خاص – موقع وزارة الإعلام – مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية .
تشكل ظاهرة الفقر هاجساً لمختلف المجتمعات ، وبدرجات متفاوتة تتشعب وتتسع بفعل تعدد العوامل والمتغيرات التي بدورها تتأثر بتفاعل العوامل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية في المجتمع .
والفقر بحسب تعريف مقاصد وأهداف التنمية المستدامة هو أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل والموارد التي تضمن رزقاً مستداماً للأفراد ، بل تشمل مظاهره الجوع وسوء التغذية وضآلة إمكانية الحصول على التعليم وغيره من الخدمات الأساسية .
وما بين الجوع والفقر رابط أساسي يهدد بنية المجتمعات البشرية الأمر الذي دفع بالأجندة 2030 لوضع رؤية رصينة للقضاء على الفقر وتوفير الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة لينعم العالم بالرفاه الاجتماعي بحلول 2030 .
- هل يعاني لبنان من ظاهرة الفقر فعلاً ؟
- وهل ثمة مقاربة ومعالجة اقتصادية فاعلة أم لا ؟
ترى الخبيرة في الشؤون التنموية “زينة عبلا” ، أن الفقر مرتبط بالجوع وسوء التغذية في البلدان الأكثر فقراً ، أما في لبنان فثمة رابط حقيقي ما بين الفقر والنمو الإقتصادي الذي يمثل الإشكالية الأساسية في أسلوب المقاربة ، ذلك أن نوعية النمو الاقتصادي في لبنان لا يزال قاصراً عن أداء دوره الفعال في معالجة قضايا التنمية وهو غير مرتبط أصلاً بالموضوعات التنموية والاجتماعية .ففي العام 2010 شكل النمو الاقتصادي واحد بالمئة أو اثنين بالمئة ،ومابين 2008 و2010 شهد النمو الاقتصادي ارتفاعاً ليلامس ال8 بالمئة ، ومع ذلك لم يؤدي إلى تحسن في الوضع الاجتماعي ،حيث نسب الفقر لاتزال كما هي ، فرص العمل قليلة ، وإنتاجية الفرد شهدت انخفاضاً مما يعني أن النمو لم يعط نتائج واضحة وإيجابية على مستوى الفرد ، بل انحصرت فعاليته عند فئة معينة وقليلة . واقتصار الإقتصاد اللبناني على قطاعات محدودة يقلص من وجود ما يسمى بالاقتصاد التشاركي الأمر الذي يعني أن مردود القطاعات على المجتمع قليل جداً ومساهمتها في توسيع الاقتصاد يبقى محدوداً فضلاً أن الخدمات ليست ذات قيمة مضافة ولا تساهم في تطوير الإقتصاد بالمعنى الصحيح .
- هل ثمة دراسات وإحصاءات علمية لميزانية الأسرة في لبنان ؟
اعتبرت زينة عبلا أن أحدث الإحصائيات والدراسات الوطنية لميزانية الأسرة في لبنان ، هي تلك الدراسة التي أجرتها إدارة الإحصاء المركزي بمساعدة تقنية من البنك الدولي ما بين العامي 2011و 2012 ، وقد بلغ معدل استهلاك الفرد في لبنان خلال 2011 و2012 بحسب الدراسة حوالي 7788 ليرة لبنانية وتشير البيانات إلى أن 27 بالمئة من السكان مابين 2011و2012 كانوا في عداد الفقراء ما يعني أن حوالي مليون شخص لديهم مستوى استهلاك أدنى من خط الفقر السنوي الذي تم تحديده بمعدل 4729 ألف ليرة لبنانية للفرد الواحد في السنة .
إذن حدد البنك الدولي نسبة الفقر في لبنان ب27 بالمئة ، تقول عبلا ، وتضيف ، بعد الأزمة السورية تم تقدير حوالي 200 ألف لبناني باتوا ينحدرون إلى تحت خط الفقر وهو الذي رفع النسبة من 27 بالمئة إلى 30 بالمئة وهي النسبة ذاتها التي كانت ما بين العامي 2004 و 2005 .
- على ماذا يدل ذلك ؟
واضح أن الموضوع لم يعالج بشكل جدي نظراً لعدم إيلائه الأولوية المطلوبة في السياسات الإقتصادية الموضوعة ،إذ لا تزال القضايا الاجتماعية ثانوية، بدل أن تكون عنصراً أساسياً في منظومة النمو الإقتصادي .
- مشاريع صغيرة لا تلبي الاحتياجات .
وعن بعض المشاريع التي تقوم بها بعض الوزارات المعنية ، لفتت زينة عبلا إلى برنامج استهداف الأسر الفقيرة الذي أطلقته وزارة الشؤون الاجتماعية في العام 2014 بالتعاون مع البنك الدولي والذي استهدف 43 ألف عائلة في لبنان ، لكنه محدود الفعالية تقول عبلا ، لأنه يقتصر على تقديم بعض الخدمات ، يغطي فروقات الجهات المانحة لتغطية صحية كاملة ، يقدم رسم تسجيل لطلاب المرحلة الثانوي في المدارس الرسمية ، وأضيف إليه بطاقات غذائية بعد ظهور الأزمة السورية ، لذا فهو يقع في خانة التقديمات الإجتماعية وليس معالجة الفقر برأي عبلا، ذلك أن وضع العائلة الفقيرة لم يتغير من الفقر إلى ماهو أفضل منه كما تنص عليه الأجندة ، بل يتم تلطيف أزمة الفقر وينتقل معها الفقر من جيل إلى جيل .وفي السياق نفسه تضيف ، إن وزارة الشؤون الاجتماعية قد أطلقت في العام 2011 رؤية تنموية تتضمن الحماية الاجتماعية ومحاربة الفقر من الجذور إلا أنه لم يطبق منها شيء باستثناء البرنامج المذكور سلفاً ، وتشير أيضاً إلى أنه قد تم في العام 2007 وبعد مؤتمر باريس العمل على ربط السياسات الاجتماعية والاقتصادية الأمر الذي يبشر بجدية المعالجة إلا أن المشروع قد أدلف في الدرج من جديد ، من جهة أخرى تنفي زينة عبلا وجود دراسات تقيمية حتى للمشاريع الصغيرة الخاصة بالتقديمات الاجتماعية وتشير إلى وجود 200 مركز خدمات إجتماعية تابعة لوزارة الشؤون في المناطق باستطاعتها إعداد خطط محلية إذا توافرت الإمكانيات المالية والكوادر البشرية .
- هل تساهم السياسات الزراعية في معالجة الفقر ؟
القطاع الزراعي متدهور تقول زينة ، وهناك نسبة كبيرة من اللبنانيين قد نزحوا من الريف إلى المدينة ، الأمر الذي خلق نوعين من أشكال الفقر في لبنان ، فقر في الأرياف وفقر في المدن ، أضف إلى ذلك أن ميزانية وزارة الزراعة تشكل واحد بالمئة من نسبة ميزانية الدولة ، وعدم وجود استثمار في الأبحاث الخاصة بالقطاع الزراعي، صحيح أننا نشهد ازدياداً في إنتاجية الزراعة إلا أن نسبتها من نسبة الإقتصاد الإجمالي تبقى منخفضة .
- ما هو الحل ؟
إذا تمت تنمية القطاع الزراعي تنمية ذاتية بحيث يستطيع معها تأمين حاجيات لبنان ويكفيه من الإستيراد ، يحمي بذلك المواد الغذائية من تقلبات الأسعار العالمية .إلا أن تهميش هذا القطاع هو مؤشر إلى أننا نفتقد لمفهوم الأمن الغذائي في لبنان .
- ضعف القطاع الزراعي .
يحتاج لبنان لتطوير القطاع الزراعي كي يستفيد من الموارد المتوفرة لكن الزراعة ليست الحل السحري تقول زينة عبلا ، ونسبة القطاع الزراعي من الناتج المحلي هي بمقدار النصف مما كانت عليه نسبته من الناتج قبل الحرب وله قدرة على استيعاب بعض الوظائف إلا أنه يفتقد للحماية الإجتماعية ، فضلاً أن استثمار الأراضي الزراعية لا تزال تقليدية ،
وضعت وزارة الزراعة خطة ما بين 2015 و2019 مع أهداف متقدمة وبدأ تطبيقها من خلال مشاريع صغيرة بسبب عدم وجود تمويل للخطة برمتها ، وهذه المعالجة المنقوصة لا تولد تنمية ولا تقارب قضايا التنمية بل هي تعالج جزءاً صغيراً جداً من عدة مشاريع متفرقة .
- تأثيرات الأزمة السورية .
تفصل زينة عبلا بين مصطلح الأزمة السورية والنزوح السوري وتقول إن الأزمة السورية قد أثرت سلباً على لبنان من حيث إقفال المعابر،زيادة أكلاف الشحن ، زيادة المخاطر على القطاعات الصناعية ، واختيار طرق ومعابر أقل خطراً،انخفاض نسبة السياحة وزيادة مخاطر الإستثمار، هذه كلها تسمى مفاعيل الأزمة السورية ، أما النزوح السوري فله مفاعيل سلبية وإيجابية في آن ،
تنافس في القطاعات على العمالة غير الكفوءة وازدياد السكان في لبنان هي من العوامل السلبية أما الإيجابيات فتتمثل بتدفق الأموال إلى البلد لا سيما من الجهات المانحة ، والإستهلاك للنازحين السوريين المشكلة تكمن أن نتائج الإيجابيات لا تغطي النتائج السلبية ويمكن القول أن أزمة النزوح والأزمة السورية قد أظهرت بوضوح نقاط ضعف الإقتصادي اللبناني وأبرزت هشاشته .وأشارت عبلا إلى الاستخدام السياسي لمسألة النزوح السوري كل بحسب توجهاته السياسية ،
واعتبرت أن النظام السياسي يستخدم الإقتصاد كي يعود إلى السلطة وأحياناً يستغل الإقتصاد ليستفيد أكثر أما موضوع التنمية فهو خارج هذا الإطار والنظام السياسي اللبناني عاجز عن دعم الموضوعات التنموية ،
مشيرة إلى أن الأجندة 2030 هي فرصة لبلد مثل لبنان وتعطينا المسار الصحيح للعمل لذا لا بد من توافر الإرادة السياسية لوضع خطط سنوية إقتصادية واجتماعية ذات رؤية للمدى البعيد لخمس سنوات أو عشر سنوات ، تيمناً ببعض الدول العربية التي تهتم وتضع خطط تنموية .وختمت بالقول إن لبنان من البلدان التي تفتقد للخطط التنموية وهوأحوج ما يكون لوجود وزارة تخطيط أو هيئة تخطيط مهمتها مراقبة ومتابعة القضايا التنموية كلها .
وزارة الإعلام – مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية بالتعاون مع مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت .
إعداد : زينب إسماعيل .