كتب الدكتور جاسم عجاقة في “الجمهورية”:
مع دخول لبنان مرحلة الإجراءات القانونية لتشريع زراعة الحشيشة في لبنان لأهداف طبّية، يُطرح سؤال جوهري عن مدى إستفادة لبنان من هذا التشريع إن على الصعيد الإنمائي أو على الصعيد الإقتصادي والمالي. فما هي الإستفادة الحقيقية للبنان وما هي الصعوبات التي ستواجه نجاح هذا المشروع؟
تُقدّر مساحة الأرض المزروعة حشيشة في البقاع بـ 3700 دونم أي ما يوازي 3.7 مليون متر مربّع، ويُنتج الدونم الواحد ما بين 60 إلى 80 كيلوغراما. وتمرّ عملية زراعة الحشيشة بعدّة مراحل هي: تأهيل الأرض، الزراعة، الحصد، التيبيس، المنخل، الطبخ، الطحن، والكبس. وينتج عن الطحن عدّة مشتقات هي زيت الحشيشة، الحشيشة التي يتمّ كبسها بهدف البيع بوحدات تُسمّى “هئّة” (أو كيلوغرام)، والقنبز (للأكل).
يقسّم محصول الحشيشة إلى ثلاثة أنواع: الباب الأول (أفضل نوعية)، الباب الثاني (نوعية وسط) والباب الثالث (أدّنى نوعية). وتُقدّر الكلفة الإجمالية لزراعة كيلو واحد من الحشيشة، بغض النظر عن نوعيتها، ما يوازي الـ 225 دولارا أميركيا ويباع الكيلو الواحد ما بين 400 دولار أميركي للباب الثالث إلى 800 دولار أميركي للباب الأولّ.
وبحساب بسيط، فإن المردود الوسطي لإنتاج الحشيشة حاليًا في البقاع (المناطق الأكثر زراعة هي القلم الغربي والقلم الشرقي) لا يتجاوز المئة مليون دولار أميركي نظرًا إلى عدّة عوامل منها الطابع السرّي لهذا النشاط المحظور حاليًا والذي يمنع تأهيل الأرض، مساحة الأرض التي تبقى محدودة ومخفية لتفادي الأجهزة الأمنية، سريّة عملية البيع وإتباع سياسة الأسعار المحروقة أحيانًا، صعوبة التصدير إلى الخارج حيث ترتفع الأسعار إلى حدود الـ 1000 إلى 2000 دولار أميركي للكيلوغرام الواحد…
مُحاكاة في المُستقبل
في العام 1981، بلغت مساحة الأرض المزروعة بالحشيشة في لبنان 30 ألف هكتار أي ما يوازي 300 ألف دونم (1% من مساحة البقاع). وبفرضية أن لبنان أعطى رخصا لزراعة 300 ألف دونم بدل الـ 3700 دونم حاليًا، فإن المردود في ظل نفس الشروط، سيتراوح ما بين 3 مليار دولار أميركي و13.8 مليار دولار أميركي.
وإذا ما فرضنا أن الضريبة على القيمة المُضافة على الحشيشة هي 20%، فإنها تؤمّن للدولة مدخولا ما بين 630 مليون دولار أميركي و2.76 مليار دولار أميركي بما يعني أن المبلغ المُتبقي هو بين 2.5 و11 مليار دولار أميركي! فماذا ستفعل الدولة بهذا المبلغ؟
مشاكل الأرقام الضخمة
تبقى الأرقام المطروحة أعلاه أرقاما آتية من محاكاة إحصائية، وبالتالي، فإن الحقيقة ستواجهها مشاكل عديدة نذكر منها:
أولًا – تبقى المساحة التي سيتمّ الترخيص لها لزراعة الحشيشة رهن الإتفاق بين الدولة اللبنانية من جهة والأمم المُتحدة ومنظّمة الفاو من جهة أخرى. وبالتالي، فإن هذه الأخيرة لن تسمح بزراعة هذا القدر من المساحة من دون التأكد من قدرة لبنان على ضبط عملية زراعة الحشيشة حتى التصدير. لذا من المتوقّع أن تكون المساحة أقلّ من ذلك بكثير (تقريبًا المساحة المزروعة حاليًا) على أن ترتفع تدريجيًا.
أضف إلى ذلك، إن تأمين الأسواق لهذه الزراعة سيكون مُشكلة أخرى من ناحية أن على الدولة التفاوض مع شركات الدواء العالمية لبيعها هذا الإنتاج. وهنا تظهر مُشكلة إهتمام شركات الدواء بالحشيشة اللبنانية التي تُعتبر الأفضل عالميًا من ناحية الإستهلاك ولكن ليس بالضرورة من ناحية صناعة الأدوية.
ثانيًا – إن الأرباح التي قد تطال المُزارع ستُشكّل حافزا للتهافت على الأرض في منطقة البقاع وحتى في كل مناطق لبنان مما سيرفع كثيرا من ثمن الأرض، وقد يكون سببًا في فقاعة عقارية تطال الأراضي الزراعية بالدرجة الأولى. كما أن المزارعين سيتخلّون عن الزراعات التقليدية لصالح زراعة الحشيشة وبالتالي، فإن إستيراد لبنان من الخارج للحبوب والخضار والفواكه سيزيد مما يضع أمن لبنان الغذائي في خطر.
ثالثا – تبقى مُشكلة تأمين الشركة التي سترخّص الزراعة موضوع جدل واسع حيث أن هناك طرحين: الأول خلق شركة على شكل شركة الريجي تابعة للدوّلة اللبنانية، أو تلزيم شركة خاصة لهذا العمل. وفي كلا الحالتين تُطرح العديد من الأسئلة حول عملهما خصوصًا في ظل تفشّي الفساد والكم الكبير من الأموال الذي قد يُستخدم لرشوة الموظّفين.
رابعًا – هناك موضوع أساسي سيطال عديد القوى الأمنية المولجة رقابة الإلتزام بزراعة الحشيشة لأهداف طبّية. هذا العديد الذي من المفروض أن يكون كبيرًا لتغطية المساحة المزروعة، سيكون مُكلفًا على الدوّلة كما أن أجور هؤلاء سيكون مُرتفعًا تفاديًا للرشوات.
خامسًا – كيف يُمكن للدولة ضمان عدم تهريب الحشيشة للإستهلاك في لبنان؟ هذا السؤال مُستوحى مما نشهده من زراعة التبغ حيث يعمد المزارعون إلى حفظ قسم من المحصول لإستخدامهم الخاص. وبالتالي، هناك خطرّ تفشي آفة تدخين الحشيشة خصوصًا بين الشباب.
سادسًا – من المعروف بحسب الدراسات أن البلدان الأكثر إنتاجًا للحشيشة تُعاني من مُشكلة حوادث السيارات. وبالتالي، فإن هذا الأمر يعني أن على القوى الأمنية البدء في تطبيق فحص للحشيشة على السائقين. فكيف لها أن تفعل ذلك وهي ليست قادرة على ضبط السرعة؟
سابعًا – إن زراعة الحشيشة ستدفع بالمزارعين إلى زيادة الطلب على اليد العاملة الأجنبية وخصوصًا السورية منها مما يعني أنه سيكون هناك صعوبة كبيرة لرحيل هذه اليد العاملة.
الإنماء هو المفتاح
إن جعل إقتصاد منطقة مثل منطقة البقاع يعتمد بشكل حصري على زراعة الحشيشة هو خطأ إستراتيجي سترتكبه الدولة اللبنانية. ومن المفروض على الدولة اللبنانية وضع خطة إنمائية تطال البقاع بالتوازي مع تشريع زراعة الحشيشة مما يعني أنه يتوجّب خلق مشاريع إنمائية تطال البنى التحتية، خلق مناطق صناعية، الإستثمار في الصناعات التحويلية، والقطاع الرقمي والأهمّ دعم القطاع التعليمي في هذه المناطق مع مراكز أبحاث مما يسمح بالإستفادة من عائدات زراعة الحشيشة في دعم الإنماء بدل أن يكون موزّعًا على عدد من التجار الذي سيحتكرون المداخيل مع قسم بسيط يوزّع على المزارعين.
إن عدم القيام بعملية إنمائية، سيُركّز الثروات في أشخاص وشركات محدودة وبالتالي ستكون الإستفادة محصورة فيهم ناهيك عن التداعيات الأمنية التي قد تخلق نتيجة شعور العديد من المواطنين بالظلم تجاه توزيع هذه الثروات.