خاص- موقع وزارة الإعلام – مديرية الدراسات والمنشورات .
في العام 2013 كشف الرئيس الصيني شي جين بينغ عن” مبادرة الحزام والطريق ” بهدف بناء طريق حرير عصري يربط الصين براً وبحراً بجنوب شرق أسيا ووسط أسيا والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا وتعهدت الصين بتخصيص 126 مليار دولار للخطة الطموحة.
التشاور ، التعاون ، التفاهم وغيرها من المصطلحات الوفيرة تختزنها هذه المبادرة . ويشخص الصينيون بعيون حاذقة من خلالها إلى إمكانية تأسيس تعاون وثيق مع مجمل الدول العربية بكل تناقضاتها السياسية ويبقى للبنان الدور الأبرز والأهم والصورة الأنقى في عيون المثقفين والأكاديميين الصينيين ، بوصفه بؤرة التمركز الحضاري للتلاقي بين الشرق والغرب ببعده الثقافي والاقتصادي – وأيضاً وأيضاً على الرغم من تناقضات هذا البلد الصغير المحمل بثقل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتعقيداتها –
- فما هي الكلمات المفتاحية لفهم عمق المبادرة الصينية تلك ؟
- وأي أثر إيجابي قد تقدمه في المستقبل لكل الأطراف المتناحرة في المنطقة ؟
- ما معنى الدولة الكبيرة والمعادلة الصفرية ؟
- وأي دور اقتصادي أو ثقافي يترصده العقل الصيني للبنان في هذه المبادرة ؟
للإجابة عن كل هذه التساؤلات التقينا الدكتورة هوانغ هوي ،من جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية في بكين ، على هامش الدورة التدريبية للمسؤولين الإعلاميين اللبنانيين للعام 2018 في الصين برعاية وزارة التجارة الصينية .
تركز د. هوانغ هوي على “المنفعة المشتركة والمتبادلة بين كل الأطراف لنبذ العقليات القديمة في أسلوب التعامل الدبلوماسي “، وتنفي ما يسمى” بالمعادلة الصفرية “، فلا وجود لمفردة الغالب والمغلوب في القاموس الصيني ، بل هناك ما يسمى مراعاة مصالح الآخرين مع الإحتفاظ بمصلحة النفس أو التنمية الذاتية والمشتركة . ورأت أن “الدولة الكبيرة تعني أن المسؤولية الملقاة على عاتقها لإقامة السلام هي مسؤولية كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي” ونفت مبدأ الإحتكار للشؤون الإقليمية والدولية، بهذه الكلمات السلسة عرَفت د. هوانغ هوي،السياسة الصينية في الإنفتاح على الجميع، فهي برأيها سياسة تهدف لمصلحة الجميع وليس لمصلحة المجتمع الصيني فقط، بل تشمل المجتمع العربي والإقليمي والعالمي، وعليه فإن معادلة “الدولة الكبيرة ” تساوي مسؤولية أكبر وتعمل على إلغاء القول السائد أن سياسة القوي تهضم قوة الضعيف، بل تهدف إلى عكس ذلك وفق المبادرة الصينية وهي أن على القوي أن يتحمل مسؤوليته باستنهاض الضعيف .
- العالم بأسره يعاني من الإحتلال الإقتصادي الرأسمالي .
ترى د. هوانغ هوي أن للمبادرة خلفيات داخلية تتمثل بقدرة الصين التكنولوجية والإنتاجية المتقدمة نسبياً على حد قولها،لا سيما بعد مسيرة أربعين عاماً من سياسة الإصلاح والانفتاح التي اتبعتها الحكومة الصينية والتي نجحت بها كما تقول،من أجل بناء وتفعيل منشآت البنية التحتية والصناعية وقطاع المعلوماتية وغيرها من الأمور التي تساهم في نهضة الصين على درب الحرير فضلاً عن إيمان دولة الصين بضرورة إصلاح نمط التنمية المستدامة بدوافع تنموية جديدة خالية من الضغوط والمغريات المالية . كما ترغب الصين، بتحقيق أهداف هذه التنمية في الداخل الصيني وفي مجمل الدول العربية نظرا ً لما تشكله هذه الدول من سوق مهم وحافز اقتصادي وثقافي مساعد للخطة التنموية، بدأت الصين على حد قول د.هوانغ هوي بتنفيذ بعض هذه الخطط التنموية في الجزائر ومصر على سبيل المثال .
لا تقتصر المبادرة على الدوافع الداخلية فقط بل تتعدى ذلك إلى ضرورة مواجهة النموذج الغربي المفروض بقوة أو بإغراءات مادية على دول كثيرة في العالم منها الدول العربية ، وتضيف د. هوي أن مقولة نهاية التاريخ (في إشارة إلى أطروحة فرنسيس فوكوياما” نهاية التاريخ “القائمة على الديقراطية الليبرالية كصيغة نهائية للحكومة البشرية) قد أدت هذه المقولة برأي هوي إلى نشوء أزمات اقتصادية وسياسية جمة في المعسكر الغربية، وشكلت بالتالي الدافع الحقيقي لضرورة إطلاق مبادرة الحزام والطريق هذه، لاسيما أن الأصوات قد بدأت تتعالى في العالم الثالث وفي داخل المجتمعات الغربية أيضاً من أجل مساءلة العولمة الرأسمالية عن تلك العواقب السلبية التي خلفتها بدءاً من تهميش العالم الثالث مروراً باقتران المعونات الغربية الصادرة عن البنك الدولي بشروط سياسية قاسية لا تراعي خصوصية النظم السياسية والمكونات الثقافية والاجتماعية لكافة الدول الأمر الذي أدى إلى زيادة الفقر والتخلف نتيجةهذه السياسة العرجاء.
وأكدت أن مبادرة الحزام والطريق قد أتت لتصحح ما شوهته الرأسمالية الغربية على الصعيد السياسي أما من الجهة الإقتصادية، فالمشكلة أكبر بكثير بحسب د. هوي إذ العالم بأسره يعاني من الإحتلال الإقتصادي على حد تعبيرها، ويفتقر فيه الإقتصاد الغربي إلى النضج والحيوية في معالجة الأمور.
- تقدمون المبادرة بوصفها الحل البديل فما هي مضامينها وما هي الحلول التي تقدمها ؟
لا هي ليست حلاً بديلاً ، وهي تختلف عن مشروع مارشال ومشروع (tpp) والقوس الأسيوي للحرية والإزدهار التي طرحتها اليابان كونها لا تستند إلى عقلية الغالب والمغلوب ولا تدعو إلى الثورة على النظام الحالي ، وغايتها الحقيقية إجراء إصلاحات على النظام الاقتصادي الدولي الحالي ، وهي بالتالي ،ليست حلبة صراع وسباق بين الصين وأميركا إنما ساحة واسعة لاستكشاف نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبرى وأهميتها المعنوية في هذا الإطار لا تقل عن أهميتها المادية .أما بالنسبة للمضمون ، تضيف د. هوي فهي متعددة المضامين والمحتويات أبرزها طريق حرير بري بحري يخترق قارات أسيا وأوروبا أفريقيا ويتركز من الصين إلى أوروبا عبر بحر البلطيق مروراً بأسيا الوسطى وروسيا ، وهناك خط يتركز من الصين إلى منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط . تحت إطار ما يسمى بالتناسق السياسي ،على حد قولها ،أي تعزيز التعاون بين الحكومات بهدف الوصول إلى تفاهمات مثمرة للتبادل السياسي وتعميق اندماج المصالح وتعزيز الثقة السياسية مما ينعكس ايجاباً على ترابط المنشآت الاقتصادية ، كإنشاء سكك حديد وتوفير رحلات جوية وبحرية في بيئة إقتصادية أمنة ، فضلاً عن تعزيز الضمانات المالية الغير مشروطة كإنشاء البنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية أو بنك التنمية للبلدان ، كل هذه الأمور تؤدي تلقائيا برأي د. هوانغ هوي إلى تفعيل الشأن الثقافي وتعزيز التبادلات الثقافية والأكاديمية وتمتين مفهوم التواصل بين الشعوب على قاعدة المنافع المشتركة والحفاظ على الخصوصية الثقافية لكل الأطراف .
- العلاقات مع الدول العربية وأبرز إشكاليات المبادرة .
طرحت د. هوانغ هوي عدة إشكالات تواجه مبادرة الحزام والطريق منها ضآلة نصيب التجارة الصينية العربية في مجمل التجارة الخارجية للجانبين ، عدم تنوع الصادرات من الدول العربية إلى الصين ، جودة المنتجات الصينية وكثرة قضايا الإغراق للمنتجات وصمود الحمائية التجارية ، فضلاً عن عدم الإستقرار في العالم العربي .
وعن خوفها من ضآلة نصيب التجارة الصينية في أي بلد عربي ، نفت وجود أي خوف صيني في هذا المجال ، بل أكدت أن لكل بلد عربي قوة كامنة لا بد من العمل على تفعيلها بالأطر السليمة ، ورأت أن لمبادرة الحزام والطريق آفاق مستقبلية مثمرة ، ستحدد مستقبل العلاقة الصينية العربية وفق استراتيجية1-2-3 ، إنتاج الطاقة ، تسهيل التجارة والتعاون المالي والتكنولوجية الحديثة ، لا سيما أن هناك وثيقة سياسية للصين تجاه الدول العربية ستكون بموجبها الدول العربية شريكاً أساسياً للصين في التجارة والاستثمارات . وأفردت د. هوانغ هوي أمثلة متعددة عن هذه الإستثمارات والإنجازات ، منها مثلاً مصنع السيارات الكهربائية في طنجة المغربية ، أو ما يعرف بمشروع ” طنجة تيك ” وهي مدينة صناعية تتولى إنجازها مجموعة ” هايتي ” الصينية وقد أعلن عنها في أذار من العام الحالي ، وعليه تصبح الشركة الصينية هذه ثالث صانع سيارات تستقر في البلد المغاربي بعد رينو وبيجو ،وتضيف هناك عمل جدي لإنشاء مصانع إنتاج قطارات عاملة بالكهرباء في كل من الجزائر والمغرب،حديقة صناعية لقناة السويس في مصر،استثمارات في قطاع الكهرباء والمواصلات في مجمل الدول العربية ، تسارع المفاوضات لمنطقة التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج، طاقة نووية متجددة، قمرفضائي اصطناعي مع السعودية والجزائر
إلى جانب تمويل البنوك الصينية لدفع عجلة تدويل عملة الرنمبي الصيني في الدول العربية وتشجيع التجارة الإلكترونية وبناء المدن الذكية ، فضلاً عن ازدهار قطاع السياحة بشكل لافت ، فتونس والمغرب مثلاً لا تحتاجان إلى تأشيرة دخول إلى الصين .
- العلاقات الصينية اللبنانية .
في الشأن الصيني اللبناني تتراوح مجالات التعاون برأي د.هوي بين ثلاثة محاور، علاقات سياسية وثيقة وتعاون في شؤون المنطقة من خلال حلحلة الخلافات ، ومساعدة اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم ، ورأت في هذا الإطار أن الوضع في سوريا غير قابل للاستمرار إذ لا يوجد رابح في الصراع الدائر،والشعب هو المتضرر الأول والأخير، والأولوية الملحة هي لتسوية القضية الساخنة وقف إطلاق النار ، وإقامة حوار سياسي، تزامناً مع سرعة إطلاق أعمال الإغاثة الإنسانية التي لا تحتمل أي تأجيل ، وأضافت د.هوانغ هوي أنه في هذا الجانب ستقدم الصين هذا العام إلى كل من سوريا ولبنان والأردن واليمن مساعدات إنسانية بقيمة 230 مليون يوان صيني كما تعهد بها الرئيس جي شين بينغ في كلمته التي ألقاها في العام 2016 .
شددت د. هوي على أهمية مساعدة اللاجئين السوريين كمدخل لحل إحدى الأزمات العالقة في لبنان واعتبرت أن التنمية هي الحل الأمثل والأفضل لحل كل الصراعات ، وعليه فالعين الصينية شاخصة ومحدقة ملياً كما يبدو على وفرة من مشاريع البنى التحتية في لبنان ، لا سيما أن لبنان يمثل فرصة ذهبية للاستثمار على حد قولها .
- ما هي أبرز المشاريع التي يحلم الصينيون باستثمارها في لبنان ؟
هي كثيرة تقول د. هوي ، مثلاً هندسة الطرق ، العمل على تصنيع قطارات سريعة للمناطق اللبنانية تربط الريف بالعاصمة بسرعة أكثر وكلفة أقل . إنشاء سكك حديد متطورة ، تحديث وبناء مطارات لبنانية ، بناء أحياء سكنية حديثة وفق هندسة مدنية متناغمة ، وللشركات الصينية تضيف د.هوي خبرة واسعة في هذا المجال . كما أنه في المقابل هناك رغبة لدينا بإمكانية زيادة التصدير من لبنان إلى الصين من خلال أبرز المواد اللبنانية المرغوبة ، كالذهب الصلب المسحوق مجموعة مولدات الكهرباء النحاس ، مدفوعات الكتب ، السكر وهي بمعظمها برأي د.هوي ، صناعات خفيفة بالنسبة للصين وتستحق الدراسة ، ولقبت د.هوي المصانع الصينية ، والشركات التجارية الصينية بالمصنع العالمي الطامح دائماً إلى تحديث الجودة . أما بالنسبة للبنانيين فهي تعتبر أن لديهم باع طويل وخبرة واسعة في التجارة العالمية ، ونحن الصينيون ، تضيف ، نسميهم ، ” التجار العالميون ” لا سيما أنهم قد أتقنوا فن التجارة العالمية من أصول فينيقية ، لذا ستكون بيننا وبينهم منفعة متبادلة في هذا الإطار ، وما يجري على التجارة والصناعة يصح جريانه على القطاع الزراعي والقطاع المصرفي والقطاع الثقافي بين الجانبين ، وتستند د.هوي على كلمة الرئيس الصيني في المنتدى الصيني العربي ، حين أكد دعمه للمنصة المالية التي تخدم الطاقات الإنتاجية وتوسع خدمة الحدائق الصناعية وتؤمن الصناديق السيادية العربية ، وتعمل على إنشاء رابطة بنوك صينية عربية ، لا سيما أن لبنان يمثل برأيها المركز المالي الأهم والمتطور في الشرق الأوسط ، خاصة أن للشبكة المصرفية اللبنانية إمتدادات مهمة الأمر الذي يعزز من إمكانية التبادلات المالية بين لبنان والصين في عملية تدويل الرنمبي.
- ماذا عن القطاع الزراعي اللبناني ؟
هو قطاع أيكولوجي تقول د.هوي والصناعات الغذائية الخضراء والمنتجات اللبنانية الأمنة ذات الجودة العالمية هي واحة للاستثمار الصيني ، لا سيما البطاطا البقاعية والتفاح الأحمر المشهور في لبنان . ودعت د.هوي إلى تعزيز أطر السياحة بين البلدين عبر إلغاء تأشيرة الدخول لتسهيل العملية السياحية أسوة بما هومعمول به بين الصين وبعض الدول العربية .
وعن الشأن الثقافي والأكاديمي ، قالت ، إن المساعدات المالية الصينية متوفرة وجاهزة لتطوير التعليم في لبنان فضلاً عن المنح الدراسية الحكومية التي تقدمها الصين للطلاب اللبنانيين سنوياً ، فنحن على أتم الإستعداد للانفتاح الشامل لإجراء تبادلات ثقافية وأكايمية وتنموية غير مشروطة وهو ما ينسجم ، تضيف ، مع ما طرحه الرئيس الصيني في أيار العام 2016 خلال زيارته للشرق الأوسط ، ودعاهم إلى التدارس الثقافي بين الحضارات المختلفة ، ومن أجل هذ تستقبل الصين سنويا وفوداً لبنانية في كل المجالات الصناعية والإعلامية والثقافية ليثمر التبادل الثقافي على وجهه الأتم بين البلدين .
تحقيق : زينب إسماعيل – بكين .
خاص – مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية – وزارة الإعلام .