إنه جدير بالحفاظ على هذه الأمانة، فلم يبخل لحظة في بذل قوافل الشهداء والجرحى على مذبح الوطن، دفاعا عن وحدته وسيادته وسلامة أراضيه.
أيها العسكريون
إن التاريخ محطات، وبعض المحطات تاريخ بحد ذاتها، واليوم تسطرون بحبر الدم والتضحية صفحات مشرقة في تاريخ لبنان المعاصر. ففي زمن التحولات والصراعات الدولية الكبرى، تثابرون على جهوزيتكم عند الحدود الجنوبية، لإحباط مخططات العدو الإسرائيلي وتهديداته، ومحاولاته وضع اليد على جزء من أرضنا وثرواتنا النفطية. فاستمروا على ما دأبتم عليه، متسلحين بحقكم المقدس في الذود عن ترابكم وشعبكم، بالتنسيق والتعاون مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة إلى جانبكم تطبيقا للقرار 1701 ومندرجاته، ما يزيد من صمودكم وقدرتكم على مواجهة هذا العدو، وفضح خروقاته ونواياه العدوانية أمام العالم. وأعلم أنكم تواقون لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا واستكمال انتشاركم فيها كما في الجزء الشمالي من بلدة الغجر المحتلة.
أما الوجه الآخر لتضحياتكم فهو محاربة الإرهاب الذي طردتموه من أرضنا وأبعدتم خطره. واليوم تنتشرون على الحدود الشمالية والشرقية لتأمينها من تسلل أي مجموعات إرهابية وضبط عمليات التهريب والانتقال غير الشرعي.
اعلموا أن ما ننعم به من استقرار أمني في الداخل هو نتيجة عملكم الدؤوب والمتواصل في ملاحقة الخلايا الإرهابية وتفكيكها والعمليات الاستباقية ضدها. لا مكان للمخلين بالأمن ولا ملاذ لهم، والجيش عازم على مطاردتهم وحماية المواطنين من شرورهم ومن آفة المخدرات التي تهدد مجتمعنا.
أيها العسكريون
إن الحالة الضبابية التي تلف المنطقة بأسرها في ظلال تحولات كبرى مرتقبة، سيكون لها دون شك انعكاسات على بلدنا، فضلا عن الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان، ما يحتم عليكم البقاء في أعلى درجات اليقظة والاستعداد لمواجهة تحديات هذه المرحلة بمختلف أشكالها ووجوهها، لأنكم في ثباتكم على أداء مهماتكم بكفاءة وتفان والتزام، إنما تشكلون جسر عبور إلى مرحلة واعدة، تعود معها مؤسسات الدولة كافة إلى أداء دورها الطبيعي، وتنطلق من جديد ورشة النهوض بالوطن على جميع الصعد. كما تتوسط الأرزة علم البلاد، جيشكم يسكن قلب الوطن، لذا كونوا نبض الأمل في عروقه، أشداء في عزمكم وبطولاتكم، أقوياء بثقة شعبكم، أعزاء بإرث شهدائكم، فتثبتوا مرة أخرى، أنكم للوطن سياجه المتين، وللاستقلال حماته المخلصون.