بعيداً عن الأضواء والضوضاء ومحاولات الاصطياد في مستنقع التجاذب السياسي والإعلامي الذي يُغرق البلاد والعباد في دوامة التشاؤم والإحباط، تسير عجلة مشاورات التأليف بخطوات ثابتة وواثقة نحو محطة التوافق الحكومي المنشود، سيّما وأنّ الرئيس المكلف سعد الحريري أكد أن جولة المشاورات الأخيرة أعادت فتح الخطوط المُغلقة في اتجاهاتٍ عدة، ونجحت في توسيع نطاق التهدئة السياسية والإعلامية «التي نراهن على ترجمتها في عملية تأليف الحكومة». وقال الحريري في دردشة مع جريدة «المستقبل»، عشية سفره إلى مدريد؛ إن «أجواء الارتياح والتفاؤل تغلب على أجواء التشاؤم التي سادت قبل أيام، وأنا مطمئن ومتأكد من حتمية الوصول إلى صيغة تلقى تجاوب القوى الرئيسية، التي نتطلع لأن تتشكل منها الحكومة».
ورداً على سؤال عمّا يتردد في بعض وسائل الإعلام عن تباين بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قال الرئيس الحريري: «إن علاقتي مع فخامة الرئيس لا تخضع للتشكيك والتأويل، وهي أقوى من أن تهزّها مقالات وتحليلات وتمنيات، لأنها ترتكز إلى ثوابت متينة تتقدم فيها مصلحة البلاد على المصالح الحزبية والخاصة». وأضاف: «هذا خيار توافقنا عليه ولا رجوع عنه. وإذا كان هناك من يراهن على تخريب العلاقة بيني وبين الرئيس ميشال عون، فهو واهم ولا يُدرك أن المصلحة الوطنية في قاموسنا المشترك تتقدم على كل شيء».
وتابع الرئيس الحريري قائلاً: «البعض يتلاعب على موضوع الصلاحيات، من باب المزايدة تارةً على رئيس الجمهورية وتارةً أخرى على الرئيس المكلف. والدستور في النهاية واضح وضوح الشمس وهو الحد الفاصل في مقاربة أمور الصلاحيات. وفخامة الرئيس هو المؤتمن على حماية الدستور وهو الذي أقسم على الدستور، والثقة المتبادلة بيننا تعلو فوق كل المزايدات».
وعن لقائه الأخير مع الوزير جبران باسيل، قال الرئيس الحريري: «اللقاء جيد كالعادة، والاتصال مع الوزير باسيل لن يتوقف عند حدود هذا اللقاء. قنوات الحوار والتشاور مفتوحة يومياً مع “التيار الوطني الحر”، وهذا هو الأمر الطبيعي، لأن من واجباتي كرئيس مكلّف أن أتواصل مع الجميع ومع القوى الرئيسة في المجلس النيابي تحديداً. و”التيار الوطني الحر” جزء أساسي من كتلة وازنة لا مجال للتشكيك في العلاقة والتواصل معها».
وفي سياق متقاطع، جاء ما نقله أمس زوار قصر بعبدا عن رئيس الجمهورية لجهة تأكيده بذل كل ما باستطاعته لمساعدة الرئيس المكلّف في مهمته، نافياً ما تردد عن أنه حدد «مهلة زمنية» لتشكيل الحكومة أو أن يكون في وارد «سحب التكليف» إذا تأخر التشكيل، وأكد عون وفق ما أوردت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» نقلاً عن زواره أنه «يدرك أنّ الدستور أعطى لرئيس الحكومة مسؤولية تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، وبالتالي هو حريص على احترام الدستور والتزام نصوصه».
واستطراداً شدد عون على أنّ «ما يُقال عن سحب التكليف تارةً أو الطلب من الرئيس المكلف التنحي طوراً لا أساس له من الصحة، فالنواب هم من سموا الرئيس الحريري وهم من أعطوه هذا التكليف من خلال الاستشارات النيابية المُلزمة»، وسط تأكيد رئيس الجمهورية في المقابل أنه «مع الإسراع في تشكيل الحكومة نظراً للتحديات التي تواجه لبنان وأنّ الأولوية لديه تبقى لإنجاز التشكيل ضمن مهلة معقولة وفق القواعد الدستورية المعتمدة».