بقلم: الاستاذ عبد الهادي محفوظ – رئيس المجلس الوطنس للإعلام
النظرية الفكرية للسيد الإمام موسى الصدر لا ترتبط بمكان محدد وبزمن معيَّن وإن كانت في جانب ما حاولت تركيز فكرة الدولة في لبنان ومعالجة الحرمان فيه وإنصاف الأطراف في البقاع وعكار وفي كافة المناطق التي كانت قبل ’’ولادة لبنان الكبير‘‘ خارج نظام المتصرفية. فبالنسبة له بقي ’’لبنان الفعلي‘‘ في حدود ’’نظام المتصرفية‘‘ مع إلحاق شكلي للأقضية الأربعة من دون الإستفادة من ’’مرجعية الدولة‘‘ كإطار جامع للبنانيين يوزع المنافع بعدالة بينهم وعلى مناطقهم. وكان سعي الامام الى تحقيق ما يرمي إليه أكثر من ممكن لولا مفاجأة الحرب اللبنانية التي خربت السلم الأهلي وعززت الإنقسامات الطوائفية. فقبل هذه الحرب كان السيد الإمام قد نجح في استقطاب جمهور واسع من المسلمين والمسيحيين على فكرة المواطنة وعلى ضرورات إصلاح النظام السياسي والخروج من معادلة السقوف المتعددة للطوائفية التي هي مصدر الخلل الفعلي. وكان الإمام حاسما بأنه لا يمكن إحداث إصلاح النظام السياسي عبر طائفة أو عبر ثنائية طوائفية وأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا بتكوين حاملة اجتماعية من كل المحرومين في الطوائف وعبر الدعوة إلى قيام دولة مدنية عادلة وقادرة تصل بين المركز والأطراف.
استشعر الإمام الصدر خطورة الحرب على مشروعه لبناء الدولة، فحاول جاهدا وقف الفتنة الأهلية. فاعترض على شعار ’’عزل الكتائب‘‘ الذي رأى فيه عزلا للمسيحيين كما اعتصم في مسجد الصفا للتحريض ضد الحرب. واعتبر أن مشروع ’’الحركة الوطنية‘‘ بتغيير النظام السياسي في ظل الفتنة الأهلية هو في غير مكانه.
واقع الأمر أن ’’البناء الفكري‘‘ في نظرية الإمام موسى الصدر يصلح كخريطة طريق لمعالجة الوضع اللبناني وأيضا ما انتهى إليه ’’الربيع العربي‘‘ من انقسامات وما أنتج من ’’فكر تكفيري‘‘.
ما هي مقومات وعناصر البناء الفكري عند الإمام موسى الصدر؟
فكرة الدولة الملجأ لكل المكونات على قاعدة المواطنة الواحدة.
العدالة الإجتماعية.
الوحدة الوطنية.
الحوار لمعالجة أي خلاف.
التناقض الأساسي في المنطقة هو مع اسرائيل ما يفترض أن تكون المقاومة خيار الأمة والديبلوماسية سلاحا مكملا لدى الأنظمة السياسية.
استبعاد سياسة التحدي في العلاقات بين المكونات والطوائف والقوى السياسية.
’’الدين في جوهره هو واحد غايته بناء الإنسان وإزالة الحواجز التي نصبتها عوالم مفتعلة يبرأ منها دين اللله الحق. والقاسم المشترك بين المسيحية والاسلام هوالإنسان الذي هو هدف الوجود والمحرك للتاريخ‘‘.
ابراز القيم المشتركة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية.
رفض فكرة الذمّية التي ترتب شروخا في المجتمعات العربية.
تعميم الحوار المسيحي–الإسلامي الذي أطلقه الإمام الصدر بالتعاون مع المطران غريغوار حداد والأب واكيم مبارك والدكتور صبحي الصالح والدكتور محمد مجذوب وآخرين في ’’الندوة اللبنانية‘‘ وإحياء ندوات مشابهة.
الوصول إلى تعريف واحد للإسلام يركز على الإنفتاح والتسامح والإعتراف بالآخر. وهنا ثمة دور رئيسي للأزهر والنجف وقم. خصوصا وأن التنظيمات المتطرفة التكفيرية تملك تفسيرات خاطئة لـ’’الحاكمية بالله‘‘ تبرر القتل وسياسات الإلغاء.
امتلاك رؤى ايجابية حول دور الشباب والمرأة في المشاركة واتخاذ القرار.
مواجهة البطالة.
الربط بين السياسات التعليمية وحاجات السوق باتجاه تعزيز الإعتماد على الذات.
الضغط لتسوية التأزم في العلاقات الايرانية – السعودية وفتح إمكانية الحوار بين طهران والرياض لأن الخلاف بين الطرفين يمعن في تمزيق المنطقة واستدراج التدخلات الأجنبية.
الاستفادة من دور المسيحيين المشرقيين كنافذة على الغرب الأوروبي والأميركي لتصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام والتي عممها صاموئيل هنتنغتون في كتابه صدام الحضارات أو في كتابه اللاحق حول تعريف الهوية الأميركية حيث يرى بأن ’’تعريف هذه الهوية يتم من خلال تحديد من هو العدو. ويستنتج بأن العدو هو الإسلام‘‘.
الإمام موسى الصدر هو أول من تكلم عن حوار الحضارات عندما استنتج بأن الصيغة اللبنانية تعني ’’التمسك بوحدة لبنان وانسجامه مع المنطقة وصيانة كونه أمانة للحضارة العالمية‘‘.
الاعلام في البناء الفكري للإمام موسى الصدر يرتبط بالوظيفة التي تعطى له فإما أن يكون بناءً أو هداما. وهو يرى بأن الإعلام له وظيفة تربوية وتثقيفية باتجاه تعميق الوحدة الوطنية والمواطنة. فالحرب على ما يقول ’’ليست فعل المدافع فقط بل هي أيضا حرب العقول والنفوس والألسن أيضا. فالألسنة والأقلام خاضت حربا تجاوزت في شراستها الأسلحة الفتاكة فاختلفت وشوّهت وحبّبت وكرّهت وضخّمت وصغّرت وحطّمت وتجاوزت حدود أفكار غوبلز‘‘.
أيا يكن الأمر كان الإمام الصدر في محاولات وقف الحرب في لبنان وتجنيبه له أن يكون مكانا لتداعيات الأوضاع الاقليمية فيه، كان يرى بأن الإنهيار اللبناني يستتبع انهيارات على المستوى العربي والإسلامي. ففي مقال له نُشر قبل تغييبه على صفحة الغلاف الأخير لـ’’النهار العربي والدولي‘‘ حذر المسؤولين في العالمين العربي والإسلامي بأن تفتيت لبنان هو المدخل لتفتيت كل دول المنطقة وصولا لباكستان وأفغانستان. ’’فلبنان الوطن الصغير يمكن أن يصبح مصدر الشر والأخطار وأن يقض المضاجع‘‘ حسب ما ذهب إليه الإمام المغيّب.