رأى رئيس الجمهورية أن كافة الكتل النيابية مدعوة لتحمّل مسؤولية العمل معا
لاستكمال مسيرة النهوض بالوطن والبناء على ما أُنجز في الفترة الماضية، واكد سعيه لاستعادة المجلس النيابي دوره الرقابي والتشريعي، كاشفاً عزمه على الدعوة الى حوار وطني لاستكمال تطبيق الطائف ووضع استراتيجية دفاعية.
كما وهنأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اللبنانيين بعد انتهاء الانتخابات النيابية بالانجاز الذي حققوه، مشيراً إلى أنه بفضل نجاح اقتراعهم، اتضح ان القانون الانتخابي الجديد قد حقّق صحة التمثيل التي لطالما نادوا بها، ولم يحرم احدا من التمثيل، الاّ الذين لم يتمكّنوا من تحقيق الحاصل الانتخابي.
ولفت الرئيس عون في رسالة وجهها الى اللبنانيين في الثامنة من مساء امس، إلى أن اقتراع المغتربين، للمرة الاولى في تاريخ لبنان المعاصر، يفتح الممارسة الديموقراطية اللبنانية على آفاق الحداثة المطلوبة ويضع لبنان في مراتب الدول التي تحترم صوت كل ناخب من مواطنيها اينما وجدوا.
ورأى أن كافة الكتل على تنوع انتماءاتها وتنوعها السياسي، مدعوة اليوم الى الاجتماع تحت قبة الندوة البرلمانية لتحمّل مسؤولية العمل معا من اجل مواجهة التحديات المشتركة واستكمال مسيرة النهوض بالوطن، والبناء على ما أُنجز في الفترة الماضية.
وإذ عرض رئيس الجمهورية بعضاً مما تم انجازه، كتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، وانتظام الشأن المالي، واقرار قانون منح الجنسية للبنانيين المنتشرين، وانجاز التعينات الدبلوماسية والقضائية، لفت الى ان الكثير من التحديات ما زالت بانتظارنا ومنها تحقيق النمو الاقتصادي، وتحديث إدارات الدولة وملء الشواغر فيها، والعمل على تحقيق اللامركزية الادارية، والحكومة الالكترونية، كمدخل عصري يؤمن الشفافية ومكافحة الفساد ويساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة لجميع المناطق اللبنانية.
وأكد رئيس الجمهورية أنه سيسعى مع رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة كي يستعيد المجلس العتيد دوره الرقابي والتشريعي، فيكون بذلك مساحة اللقاء الطبيعية لعرض القضايا التي تهم اللبنانيين ومناقشتها، لا سيما منها تلك التي ستكون محور حوار وطني يعتزم الدعوة اليه، بهدف استكمال تطبيق اتفاق الطائف بكل مندرجاته الواردة في وثيقة الوفاق الوطني، ووضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سيادته وسلامة اراضيه.
ودعا الرئيس عون ختاماً إلى الحفاظ على يقظتنا وسهرنا تجاه ما يجري من حولنا، والتحديات الاقليمية المتأتية من نتائج الحروب التي أرخت بثقلها على وطننا، فيما لا رأي لنا فيها ولا دور، والتي باتت تؤثر سلباً على كافة النواحي الداخلية، اجتماعياً، واقتصادياً، وأمنياً.
نص رسالة رئيس الجمهورية
وهنا، النص الكامل للرسالة التي وجهها الرئيس عون إلى اللبنانيين:
” ايتها اللبنانيات، ايها اللبنانيون،
امّا وقد انتهت العملية الانتخابية التي انتجت مجلسا نيابيا جديدا، وفق قانون انتخابي اعتُمد للمرة الاولى في تاريخ الحياة السياسية اللبنانية، اتوجّه اليكم بالتهنئة على الانجاز الذي حققّتموه، وإن كنت اتمنى لو كانت مشاركتكم فيها بنسبة اكبر من تلك التي سُجِّلت على مستوى الوطن.
لقد اثبّتم، من خلال مشاركتكم هذه ان الروح الديموقراطية، ومحرّكها هو الشعب الذي يقرر ويختار من يمثّله، متأصلة فيكم. وقد كنتم تواقين لعيشها منذ تسع سنوات حتى الأمس. وإن ارادتكم في التغيير، عبّرتم عنها بملء حريتكم، فكان المنتصر هو لبنان: لبنان العيش الواحد، ولبنان الدور والرسالة.
امّا انتم الذين انكفأتم عن المشاركة، فقد اردتم بذلك تسجيل موقف، وهو ايضا حق لكم، اقول ان رسالتكم قد وصلت.
والتهنئة واجب ايضا للذين نالوا شرف تمثيلكم على امل ان يحملوا آمالكم وتطلعاتكم، بامانة واخلاص والتزام، لا سيّما وان من بين الفائزين شخصيات اختبرتموها وعرفتم قدراتها، وآخرون ستتعرّفون اليهم اكثر وتقيّمون اداءهم.
ايها المواطنون،
لقد اتضح لكم، بفضل نجاح اقتراعكم، ان القانون الانتخابي الجديد قد حقّق صحة التمثيل التي لطالما ناديتم بها. وهو اعطى الاكثريات حجمها كما احترم تمثيل الاقليات وفق حجمها ايضا، ولم يحرم احدا من التمثيل، الاّ الذين لم يتمكّنوا من تحقيق الحاصل الانتخابي، باصواتكم. وهذه نتيجة تؤكد صوابية خيارنا منذ البدء وصحتّه، وقد كرسّهما هذا القانون من خلال اعتماد النسبية مع الصوت التفضيلي. الأمر الذي دفع بكّل مكوّن من مكوناتنا الى تحديد خياراته وصياغتها وعرضها عليكم، فيتحمّل كل منكم كامل مسؤلياته في تاييد ما يراه متناسبا منها مع تطلعاته الوطنية.
وجاء اقتراع المغتربين، للمرة الاولى ايضا في تاريخ لبنان المعاصر، ليفتح الممارسة الديموقراطية اللبنانية على آفاق الحداثة المطلوبة ويضع لبنان في مراتب الدول التي تحترم صوت كل ناخب من مواطنيها اينما وجدوا. وهذا امر سنسهر على تعميمه اكثر فاكثر في دول الانتشار، جاهدين على تحفيز مختلف ابنائنا للمضي قدما في تأكيد حقهم فيه.
ايها المواطنون،
لقد اعطت صناديق الاقتراع النتائج التي اردتموها، ومعها فتح لبنان صفحة جديدة من تاريخه السياسي بعد مرحلة من التشنجات لامست حد التخاطب باسلوب استدعى اثارة نعرات وتبادل اتهامات وتأجيج عصبيات. وإن كان ارتفاع الصوت من مستلزمات الحملات الانتخابية، فإن كافة الكتل على تنوع انتماءاتها وتنوعها السياسي، مدعوة اليوم، ومع انطلاقة ولاية المجلس النيابي الجديد، في العشرين من ايار الجاري، الى الاجتماع تحت قبة الندوة البرلمانية لتحمّل مسؤولية العمل معا من اجل مواجهة التحديات المشتركة، وما اكثرها، واستكمال مسيرة النهوض بوطننا، والبناء على ما أنجزناه في الفترة الماضية.
لقد تمكنا منذ بداية ولايتي الرئاسية من تحقيق الكثير مما تصبون إليه، وما التزمت به في خطاب القسم، فكان الاستقرار الأمني الأرضية الصلبة لرفع مداميك الانجازات في شتى الميادين والمجالات الحيوية، وتم دحر الخطر الأكبر على مجتمعنا المتمثل بالإرهابيين، بجهود وتضحيات الجيش والمؤسسات الأمنية، وثمرة لإجماع اللبنانيين على رفض التطرف وجر لبنان إلى مستنقعات الفكر المنغلق والإلغائي.
وترافق ذلك مع استقرار في الحياة السياسية، وانتظام في الشأن المالي من خلال إقرار موازنتي العامين 2017 و 2018 بعد 12 سنة على آخر موازنة. وبعد إقرار قانون استعادة الجنسية للبنانيين المنتشرين، بدأنا باصدار المراسيم الخاصة بذلك. كما باشرنا خطة نهوض لتحقيق الاصلاحات الاقتصادية، وأنجزنا التعيينات الدبلوماسية والقضائية بعد طول انتظار. وكان لنا أخيراً أن نبدأ رحلة استثمار مواردنا الطبيعية، وعلى رأسها الغاز والنفط، لنفتح الباب واسعاً لدخول لبنان بعد سنوات قليلة مجموعة الدول المنتجة للنفظ والغاز في العالم.
أيها المواطنون،
صحيح أن ما تحقق أتى متجاوباً مع خطاب القسم وتطلعاتكم، إلا أن الكثير من التحديات ما زال بانتظارنا، وهو يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى المزيد من التضامن بين اللبنانيين، والاصرار على تغليب مصلحة الوطن على أي مصلحة فردية، أو حزبية، أو طائفية. ويأتي على رأس هذه التحديات، تحقيق النمو الاقتصادي، وتحديث إدارات الدولة وملء الشواغر فيها وفي المؤسسات المختلطة والعامة، إضافة الى استكمال اصدار المراسيم التطبيقية للقوانين التي صدرت وتتناول قطاعات عدة، واقرار قوانين أخرى حديثة وحيوية، لاسيما تلك التي تعنى بالشؤون الانسانية، وفي مقدمها قانون ضمان الشيخوخة.
ولا بد أن نولي القطاعات الانتاجية وعصرنة الاقتصاد رعاية خاصة، إضافة إلى العمل على تحقيق اللامركزية الادارية، والحكومة الالكترونية، كمدخل عصري يؤمن الشفافية ومكافحة الفساد ويساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة لجميع المناطق اللبنانية.
وفي خلال الانكباب على هذه الورشة الوطنية، لا بد من الحفاظ على يقظتنا وسهرنا تجاه ما يجري من حولنا، والتحديات الاقليمية المتأتية من نتائج الحروب التي أرخت بثقلها على وطننا، فيما لا رأي لنا فيها ولا دور، والتي باتت تؤثر سلباً على كافة النواحي الداخلية، اجتماعياً، واقتصادياً، وأمنياً. وعلى رغم مسارعتنا إلى المساعدة في الوجه الانساني، محملين وطننا الكثير من التداعيات، إلا أن الأثمان التي ندفعها جراء ذلك باتت أكبر من طاقة لبنان على الاحتمال، ما يدفعنا إلى رفع الصوت عالياً لايجاد حل سريع يؤمن عودة النازحين السوريين تدريجاً إلى المناطق السورية الآمنة.
ولا بد لي أن أؤكد أيضاً، أن لبنان سيبقى وفياً لالتزاماته العربية والدولية، وساعياً باستمرار إلى جمع الشمل العربي، بعدما بات التشتت والتشرذم والخلافات في صفوف الدول العربية، يؤثرون سلباً على قضايانا المشتركة، ويضعفون كلمتنا ومكانة شعوبنا في العالم، ويسلبوننا حرية القرار وقوة التأثير.
أيها المواطنون،
سأسعى، من جهتي، مع رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة كي يستعيد المجلس العتيد دوره الرقابي والتشريعي، فيكون بذلك مساحة اللقاء الطبيعية لعرض القضايا التي تهم اللبنانيين ومناقشتها، لا سيما منها تلك التي ستكون محور حوارنا الوطني، الذي اعتزم الدعوة اليه، كما كنت اعلنت سابقا، بهدف استكمال تطبيق اتفاق الطائف بكل مندرجاته الواردة في وثيقة الوفاق الوطني، من دون انتقائية او استنسابية، وتطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني، ووضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سيادته وسلامة اراضيه.
كذلك ستكون من صلب مهام هذا المجلس متابعة اعمال الحكومة التي سوف تُشكّل مع بدء ولاية المجلس الجديد، بحيث يُحترَم مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، بتناغم يسهم في توطيد الاستقرار السياسي الذي عملنا جميعا على ارسائه.
ايها اللبنانيون،
وسط جوار مضطرب ومشتعل، واوضاع اقليمية مقلقة، كنتم بالأمس الفاعل والشاهد في آن على ان لبنان محمي بالوحدة الوطنية التي هي ركيزته الاساسية، وتصونه في كل استحقاق، وبديموقراطية هي في صلب حياتنا البرلمانية.
فلتكن نتائج هذه الانتخابات حافزاً لنا، لنفتح صفحة جديدة ولنعمل جميعاً على صيانة وحدتنا وحمايتها، ليبقى لبنان مدعاة افتخارنا ومحط انظار العالم وتقديره.
عشتم وعاش لبنان! “