اكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في رسالة وجهها مساء أمس الى اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، عشية انطلاق الانتخابات النيابية في مرحلتها الأولى في الدول العربية ودول الانتشار ان الانتخاب واجب وطني، و” هو فعل وجود” كما انّه “الطريق الوحيد للتغيير ضمن الديمقراطية”، معتبرا “ان الحرية مسؤولية، وكذلك الاختيار”. ودعا المواطنين الى التحرر من “وسائل الضغط والاغراء التي تفسد الضمائر”، والى عدم الاقتراع “لمن يدفع ويسخى بالمكرمات”، لأن “من يشتريكم يبيعكم، ومن يبيع المواطن ليس صعبا عليه ان يبيع الوطن.”
وتوجّه الرئيس عون الى الناخبين، فحثّهم على نبذ “من يؤجج المشاعر الطائفية والعصبيات لأنه يتلاعب باستقرار الوطن”، والى المرشحين بضرورة “مخاطبة عقول الناخبين لا غرائزهم، فالشحن الطائفي هو اول خطوة على طريق الفتنة.”
وخصّ رئيس الجمهورية في رسالته الشباب اللبناني بدعوتهم الى عدم البقاء على الحياد او اللامبالاة، و”المشاركة الكثيفة في الاستحقاق الانتخابي”. امّا اللبنانيين المنتشرين، فحثّهم على التمسك بالحق الذي اتاحه لهم القانون الانتخابي الجديد بالاقتراع حيث هم، داعيا الى ان تكون مشاركتهم تعبيرا عن مدى ارتباطهم بالوطن الأم.
وإذ لفت رئيس الجمهورية الى صحة التمثيل وفعاليته اللتين يؤمّنهما القانون الانتخابي الجديد، فإنه اعتبر “الصراع الذي نشأ بين اعضاء اللائحة الواحدة للحصول على الصوت التفضيلي لا يعود الى القانون ولكن الى المرشحين”، نتيجة “نقص في التعاون بين افراد اللائحة الواحدة“.
نص الرسالة
وفي ما يلي نص رسالة رئيس الجمهورية التي وجهها في الثامنة مساء اليوم عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة:
“ايتها اللبنانيات ، أيها اللبنانيون ، مقيمين ومغتربين،
انتم مدعوّون بعد أيام للانتخاب، وقد مرّت تسعة أعوام على الانتخابات الأخيرة، شهد خلالها لبنان أحداثاً جمة طغى عليها الإرهاب الذي ضرب الشرق الاوسط، وخرج منها وطننا، بقوته سليماً معافى، واستتب فيه الأمن والاستقرار.
وكان من الطبيعي بعد الانتخابات الرئاسية ان نقوم بصياغة قانون جديد للانتخابات النيابية، كما التزمت في خطاب القسم، يؤمّن التمثيل الصحيح لجميع مكونات الشعب اللبناني بأكثرياته وأقلياته، ويعطي أيضاً، وللمرة الأولى، الانتشار حق التصويت من حيث هو موجود..
بالإضافة إلى فعالية التمثيل التي يؤمّنها هذا القانون، فإنه يحدّد الخيار السياسي بواسطة اللائحة المغلقة، وعبر هذا الخيار يسمح بالتقدير الشخصي للمرشحين ضمن اللائحة المختارة بإعطاء الصوت التفضيلي لمن يعتبره الناخب المرشح الأفضل.
أما السلبية التي توافق عليها جميع المراقبين تقريباً فهي الصراع الذي نشأ بين أعضاء اللائحة الواحدة للحصول على الصوت التفضيلي، وهذا الواقع لا يعود إلى القانون ولكن الى المرشّحين، فالقانون هو الإطار الذي يؤمن للناخب حرية الخيار، أما الصراع فهو يعود لنقصٍ في التعاون بين أفراد اللائحة الواحدة، أو لعدم اعتيادهم بعد على التنافس الإيجابي ضمنها.
سلبية أخرى، ظهرت مؤخراً وهي في تدنّي الخطاب السياسي، والأخطر هو في جنوحه نحو إثارة العصبيات.
أيها المرشحون،
ان الطموح السياسي مشروع وحق لكل من يجد لديه الكفاءة والإمكانية لممارسة الشأن العام، ومخاطبة الناس لإقناعهم بتبنيكم أيضاً حق لكم، ولكن تحاشوا مخاطبة الغرائز، وابتعدوا عن التجييش الطائفي والمذهبي والتحريض لشد العصب، خاطبوا عقول الناخبين لا غرائزهم، فالشحن الطائفي هو أول خطوة على طريق الفتنة، فلا توقظوها من أجل مقعد نيابي.
أيها المواطنون،
في مطلق الاحوال تبقى المسؤولية الاولى عليكم أنتم، فالحرية مسؤولية، وكذلك الاختيار،
تحرروا من وسائل الضغط والإغراء التي تفسد الضمائر، فالساتر موجود لهذه الغاية، ووراءه يقف الإنسان حراً. وليكن اقتراعكم منحاً لثقة وتكليفاً حقيقياً تليه محاسبة حقيقية؛ فدوركم لا ينتهي عند صناديق الاقتراع، بل يبدأ من هناك، ونجاح الحكم يستلزم شراكة حقيقية بين الشعب وممثليه ويتطلّب محاسبة فعلية لهم في حال أخطأوا ولم يكونوا على قدر ثقتكم، فلا تتخلّوا عن دوركم، الذي يحصّنه القانون الانتخابي الجديد ويجعله أكثر فعالية.
هناك قيمٌ في الحياة تُمنح مجاناً، كالحب والثقة وحرية الضمير، لا تشرى ولا تباع، وإذا فقدت مجّانيتها وتحولت سلعة للبيع، اصبح الحب دعارة وكذلك الثقة والضمير.
وليكن منحكم الصوت في الانتخابات مجاناً، وتعبيراً عن ثقتكم بمن تقترعون له؛
فلا تقترعوا لمن دفع او عرض عليكم المال لأن من يشتريكم يبيعكم، ومن يبيع المواطن ليس صعباً عليه أن يبيع الوطن.
لا تقترعوا لمن يدفع لأنه لن يمكنكم مساءلته ومحاسبته إن أخطأ مستقبلاً.
لا تقترعوا لمن يدفع ويسخى بالمكرمات، وتذكّروا أن الأعمال الخيرية ليست موسمية ترفع فقط في الاستحقاق الانتخابي.
لا تقترعوا لمن باع ويبيع السيادة عند كل مناسبة.
لا تقترعوا لمن حوّل حقوقكم الى خدمات يحتكرها بيده ليبتزّكم بها عند الحاجة،
ولا تشهدوا زوراً ولا تقبلوا بغير الحقيقة لتحتفظوا بنظافة الضمير.
ولا تصدقوا من يغدق عليكم الوعود التي تجافي الواقع والقدرة لأنه لن ينفذ ما وعد به، وتذكّروا أن الوعود الانتخابية لا تلزم الا من يصدقها.
وحاذروا من يقيم حملته الانتخابية على سلبيات غيره وليس لديه سوى التجريح والافتراء وإطلاق الشائعات مضموناً لخطابه السياسي، من دون أن يكون لديه أي مشروع فعلي يقدّمه لكم.
حاذروا أيضاً، لا بل الفظوا وانبذوا من يؤجّج المشاعر الطائفية والعصبيات لأنه يتلاعب باستقرار الوطن،
تذكروا مسيرة المرشحين، بماضيهم وحاضرهم،
فكّروا بمستقبلكم ومستقبل أولادكم،
قدّموا مصلحة الوطن الكبرى على المصالح الأخرى الصغيرة،
حكّموا ضميركم، ثم اختاروا، وضعوا الورقة في الصندوق.
أيها الشباب، ومنكم من يقترع للمرة الاولى،
انتم لبنان الآتي، فلا تكونوا على الحياد، لا تكونوا غير مبالين بما يحصل حولكم، فالتغيير المنشود لن يحصل إلا من خلالكم، ومهما أردتم الابتعاد عن السياسة فإن السياسة تفرض نفسها عليكم وتؤثر في مجريات حياتكم، فكونوا فاعلين ومقرّرين فيها حتى لا يقتصر دوركم على تلقي النتائج وتحمل عبء التبعات. والانتخابات هي الخطوة الاولى لرفع صوتكم فشاركوا بكثافة ليكون مسموعاً.
أيها اللبنانيون المنتشرون في دنيا الاغتراب،
انتم العمق اللبناني في العالم، وللمرّة الأولى يُقرّ في لبنان قانون انتخابي يمنحكم حق المشاركة في الانتخابات من حيث أنتم موجودون، فتمسّكوا بهذا الحق، ولتكن مشاركتكم تعبيراً عن مدى تعلّقكم وارتباطكم بالوطن الأم، وعن إرادتكم الصادقة بالمساهمة في إحداث التغيير فيه.
أيها اللبنانيون،
أوّل خطوة على طريق تفكّك المجتمعات هي في التخلّي عن القيم، وفي التغاضي عن الخطأ والقبول به. والخشية على مجتمعنا أن يصبح الفساد عادةً نتأقلم معها، والرشوة مبرّرة ومقبولة، والكذب مباحاً ومعلّلاً…
والأمل، كل الأمل، أن تكونوا على قدر المسؤولية، فتختاروا وفقاً للقيم التي نشأنا عليها، وبضمير نقي وإرادة حرة.
إن الديمقراطية تصلح نفسها، والعملية الانتخابية هي السبيل لذلك. وقد صار اليوم لكل صوت من أصواتكم قيمته وفعاليته، ويبقى أن تمارسوا أنتم حقكم في الاختيار ولا تتنازلوا عنه؛ فالانتخاب واجب وطني، وهو الطريق الوحيد للتغيير ضمن الديمقراطية.
هو فعل وجود أيها اللبنانيون، فلا تمحوا أنفسكم.
عشتم وعاش لبنان.”