والذروة ستترافق مع بدء اقتحام بعض الأحياء والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل والمجموعات المناهضة للرئيس بشار الاسد ومحاصرة المسلحين في بقعة ضيّقة بحيث تُشطب حلب عن معادلة المعارضة.
قبل ذلك تنتظر الميدان السوري أعمال حربية عدة، فقريباً سينطلق الجيش السوري ومعه الائتلاف المؤيّد له في اتجاه مدينة تدمُر، ومن ثم «جسر الشغور» الذي أحدثَ سقوطه الأثر الكبير ودفعَ بطهران الى إقناع موسكو باختصار المسافة الزمنية والدخول مباشرة في النزاع العسكري الحاصل.
ولا حاجة للاجتهاد بأنّ الولايات المتحدة الاميركية متفاهمة مع القيادة الروسية على المسار العسكري في سوريا والتوازنات الجديدة التي ستتمخّض. كان ذلك واضحاً من خلال العصا التي رفعها وزير الخارجية الاميركي جون كيري في وجه الفصائل المعارضة، والتي دعيت الى مؤتمر جنيف على رغم من أنّ النتيجة كانت الفشل وهو ما لم يفاجئ أحداً.
بالتأكيد للديبلوماسية الاميركية كثير من الاعذار والذرائع التي تتلطّى خلفها أمام الدول الداعمة لمختلف اطياف المعارضة، ولا سيما منها السعودية وتركيا وقطر، والأهمّ أنّ في يدها كثيراً من اوراق الضغط المتصلة بمصالح هذه الدول لدَوزنة الشروط الجديدة للخريطة السورية.
مع تركيا، هناك الاكراد وخطرهم على تركيا التي كانت ولا تزال وستبقى تعيش هاجسهم. ومع دول الخليج، هناك «داعش» و«النصرة» واخواتها واليمن وأمن الخليج والحصص في مستقبل التركيبة السورية.
إذاً، خريطة المعارك الحربية الدائرة في سوريا والمتجهة الى تصعيد هستيري تهدف الى استكمال تنظيف ما باتَ يعرف بـ»سوريا المفيدة» وتحصينه وترتيبه، لكن هذا ليس كل شيء.
ففي موازاة ذلك وخلال الاسابيع والاشهر المقبلة، وضعت خطة عسكرية لإعادة إمساك النظام السوري بكلّ المعابر البريّة، وقريباً سيعمل الجيش السوري بمساعدة مباشرة وفاعلة من سلاح الجو الروسي على الامساك بكل المعابر الحدودية الشمالية التي تشكل نقاط تواصل ما بين الاراضي التركية والسورية.
ومن الطبيعي أن يساعد ذلك النظام في معركة استرجاع حلب، لكنه سيكون عاملاً حاسماً في عزل التأثير التركي عن الداخل السوري بدرجة كبيرة.
وفي مرحلة لاحقة سيتولى الجيش العراقي بمساعدة أميركية الإمساك بالمعابر البريّة التي يستفيد منها «داعش»، فيما سيتولى الجيش السوري بمساندة ايرانية الإمساك بالمعابر البريّة مع الاردن.
واذا كان واضحاً عدم وجود اعتراض اميركي على خطة إقفال الحدود والمعابر السورية، لكنه من «الصادم» ربما ان تسمع ديبلوماسياً اميركياً مطّلعاً ومعنياً بشؤون الشرق الاوسط يقول: «حلب باتت تعتبر ساقطة عسكرياً».
لا مجال للشك او للتأويل بأنّ واقعاً جديداً يجري تكريسه، خصوصاً في العراق وسوريا بمباركة اميركية، وتحديداً بعد الاتفاق النووي التاريخي بين واشنطن وطهران. وهل نجد بعد من يصدّق أن لا وجود لملحقات سريّة ترعى تنظيم العلاقة الاميركية – الإيرانية في الشرق الاوسط؟
وتتوخى واشنطن أن تؤدي النتائج العسكرية المنتظرة الى خلق توازنات ميدانية جديدة تمنح الأرجحية للنظام ولكن من دون إلغاء حضور مكوّنات المعارضة المقبولة، على أن تترجم لاحقاً من خلال معادلة سياسية حول طاولة المفاوضات.
من هنا كان لا بد لـ«جنيف 3» أن يفشل ولو أنه شكّل عملياً انطلاقة صعبة جداً لمشوار التسوية الطويلة في سوريا. ومن هنا أيضاً تُفهم الحماسة السعودية لإرسال قوات الى سوريا لمحاربة «داعش» بالتفاهم مع تركيا بما يسمح لها ضمناً عدم الإخلال بالتوازنات الميدانية الحالية.
ومن هنا أيضاً يفهم الجواب السوري، كما الجواب الايراني، الرافض هذه الفكرة ومن خلال «التهديد» بعودة هؤلاء الجنود في صناديق خشبية، ذلك أنّ التفاهم مع واشنطن قد استبقَ كل هذه التطورات، وما يجري الآن ترجمة لتفاهمات سابقة.
وسيكون للبنان حصة من الهستيريا المنتظرة. فـ«الجيب» القائم في جرود عرسال حيث يَتناتَش «داعش» و«النصرة» رقعة السيطرة، موضوع على برنامج العمليات العسكرية. وحالما ستسمح ظروف الطبيعة ستبدأ عملية السيطرة على كامل الجرود، وهي الخطة التي كان مقرّراً تنفيذها الصيف الماضي، لكنّ التطورات السورية وسقوط تَدمُر وجسر الشغور فَرضا تأجيلها سنة كاملة.