نشرت صحيفة الاخبار اليوم مقابلة أجرتها مع وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، تقول : أكد الوزير جبران باسيل أن التيار الوطني الحر لم يقرر بعد وجهة تصويت نوابه في انتخابات رئاسة المجلس النيابي وانه سيقرر ذلك في اجتماع تكتله النيابي غداً، مضيفاً أن أخلاقيات التيار لا تسمح له بالتصرف في هذه الجلسة كما تصرّف البعض في جلسة انتخاب الرئيس عون. وفيما اعتبر ان مطلب مداورة الوزارات ليس «نص الدنيا»، شدّد باسيل على أن «لا خدوش» في العلاقة مع حزب الله في الملفات الكبرى، وأن «الحزب يجب ان يتمثل في الحكومة الجديدة، ولا نقاش في ذلك». وشكّك في حجم التكتل النيابي الجديد للقوات اللبنانية، لافتاً إلى أن تمثيل القوات في الحكومة الحالية أكبر من حجمها التمثيلي. وفي ما يأتي نص الحوار.
هل تتوقعون تأخيراً في تشكيل الحكومة بعد العقوبات الاميركية والسعودية الاخيرة ضد حزب الله؟
منذ انتخابات رئاسة الجمهورية، قبل سنة ونصف سنة، نجحنا في تحويل كل استحقاقاتنا المحلية الى صناعة وطنية، بما فيها تشكيل الحكومة وإقرار قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات. وهذا مسار مستمر لأن فيه مصلحة للبلد، ولأن كل الأطراف تجد فيه مصلحة لها. بالمنطق، نحن قادرون على التفاهم على كل هذه الأمور بأنفسنا، وقد نجحنا في تفكيك وحلحلة عقد كثيرة تتعلق بأوضاعنا الداخلية وعزلها عن الأبعاد الخارجية رغم ارتباط لبنان بمئة ملف اقليمي ودولي.
ولكن من الواضح ان هناك دفعاً سعودياً لاعادة إحياء الاصطفافات السياسية السابقة، وفرض شروط مسبقة على التشكيلة الحكومية؟
حتى لو كانت لدى احد ما في الخارج رغبة في التأثير في هذا المسار الداخلي فلن تكون لديه القدرة على ذلك. لنكن واضحين: ربط الاجراءات الأخيرة ضد حزب الله بمنعه من دخول الحكومة او للتأثير على تشكيل الحكومة أمر غير واقعي. لا مصلحة للبلد في ذلك. من المؤكد أن حزب الله يجب ان يتمثل في الحكومة الجديدة، ولا نقاش في ذلك.
خروج أميركا من الاتفاق النووي يحيي حلم المراهنين على تغير المعادلة الداخلية وهذا رهان على وهم
ألا تشبه الأجواء الحالية تلك التي أحاطت بأزمة احتجاز الرئيس الحريري في 4 تشرين الثاني الماضي؟
منذ عام 2005، كل فترة يراود الحلم نفسه الاشخاص انفسهم. حلم تغيير المعادلة الخارجية بما ينعكس على الداخل اللبناني. تارة يتمثل هذا الحلم بالرهان على اسقاط النظام في سوريا، وتارة أخرى على حرب اسرائيلية ضد لبنان وسوريا وايران، وتارة ثالثة بالرهان على إسقاط الاتفاق النووي الايراني. اليوم، مع قرار الولايات المتحدة الخروج من هذا الاتفاق، يعود هذا الحلم ليراود البعض في لبنان والمنطقة. ونحن نعتقد بأنهم يراهنون على وهم، ولا يمكن استثماره داخلياً.
العلاقة مع برّي
بعد الانتخابات النيابية بدا وكأن هناك انفراجاً في العلاقة مع الرئيس نبيه بري. وهو زار بعبدا وأعلن تأييده لأن تعود تسمية نائب رئيس مجلس النواب الى تكتلكم. هل ستصوّتون له في جلسة انتخاب رئيس المجلس؟
جوهر كل معركتنا الميثاقية هو أن الأقوياء هم من يجب أن يتمثّلوا، وخضنا معركة الرئاسة بعنوان الرئيس القوي. لذلك، التسليم بقوة تمثيل الرئيس بري والتصويت له أمر طبيعي وينسجم مع قناعاتنا. لكن، للأسف، هو لم تكن هذه قناعته. ولأننا نروّج لمبدأ المعاملة بالمثل، طُرحت هذه الاشكالية والتساؤلات حول الاتجاه الذي سنسلكه في التصويت في انتخاب رئيس مجلس النواب. هذا من جهتنا. الرئيس بري، من جهته، من الطبيعي ونحن على ابواب هذا الاستحقاق ان يبادر الى فتح صفحة جديدة، وقد بادر الى ذلك بالفعل وهذا أمر ايجابي. نحن نريد أن تكون علاقتنا جيدة مع الجميع، ونريد للبلد أن يمشي وللعهد أن ينجح وللحكومة أن تتألّف. وأنا قلت قبل الانتخابات النيابية بأن أي عاقل لا يفتش عن مشكل مع الرئيس بري، ولكن بالطبع على ألا يكون ذلك على حساب البلد. إذا كانت هناك فرصة لأن تكون العلاقة طبيعية فهذا أمر نحن معه.
إذا كان قد فتح صفحة جديدة فمبدأ المعاملة بالمثل يعني أن يأتي ردكم ايجابياً؟
الأمر موضع درس وسنأخذ القرار في شأنه في اجتماع التكتل الثلاثاء (غداً). ولكن، في كل الاحوال، أريد هنا أن أؤكد ان اخلاقياتنا وسلوكياتنا لا تسمح بأن نتصرف في جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب كما تم التصرف مع العماد ميشال عون في انتخابات الرئاسة. هذا أمر غير وارد أبداً. وننبه الى أن هناك ربما من يريد ان يعمّق المشكلة في الجلسة عبر كتابة تعابير أو أوصاف معيّنة في أوراق الاقتراع. ونحن، مسبقاً، نتبرّأ من أي فعل كهذا وندينه.
هل انتم مصرّون على المداورة في ما يتعلق بالوزارات؟
الحديث في تشكيل الحكومة سيبدأ بعد جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي. نحن لا نعتبر موضوع المداورة «نص الدنيا». لكن هذا لا يمنع أن تكون لدى أي طرف أفكار مبدئية. هذه فكرة بدأها الرئيس بري عندما كنت وزيراً للطاقة. نحن، في التيار الوطني الحرّ، هناك حقائب محرّمة علينا منذ عام 2008 كالداخلية والمال. لماذا حصر الحقائب بطوائف معينة؟ سبق أن تولى المير مجيد ارسلان وزارة الدفاع وكمال جنبلاط وزارة الداخلية ولم تنقص «شقفة» من الطوائف الأربع الرئيسية. كلنا في البلد نشكو من الطائفية، والمداورة في الوزارات والادارات قد تكون تمهيداً للخروج من هذا الواقع. أنا أقبل أن يسمي المسلمون وزراء مسيحيين وأن يسمي المسيحيون وزراء مسلمين. أضف الى ذلك أن هناك طوائف «ممسوحة» لم توزّر في تاريخها كالعلويين والسريان. هؤلاء من الطوائف المكوّنة، وفي الحكومة المقبلة سنطالب بوزير للطائفة العلوية ووزير للطائفة السريانية.
هل تمهّد بذلك لتسمية حليفكم الجديد طلال أرسلان وزيراً للدفاع؟
لِمَ لا؟ لا شيء يمنع.
هل ستلجأون الى فصل النيابة عن الوزارة؟
هذا الموضوع لا يزال قيد المناقشة. نؤيد أن يكون ذلك قانوناً ملزماً للجميع. وبما أنه ليس قانوناً فالخيار يعود إلى كل فريق ليفعل ما يناسبه.
أي خدوش يجري الحديث عنها لا تتعلّق بما نحن متفاهمون عليه في ما يخص الوضع الخارجي، وهذا الأهم. أما في الموضوع الداخلي فلسنا وحزب الله نسخة طبق الأصل. أي خدوش نصلحها بجهد مشترك يفيد البلد. قبل الانتخابات التقيت السيد حسن نصرالله واتفقنا على ما سمّاه مكافحة الفساد وسمّيناه مقاومة الفساد. واللبنانيون اليوم موعودون بأن يروا هذا الأمر جزءاً من تفاهمنا المستمر منذ عام 2006.
في حركة الاقالات التي أقدم عليها الرئيس سعد الحريري خسرت شريكك في تيار المستقبل نادر الحريري.
ليس لديّ شركاء. علاقتي بنادر سياسية بحتة، وهو كان مكلّفاً بالعلاقة معنا من قبل الرئيس الحريري. بالنسبة الينا، هذا لا يغيّر شيئا في العلاقة بيننا وبين تيار المستقبل. أما في ما يتعلق بنادر كشخص، فأعتبر أن هناك خسارة سياسية كبيرة أن لا يكون في هذا الموقع لأنه يمتلك قدرة سياسية كبيرة على ترجمة الافكار إلى واقع وممارسة.
لكن إبعاده على ما يبدو أتى بطلب سعودي عقاباً على امور عدة من بينها العلاقة مع التيار والتسوية الرئاسية. ألن يؤثر ذلك على توجّهات الرئيس الحريري؟
هذه سياسة تتعلق بالرئيس الحريري وهو من يتكلم عنها. يمكنه أن لا يجري تغييرات داخلية ويغيّر سياسته أو يجري تغييرات ويبقي على سياسته نفسها. في العلاقة، لا مؤشرات لدينا الى أي تغيير، وإن كنا نعرف جيداً أن المطلوب منه داخلياً، من اطراف عدة، بأن لا تكون هذه العلاقة جيدة، بل وأن تتدهور، وهناك من يشتغلون على هذا الأمر ويضعونه على شاكلة شروط.
كالشروط التي توضع على البيان الوزاري؟
الرئيس الحريري يعرف جيداً الممكن وما هو غير ممكن، وما الذي يسهّل ولادة الحكومة وما الذي يصعّبها، وما الذي يمشّي البلد وما الذي يوقفه. هو يعرف ذلك أكثر من أي طرف آخر.
التواصل حتمي مع دمشق في ملف النازحين والتنسيق مع السوريين قائم في كل الملفات
هل تبقي القوات على شروطها في ما يتعلق بالبيان الوزاري؟
سمعت سمير جعجع يصرح بعد زيارته الرئيس الحريري بأن لا شروط للقوات وانها ستدعم الحكومة حتى لو لم تتمثّل فيها. في الحكومة الحالية تحفّظوا عن الفقرة المتعلقة بحزب الله. بعد أزمة الرئيس الحريري، أصدرت الحكومة بياناً مشابهاً للبيان الوزاري وافقوا عليه من دون تحفّظ. إذا أعدنا التجربة لا أعتقد أن هناك مشكلة في البيان الوزاري. اللهم الا إذا جاء أمر عمليات ما من الخارج. عندها نكون أمام معطى آخر.
الحجم النيابي للقوات تضاعف تقريباً. هل سينعكس ذلك حقائب في الحكومة؟
بداية، هم يأخذون حجم ما يمثلونه وما يستحقونه. ولكن، من الواضح لنا أن حجمهم ليس ذاك الذي أعلنوا عنه، وهذا سيظهر في ما ستنتهي اليه كتلتهم النيابية. أن يكون للقوات 12 نائباً فهذا حقهم، وهو أمر طبيعي. ومن المهم الالتفات هنا إلى أن حجم القوات في الحكومة الحالية أكبر من حجمها التمثيلي في المجلس النيابي الحالي. أثناء تشكيل الحكومة الحالية، تلقّينا اللوم من كل الاطراف، من دون استثناء، على موافقتنا على إعطائهم هذا الحجم. اليوم حجمهم الوزاري يجب أن يتوافق مع حجمهم النيابي.
هل لا يزال الاستقرار في لبنان حاجة دولية؟
هو حاجة لأن عدم الاستقرار سيولّد خسارة لمن يحاول المس به. اذا أكملنا بالسياسة التي نتبعها بتحييد لبنان عن مشاكل الخارج بالقدر المستطاع وعدم تحوّلنا مصدراً للمشاكل، يمكننا أن نكرّس أكثر فأكثر هذا الاستقرار ونجعله حاجة في عدة مواضيع منها اعادة اعمار سوريا والنفط والغاز والمياه.
ملف النزوح
هل ستكون حكومة العهد الأولى حكومة حل ملف النزوح السوري؟
دعني أنوّه بأن الحكومة الحالية لم تكن حكومة صفر. هذه اكثر الحكومات إنتاجاً وانتظاماً منذ 2005 من دون نقاش، والفضل يعود للرئيسين عون والحريري.
أما في ما يتعلق بموضوع النازحين السوريين، فلنكن صريحين. اليوم باتت الانتخابات النيابية وراءنا، ولم يعد من عذر لأحد لمقاربة هذا الملف من خلفيات انتخابية. هذا ملف ضاغط ليس من الناحية الكيانية وبعده السيادي والميثاقي فحسب، بل هو ضاغط اقتصادياً إلى حدّ كبير بما يضع البلد على شفير الانهيار. المطلوب سياسة وطنية تعالج هذا الملف لأننا تركنا أنفسنا طويلاً يسوقنا سائقون دوليون. المطلوب اليوم ان نكون نحن وراء «الدريكسيون».
هل يُسمح للبنانيين بذلك؟
نحنا نسمح لأنفسنا ولا ننتظر إذناً من أحد. احترمنا القانون الدولي والمبادئ الانسانية التي تعاملنا وفقها مع شعب شقيق كالشعب السوري في الاستضافة وسنحترم المبادئ نفسها في مسألة العودة. لم نطرح ابداً إلا عودة آمنة وكريمة، وزدنا عليها في لقاء بروكسيل في 14 الجاري مصطلح المستدامة التي تعني تأمين كل شروط العودة الطبيعية للسوري إلى بلده، وذلك رداً على طرح «العودة المؤقتة» الذي طُرح في لقاء بروكسيل الأول في نيسان الماضي. الواقع هو أن المجتمع الدولي يريد أن يموّل إبقاء السوريين في لبنان ونحن نريد تمويل عودتهم. نحن دولة ذات سيادة ولا يمكن أن تُقرّر سياسة دولية على ارضنا من دون موافقتنا.
ما مدى قدرة لبنان على القيام بذلك؟
كبيرة جداً. هذا الملف يجب أن يقسّم الى ثلاث مراحل: اولاً، العودة الفورية، وهذه تحدث بمجرد أن تتخذ الدولة اجراءات لتطبيق القانون اللبناني، عندها ستعود نسبة كبيرة من النازحين فوراً. وهناك، ثانياً، العودة المتوسطة الأمد التي تحتاج إلى تأمين شروط العودة الآمنة والكريمة والمستدامة. وثالثاً العودة الطويلة الامد وهي المتعلقة بالحل السياسي.
هذا يعني أن الحكومة المقبلة ستكون ملزمة بالتواصل مع الحكومة السورية؟
في المرحلة الثانية المتعلقة بالعودة المتوسطة الأمد نحتاج الى التنسيق مع الحكومة السورية. أساساً التواصل قائم، ولا يمكن أن نكذب على الناس. واقعاً نحن نحكي مع السوريين في كل الملفات، في الخارجية والامن والجيش والدفاع والكهربا والزراعة والترانزيت والمعابر والاقتصاد والتبادل… وفي مئة ملف.
هل الرئيس الحريري مقتنع بهذه المقاربة؟
هو يعرف تماماً انه لم يعد في إمكاننا المضي في السياسة الحالية في هذا الملف. والموقف المبدئي المعلن للرئيس الحريري في هذا الشأن جيد جداً. لكننا نحتاج الى ترجمة فعلية لهذه المواقف عبر إقرار ورقة سياسة النزوح وتوحيد مواقفنا إزاء هذا الملف.
هل نشهد بداية عودة للنازحين في ظل الحكومة المقبلة؟
لا يمكن ان يسلم العمل الحكومي ولا أن يسلم البلد إذا لم نحقق شيئاً في هذا الملف. هذه أولوية الأولويات. جزء من معالجة الاقتصاد المهدّد يكمن في إيجاد حلول لملف النازحين.
ما تأثيرات الانسحاب الأميركي من النووي الايراني على لبنان والمنطقة؟
هناك نغمة جنون سياسي واضح لدى الادارة الاميركية الحالية ومن أتت بهم أخيراً معها تذكرنا بمرحلة جورج بوش. هذا يجعلنا نتوقع اي شيء. ولكن، في السياق السياسي الطبيعي ما من عاقل اليوم يعمل على إشعال حرب، لأن أي حرب لن تكون حدودها ايران واسرائيل، بل أوسع من ذلك. وحتى لو بقيت في هذه الحدود فسيكون ضررها كبيراً جداً على الطرفين. لذلك، حدث حتى الآن اشتباكان كان احتواؤهما سريعاً، ورسم فيهما كل من الطرفين حدوده السياسية وتموضعاته العسكرية. واضح ان اسرائيل تضغط لتحصيل ما هو أكثر من ذلك وتطمح الى تحسين شروطها. أعتقد أن ما يجري كله لا يزال ضمن لعبة لا تزال ممسوكة أميركياً وروسياً.
الأخبار