من أكثر الامور التي تلفت النظر خلال زيارة الصين هي دقة التنظيم والترتيب والنظافة في الشوارع، كما البنية التحتيّة الضخمة التي تؤمّن النقل لاكثر من 1.4 مليار شخص في البلد الاكثر اكتظاظا في العالم. وهناك مثل صيني قديم يقول “إذا اردتَ ان تصبح ثرياً فإبدأ ببناء طريق اولاً”. والصين تعرف الكثير عن بناء الطرق والموانئ والجسور والمطارات ومحطات الطاقة وغيرها من ركائز البنية التحتيّة. وخلال العقود الثلاثة الماضية، عملت الصين على انشاء بنية تحتية ضخمة جدا من حيث العمق والقدرة التحويليّة. كما تعمل الصين على نقل خبراتها الى الدول الافريقية وغيرها من الدول المحيطة في النقل العام وبناء الجسور والقطارات وغيرها، وقد تحولت الى رقم صعب في هذا القطاع.
“شبكات النقل”
تجدر الاشارة الى ان كل ما وصلت اليه الصين احتاج الى ٤٠ سنة بعد مبادرة “الاصلاح والانفتاح”، وقد عملت السلطات وفق المقولة الصينية “لا تجادل بل إعمل”. حيث تتميّز بكّين ببنية تحتية كبيرة، اذ يمكن مشاهدة ٤ جسور فوق بعضهم البعض واكثر، وذلك لتنظيم السير وتخفيف الازدحام، لا سيما وان عدد سكانها المقيمين هو 12 مليون الا انه يدخل ويخرج منها يوميا ٢٤ مليون نسمة للعمل اي ضعف عدد الأشخاص المقيمين فيها، كما ان هناك قوانين صارمة للسير، ويمكن القول انها تشكل نموذجا يحتذى به في تنظيم النقل وشبكات الطرقات. كما ان ما يلفت هو شبه خلوّ بكين والمدن التي زرناها من ظاهرة التسوّل على الطرقات وبين السيارات.
“القطار السريع”
وبحسب مسؤول صيني فان نسبة ٦٥ بالمئة من القطارات السريعة في العالم موجودة في الصين، اضافة الى القطار السريع على ارتفاع ٤٠٠٠ متر وهو الاول في العالم في قمة التيبت حيث لا يستطيع الانسان التنفس بشكل طبيعي، لذلك فإن القطار مجهّز داخليا بالاوكسيجين للتنفس طبيعيًّا داخله، وتبلغ معدل سرعة القطار ما بين ٣٢٠ الى ٣٥٠ كلم في الساعة. ويؤمن الراحة لركابه، والتنقّل بين المدن البعيدة في الصين في وقت سريع واقل كلفة من الطائرات واكثر عمليّة منها.
“شبكات المترو”
شبكات “المترو” تحت الارض تتميّز بإمكانية الوصول لأيّ مكان تريده بأسعار زهيدة، وتحوي بكين على شكبة “مترو” ضخمة بأكثر من 14 خط يصل اطراف المدينة ببعضها، وتفتح المحطات أبوابها عند الخامسة صباحاً وحتى الحادية عشرة مساء. ويشهد “المترو ازدحامًا كبيرا في اوقات الذروة، ويشكل شريانا حيويا اساسيا للسكان في التنقل.
“سيارات الاجرة”
كما ان “سيارات الاجرة” منظمة بشكل دقيق من حيث الارقام والسائقين وفقا للشركة التابع لها، كما ان السيارات العموميّة مميزة بالوان خاصة. وقد حصلت حادثة اثناء زيارتي الصين، حيث نسي احد الزملاء هاتفه خلال التنقل في بكين في سيارة “التاكسي”، الا انه باقل من ١٢ ساعة كان الهاتف قد عاد بعد الاتصال بالشرطة والتواصل مع السائق المعروف اصلا بكامل تفاصيله، وهذا التنظيم الدقيق يخفف من معاناة السائقين واحتمال التعدّيات على مهنتهم ويضبط القطاع كما يوفّر الأمن للركاب.
“الدراجات الهوائية والترامواي”
تتميز الصين (بكين من المدن الأكثر تلوثا بالعالم) بممرّات للدراجات الهوائيّة والكهربائيّة، حيث تم تخصيص أماكن لها على جانبي الطريق، ويمكن استئجار الدراجات الهوائية عبر “code” يستعمل عبر منصة التواصل “wechat” ويتم تسديد البلغ المتوجّب من خلالها أيضًا، وعند الانتهاء يتم ركن الدراجة في اي مكان تصل اليه، وقد كان لافتا ان استعمالها لا يقتصر على فئة الشباب، بل ان الرجال والنساء بأعمار مختلفة وصولا الى الستين عاما.
بالاضافة الى القطارات السريعة والمترو وسيارات الاجرة والدراجات الهوائية العامة والدراجات الكهربائيّة، تخصّص الصين شبكة نقل عام فوق الارض عبر باصات و”ترامواي” يعمل على الكهرباء مع محطّات توقف ثابتة.
رغم الكثافة السكانية الضخمة في البلد الاكثر اكتظاظا في العالم، الا ان العمل بجدّ ومسؤولية مع بعض الثغرات طبعا اوصل الى آلية يُحتذى بها عالميا، ان كان على صعيد النقل العام والمشترك او عبر شبكة البنية التحتيّة. على امل ان تشكّل الصين نموذجا لنا في لبنان وان ننطلق للعمل بدل الجدل العقيم. لان البنية التحتية والنقل العام من اهم اسس النهضة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لأيّ بلد.
التقرير اعداد “ايمن شحادة”