رأى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن “القانون الانتخابي الجديد، الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية، قد اعتمد بهدف إتاحة المجال لتمثيل الأكثريات والأقليات في آن معا، وبالطريقة الأصح، لكافة شرائح الشعب اللبناني، ولكي ينتج مجلسا نيابيا، يسمح في معالجة كافة القضايا”، معتبرا أن “هذا ما سيؤمن مزيدا من الاستقرار الداخلي”.
وردا على سؤال، حول ما إذا كان هذا القانون أدى إلى “إثارة الغرائز والاجواء الطائفية وللعديد من القضايا، التي كانت نائمة”، أجاب: “إن المسؤولية في ذلك لا تعود إلى القانون بحد ذاته، بل إلى الذين استخدموا هذا الأسلوب. فالخطاب الطائفي صدر على ألسنة السياسيين، وهم يتحملون هذه المسؤولية”، موضحا أن “بعض الغريزة الانتخابية، قد تدفع إلى الحدة في تبادل الاتهامات والانتقادات، التي تتعدى الحقيقة والواقع”.
وعما إذا كان راضيا عن هذا القانون والمسار، الذي وصل إليه، قال إنه “راض عنه، لأن اللائحة المغلقة تشير إلى الخط السياسي، الذي يختاره المواطن، فيما الصوت التفضيلي يتيح للمواطن عينه أن يختار من يريده، من هنا يأتي التمثيل صحيحا في أعلى المراتب. من هذه الناحية أنا راض عن القانون. لكن بعض التصرفات كان فيها تخط للمدلول، وربما للنتائج، ذلك أن الصراع على الصوت التفضيلي، أدى إلى الاحتقان داخل اللائحة الواحدة. وكان على المرشحين أن يعملوا من أجل الحاصل الانتخابي للائحة، فيما المواطنون هم الذين يصنفونها. وما حصل هو أن الصراع بات على من سيربح الصوت التفضيلي”.
وشدد على أن ما يهمه في الطليعة “هو الوحدة الوطنية، التي ترسخ الاستقرار السياسي، الذي بفضله يمكن بناء كل ما هو إيجابي في الدولة”.
كلام الرئيس عون جاء في مقابلة مع محطة BBC عربي، عشية انطلاق عملية الاقتراع في الانتخابات النيابية، في كل المناطق اللبنانية، أجراها الزميل عصام عبدالله، وجدد فيها عون المطالبة ب”عودة النازحين السوريين إلى الأماكن الآمنة في سوريا”، نافيا أن “يكون لبنان يمارس أي ضغط على هؤلاء النازحين للعودة”، سائلا عن “حقيقة النوايا التي تقف وراء العاملين لإبقائهم في لبنان”.
المهم في الانتخابات تحقيق العدالة
سئل عن موقفه، فيما لو أدى قانون الانتخابات، على أساس النسبية، إلى خسارة بعض مقاعد “التيار الوطني الحر”، فأجاب: “لقد أسست هذا التيار، وأعرف أن هذا القانون قد يؤدي إلى خسارة بعض المقاعد النيابية هي في المطلق عائدة للتيار، لكن ما يهمني هو أن تتحقق عدالة التمثيل، ليربح الوطن والشعب وتكون له كلمته في اختيار ممثليه”.
وأشار إلى أنه بعد الانتخابات، وفي ما خص الحكومة “فإننا سنواصل العمل وفق الأسلوب الذي اعتمدناه، والذي يقوم على الإجماع في اتخاذ القرارات، وهذه وسيلة قد تعاني من بعض البطء، إلا أنها تعفينا من الخلافات”.
وعن الحكومة المقبلة، وما إذا كانت ستشكل بسرعة، وكيف ستعالج المسائل بداخلها، أوضح أنه “سيتم تطبيق الدستور وما ينص عليه، وسنحاول دوما التوصل إلى الإجماع، وهو الأمر المستحب. وفي غياب الإجماع هناك التصويت”، مشددا على أن ما يهمه “هو دائما الحفاظ على الوحدة الوطنية في أي عمل حكومي مقبل، وإذا تعذر ذلك، فسنلجأ إلى الأكثرية”، مذكرا “لقد كنا خارج الحكومة وفي المعارضة منذ 2005، وهناك حرية المعارضة”.
وعن نظرته إلى المرحلة المقبلة، قال: “إن من يريد الدخول إلى الحكومة، عليه أن يلتزم بالقوانين، التي ترعاها وطريقة العمل داخلها. ومن يريد البقاء خارجها وفي صفوف المعارضة، فهو حر بذلك. إذا ما حصلت عرقلة داخل الحكومة، يمكن أن تستقيل ويعاد تشكيل حكومة أخرى، لكن الأمر لن يستغرق كما في بعض الدول سنتين أو أكثر لتشكيل حكومة جديدة”.
وسئل عن مدى تأثير صراع المحاور الخارجية على الاستقرار الداخلي، فأجاب: “إن هناك إقرارا من الجميع، بأن لبنان يجب أن يبقى مزدهرا، ومهما كان الانقسام السياسي الداخلي بسبب الخارج، فإن الجميع مؤمن بوجوب الحفاظ على الاستقرار الداخلي وإبقاء كافة أشكال النزاع خارجه”.
الجيش يطبق قرارات الحكومة
وسئل إلى متى سيبقى لبنان أسير سياسة المحاور، ويبقى الجيش اللبناني يتحمل تبعات هذا الأمر؟ أجاب: “إن الجيش يطبق قرارات الحكومة. وسبق أن اتخذنا قرارا بالإجماع، قضى بطرد الإرهابيين من بعض المناطق الحدودية، التي كانوا فيها. وجرى ذلك عبر معركة عسكرية شهد الجميع خلالها لقدرات جيشنا، الذي قام بها في أسرع وقت ممكن، وانتصر فيها بعدد ضئيل من الشهداء”.
وسئل عما إذا كان يوافق على طرح الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله، القائم على اعتبار أن “ما قبل القصف الإسرائيلي لمطار “التيفور” السوري شيء وما بعده أمر آخر”، قال: “إن الاعتداء الإسرائيلي على أي دولة عربية أمر مرفوض من قبل لبنان، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بسوريا وهي الأقرب جغرافيا الينا، أما الرد على الاعتداء، فما زال ضمن إطار خطاب، وهو ليس موقف الحكومة اللبنانية”، موضحا أنه “في ما يتعلق بمشاركة حزب الله بالنزاع الدائر حاليا في سوريا، فإن مسألته باتت قضية على مستوى الشرق الأوسط، حيث أصبح الحزب جزءا من توازن القوى، ولم يعد بإمكانه الخروج وحيدا من المعركة الدائرة”.
وعما إذا كان تحقيق مكاسب جديدة من قبل النظام السوري في سوريا، سينعكس على علاقة الرئيس عون بالرئيس الحريري، أجاب بالنفي، قائلا: “نحن لسنا في وضع انتظار أن يربح أحد في الخارج كي ننقلب وطنيا على مواطنينا. نحن إذا ربحنا في لبنان نربح جميعا، وإذا ما خسر أحدنا فإننا جميعا خاسرون. وكل من يعرفني يعرف جوابي هذا منذ حرب العام 2006، التي شنتها إسرائيل ضدنا. وقد سئلت حينها عما حققته من هذه الحرب وقد “حشرت نفسك فيها”، فأجبت أن هذا هو اعتداء على الوطن وعلى مواطنينا، فإن خسروا سنعيش وإياهم الخسارة، وإن ربحوا سنعيش معهم أيضا، لذلك لا يجوز التخلي لا عن المواطنة ولا عن أرض الوطن. وأنا أتصرف على الدوام وفق هذه القناعة الفكرية”.
سنأخذ المبادرة في مسألة النازحين
وفي ما خص مسالة النازحين السوريين، وعما إذا كانت الأمم المتحدة ستستمع إلى ما ينادي به لبنان، قال: “علينا أن نأخذ المبادرة ونتصرف من خلال ابتداع الحلول الممكنة، ويمكن أن ننجح لأن المصر على النجاح في قضية ما، فإنه ينجح بها”، مضيفا: “أنا لا أفهم مواقف وتصريحات مسؤولي الأمم المتحدة، كما أنني تفاجأت بمواقف الاتحاد الأوروبي، لأنه من غير الممكن أن يبقى لبنان يتحمل ما يتحمله. وإني أسأل كم استقبلت أي دولة أوروبية من النازحين؟ وبالمقابل ما هي مواردنا نحن في لبنان وكم هي مساحة وطننا، وكم زادت الكثافة السكانية عندنا كذلك، ألم ترتفع من 400 إلى 600 في الكيلومتر المربع الواحد، كما ارتفعت نسبة البطالة لدينا إلى 46%؟ كما أن الوضع الاقتصادي لدينا ازداد سوءا لأنه من غير الممكن تحمل كل هذه الزيادة السكانية وأعبائها بين ليلة وضحاها”، لافتا إلى أن “المساعدات التي تأتي إلى هؤلاء النازحين أصبحت بمثابة إعطائهم راتبين، راتب المساعدة وراتب العمل على الأراضي اللبنانية، مقابل حرمان الشعب اللبناني من العمل، لأن النازح يتقدم إلى العمل بأجور أدنى مما يطلبه العامل اللبناني، من دون أن يدفع أي ضرائب”.
وجدد الكلام أن “لبنان يطالب بعودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في سوريا، وفي بعض المدن يتم تسليم سلاح المسلحين إلى النظام في سوريا”، مشيرا إلى أنه “طالما أن النازحين موجودون عندنا، فإن هناك قلقا يساورنا من نتائج الحرب، التي تنحسر أكثر فأكثر راهنا في سوريا، حيث لم يعد هناك من اضطراب أمني إلا في محافظتي درعا وإدلب وهما الأصغر بين المحافظات السورية. أما في كافة المناطق الأخرى، فقد انتهت المشاكل الأمنية فيها”، مكررا التأكيد أن “لبنان لا يضغط على أحد للعودة كيفما كانت الظروف إلى سوريا. فنحن نتكلم على خروج النازحين من لبنان، برضاهم، وإلى المناطق الآمنة في بلدهم”.
وقال: “إنني كلبناني موجود على أرض وطني، وكرئيس للجمهورية، أقسمت اليمين على احترام الدستور والقوانين اللبنانية والاستقلال، وعلى المحافظة على سلامة الأراضي اللبنانية، والقانون الدولي من جهته لا يتيح لأحد آخر أن يعطيني الأوامر على أرضي. بإمكانه أن يعترض على تصرفاتي، إذا ما أسأت التصرف اتجاه النازحين، لكن لبنان أعطى النازحين السوريين أفضل معاملة انسانية، والبرهان على ذلك أن لا أزمة حصلت بيننا. إلا أن نسبة الجرائم العادية قد ارتفعت بسبب وجودهم، لكن لا أزمة من الجهة اللبنانية معهم. لذلك ما من أحد بإمكانه أن يتهمنا بأي أمر سلبي اتجاههم. واليوم هناك شائعات تسري أن هناك ضغطا يمارس عليهم، وهذا غير صحيح إطلاقا”.
وعما إذا كان غير مرتاح لموقف الأمم المتحدة في هذا الخصوص، أجاب: “صحيح، صحيح”، سائلا: “ما هي النوايا، التي تقف خلف إبقاء النازحين في لبنان؟ فالأمم المتحدة تدرك تمام الإدراك انه بات هناك أمن على معظم الأراضي السورية باستثناء محافظتي درعا وإدلب”.
دورنا أن نطرح مبادرات بين الأشقاء العرب
وعن العلاقة مع الدول العربية، وما إذا كانت هناك من آلية عملية لمتابعة مواقفه في القمتين العربيتين الأخيرتين في الأردن والسعودية، والمبادرات التي طرحها، “والتي لاقت استحسانا عربيا”، وتفعيل دور لبنان لكي لا تنعكس عليه آثار خلافات الآخرين، قال: “إننا بين العرب نستخدم لغة عائلية، فنسمي بعضنا الأخوة العرب، ودولنا هي دول شقيقة. فإذا كان فعلا هذا هو شعورنا المشترك، الذي نعبر عنه بهذا الأسلوب، فإنه من غير الجائز أن يتدخل الأخ لصالح أحد ضد الآخر، بل أن يسعى لإصلاح ذات البين بينهما. هذا هو دورنا، أن نطرح مبادرات ونسدي النصح إذا كان مقبولا. ولكن حتى الآن لم تأت مؤشرات مشجعة. ونحن تكلمنا على الأسلوب الوحيد الممكن وهو القبول بطاولة حوار لحل المشاكل القائمة في ما بينهم، كما أن هناك قاعدة قانونية للحل هي جامعة الدول العربية، التي تحدد العلاقات بين الدول العربية. وقد تكون هناك مصالح حيوية يجب أن يتم الاتفاق في شأنها على طاولة الحوار، ليقف التقاتل في ما بينهم. أما إذا لم يرغبوا في التوافق وفق هذا الإطار للحل، فإن الصراع سيبقى قائما في ما بينهم إلى أن يتمكن أحد من سحق الآخر. والوساطة التي قام بها سمو أمير الكويت لم تتوصل إلى نتيجة، لأن الحوار كان متباعدا بين الأطراف المعنية، التي عليها أن تجلس معا للتوصل إلى حل مشترك، حتى لو اعترى ذلك صراخ متبادل لكن يبقى الحوار قائما ومباشرا. وعندما يدخل طرف إلى الحوار فإنه لا يخرج منه، لأن الجميع يتألم ويخسر وما من أحد يكون رابحا بالحرب”.
وعما يمكن توقعه من القمة الاقتصادية المقبلة، التي ستنعقد في لبنان وإمكانية طرح مبادرة حوارية، قال: “نحن سنسعى بكل جهدنا لتحقيق ما يجب تحقيقه، ولدينا متسع من الوقت إلى حينه”.