صدر عن دار “فواصل” كتاب “الديمقراطية التعبيرية في المفهومين القومي والإسلامي” للكاتب الدكتور علي نعمة.
جاء هذا الكتاب ليجيب على الكثير من الاسئلة المختلفة، وفي وقت يتعرّض فيه الإنسان المعاصر لكثير من التطورات والتناقضات الفكرية السلبية التي تتجلى في شتى مظاهر حياته، في حين أصبحت التغيرات السريعة واقعة في سلب إنسانية هذا الإنسان، لا بل على إنهائه.!!
ولأن الإنسان في المجتمعات المعاصرة كذلك بات وحيداً فريداً لا يحيط به سوى أعداد من الكائنات الحية الجامدة، ومن جهة أخرى أرقام الموازنات والإنتاج.. ومن فوقه قوانين وأنظمة لا تدعه يتأمل لكي لا يعرف ما ينقصه، وإلى ماذا يحتاج وما هي القيمة الإنسانية التي يرتقي بها في حياته الاجتماعية دون أخية الإنسان الآخر؟!!!
ولأن السياسة شأن إنساني، بالرغم من أنها ابتعدت كثيراً عن إنسانية الإنسان وقدسيته وكرامته، وعن الأخلاق، حتى بات يعيش هذا الانسان في عالم مليء بالعنف والقمع وفي صراع دائم ومراتب متفاوته.. هناك القوي المتسلط، والمقهور الضعيف على صعيد الأفراد. أما المجتعات فتبيد بعضها بعضاً، والدول والحضارات في فراق وصدام. وكل ذلك نتيجة للفراق الذي حصل بين السياسة والأخلاق.!!
ولأن القرآن الكريم تطرق إلى الحياة السياسية كجزء من الحقيقة الاجتماعية وإلى سلوك الإنسان والتزاماته الأخلاقية بما فيها القيم والمضامين كالحرية والحوار والكرامة والرحمة وو، وتكليفه في إعمار الأرض، ومنها ما يؤسس لبناء فكر المجتمع الديمقراطي.
لأجل هذا ولكثير من الأسباب الأخرى جاء كتاب “الديمقراطية التعبيرية في المفهومين القومي والإسلامي” للكاتب د. علي نعمة، ليأخذ مصطلح الديمقراطية التعبيرية معنى خاصاً ويعيد تشكيل بنية الديمقراطية انطلاقاً من المجتمعات نفسها باتجاه الدولة والسلطة ونظامها الاجتماعي، استناداً إلى ماهية تكوين المجتمع ومرتكزاته الاسياسية العقائدية والسياسية والدينية الكامنة فيها بذور الديمقراطية.
أسهب الكاتب منطلقاً في الحديث عن نشوء المجتمعات السكانية وتكوّن المتحدات الاجتماعية المختلفة في أبعادها الجغرافية وتفاعلها مع بعضها البعض، وقام بتعريف سمات ونظام تشكيل السلطة في المتحد الاجتماعي الواحد.
ثم عدد أنواع الكيان السياسي وعلاقة مكوناته بالسلطة منها:
– دولة الامبراطورية أو دولة الأمم المتعددة والقوميات المختلفة.
– دولة أمة ذات قومية غير صافية.
– دولة أمة ذات قومية صافية.
– دولة أمة دينية.
ثم دخل إلى باب الديمقراطية وتعاريفها وصفاتها وغايتها ونشوئها وأسبابها وقيمها وشروط بنائها وتحققها وضوابط تطبيقها وممارستها ورقابة مسارها وضمانات استمرارها.
وتطرق الكاتب إلى أدوار الثقافات المختلفة الفاعلة في تأسيس بنيان الديمقراطية وتشييده وصقلها وضبط مساراتها، كدور الثقافة الحضارية والدينية والاجتماعية والتعليم والتربية ومؤسساتها في إنتاج الفكر الإنساني. ودور ثقافة الإعلام والفنون، ودور الممارسة الاجتماعية للديمقراطية، ثم دور الرقابة الضامنة ومرجعيتها.
ثم انطلق الكاتب بعد ذلك إلى تبيّن القيم والمضامين الانسانية في الاسلام كالحرية والحوار وكرامة الإنسان وماهية حمل أمانة الحياة الدنيا في الإسلام وأهلية أطراف العقد.
واختار من النصوص القرآنية البعض من هذه المنظومات الفكرية العبادية التي تحمل قيماً ومضامين تؤسس لبناء فكر المجتمع الديمقراطي واختار في البداية “باب الالوهية والتوحيد وأسماء الله الحسنى” .
كما وعالج الكتاب منظومة الحرية والرحمة والحوار والسلام، وأطلق على الجنة إسم “دار السلام” وانتقل من قراءة النص القرآني إلى منظومة العلم والمعرفة والحكمة في الإسلام والذي بيّن له أن العلم هو معرفة الحقيقة والاعتراف بها والتصديق بوجودها ومفاعيلها واتخاذ موقف بنّاء وتأسيساً على هذه المعرفة، وأن معرفة الحقيقة تحرّر النفس من داخلها وتضيء لها طريق الهداية واعتماد السلوك المؤدي الى المنفعة والخير العميم.
وبحث الكاتب أيضاً إشكالية العلاقات داخل السلطة الديمقراطية الحاكمة، وسلوك مراكز السلطة فيها وتنازعها ورجالاتها بين بعضهم البعض، وإشكاليات الصراع الفئوي في ظل الديمقراطية التعبيرية وتعريفها واختار نماذج منها فتناول الصراع الإثني العرقي أو القومي في ظل الديمقراطية العبيرية ورؤيته والتفاعل معه من خلال المفهومين القومي والإسلامي سلباً وإيجاباً.
إضافة إلى الكلام على الصراع الديني في الديمقراطية العبيرية وأهمية هذا الصراع وماهيته وخلفياته وأنواعه ومساراته داخل المجتمعات والدول.
كما وأسهب الكاتب في بحث منحى الاستبداد السياسي ومعالجته في مواجهة الديمقراطية التعبيرية وسلطانها ومؤسساتها وتعابيرها.
وفي الخلاصة تبيّن للكاتب أن الديمقراطية نظام سياسي اجتماعي، مثلها مثل باقي الانظمة السياسية، تدّعي سلطته كغيرها في باقي الأنظمة أنها تسعى لسدّ احتياجات غالبية سكان الدولة وخدمتهم، وأن أهمية النظام الديمقراطي تكمن في أنه يتيح مواكبة تغيّرات الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد بطريقة سلمية وعلمانية وعقلانية تجتنب الاختراب والعنف المؤديان إلى الخراب والدمار والتخلّف.
فالدول القائمة على الحوار الديمقراطي والحرية وإرادة الشعب تكون ميّالة على العلاقة السلمية مع جيرانها لا العلاقة الحربية. إلا أن الدول الاستبدادية أو الاصولية لا تعرف لغة الحوار وإنما لغة الضرب والقمع والهمجية.
لهذه القضايا والأولويات الملحة لتحقيق مجتمع الامة المنتج بكافة أفراده وطبقاته وشرائحه ومكوناته دون استثناء وربط هذه المجتمعات بالمثل العليا للحق والخير والجمال جاء كتاب الديمقراطية التعبيرية في المفهومين القومي والإسلامي.
شكراً للدكتور علي نعمة على هذا الكتاب القيّم والضروري قراءته في وقتنا الراهن.
سنا الحاج
رئيسة دائرة البحوث والدراسات في مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية