على مسافة نحو أسبوعين من انعقاد مؤتمر «سيدر» في باريس في السادس من الشهر المقبل، خطت الحكومة خطوة إضافية بالغة الأهمية باتجاه إنجاح هذا المؤتمر الذي يعوّل عليه اللبنانيون من أجل إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية واستعادة ثقة المستثمرين بوطنهم وباقتصاده المُستنزف نتيجة الأزمات والخضات المُتلاحقة. ففي الوقت الذي يواصل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري تعبئة القطاع الخاص للمشاركة في هذا المؤتمر عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وافق مجلس الوزراء في جلسته أمس على اعتماد برنامج الإنفاق الاستثماري لعرضه على المؤتمر، بعدما استمع إلى عرض من مجلس الإنماء والإعمار وملاحظات الوزراء لجهة الآثار الاقتصادية والمالية وتوزيع المشاريع المُدرجة في البرنامج على المناطق والقطاعات، بحيث أوضحت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ الجلسة تخللها نقاش حول مسألة تحديد الأولويات المتصلة بتنفيذ المشاريع، وسرعان ما خلص البحث إلى الاتفاق على عودة مجلس الوزراء لدارسة وإقرار المشاريع والأولويات بعد اتضاح نتائج المؤتمر وتبلور صورة الاتصالات التي ستجري مع الجهات المختلفة، فيُصار حينها إلى إعادة طرح هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء وصولاً إلى المجلس النيابي «نظراً لكون بعض المشاريع يحتاج تنفيذها إلى إقرار قوانين».
وهكذا، يتوجّه لبنان إلى باريس برؤية متكاملة للاستقرار والنمو وفرص العمل، وفق أربع ركائز أولها البرنامج الاستثماري في البنى التحتية، بحيث يصبح للبنان بنى تحتية عصرية ومتطورة تلبي حاجات اللبنانيين وطموحاتهم.
وبالتوازي، سيتم إنجاز الركيزة الثانية التي تتمحور حول إجراء إصلاحات في المالية العامة وذلك عبر إقرار مشروع موازنة العام 2018. إذ من المُقرر أن تنجز لجنة المال والموازنة في اليومين المقبلين درس مشروع موازنة العام 2018 تمهيداً لإحالته على الهيئة العامة لإقراره قبل موعد انعقاد «سيدر». علماً أنّ مشروع الموازنة يتضمن الكثير من الحوافز والإصلاحات التي ستُساعد في إنجاح المفاوضات في مؤتمر «سيدر»، وقد نصح بإقراره في وقت سابق المبعوث الفرنسي المنتدب لشؤون المتوسط السفير بيار دوكان المكلف من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تنسيق التحضيرات لـ«سيدر».
أما الركيزة الثالثة لرؤية الحكومة فهي القيام بالإصلاحات الهيكلية والقطاعية اللازمة، وهو ما يقوم به حالياً فريق عمل «ماكنزي» المتواجد في لبنان من أجل وضع دراسة مفصّلة عن القطاعات الإنتاجية، يليها وضع استراتيجية واضحة لكل القطاعات الإنتاجية كركيزة رابعة.
وكما بات معلوماً، فإنّ البرنامج الاستثماري للبنى التحتية هو على ثلاث مراحل، كل مرحلة منه على أربع سنوات. في حين ستُعرض المرحلتان الأولى والثانية منه فقط في «سيدر».
ووفق ملخص عن المشاريع الـ250 في كافة المرافق والمناطق والمُدرجة في البرنامج الشامل الذي تم توزيعه أمس، فإنّ مجموع الاستثمارات الإجمالية للمشاريع المقترحة للمرحلتين يبلغ 17.253 مليار دولار من ضمنها مبالغ الاستملاكات. وتبلغ تكلفة مشاريع المرحلة الأولى التي ستُعرض في السادس من الشهر المقبل 10.819 مليارات دولار، فيما مشاريع المرحلة الثانية هي بتكلفة 6.4 مليارات دولار.
مستشار رئيس مجلس الوزراء الدكتور نديم المنلا الذي يتولى إدارة ملف هذا البرنامج ومتابعته، قال في تصريح لـ«المستقبل» إن مجلس الوزراء أخذ بالملاحظات التي أدلى بها الوزراء، وإن رئيس الحكومة أكد للوزراء خلال الجلسة التي عُقدت في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أن البرنامج الاستثماري أولي وهو قابل للتعديل حيث ترى الدولة اللبنانية لزوماً لذلك في المستقبل.
ويُعتبر المنلا أنّ وجود بنية تحتية متطورة يُشكل جاذباً مهماً للاستثمارات المحلية والأجنبية، كما يزيد من القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني الذي بات ينوء تحت أعباء التكلفة المرتفعة في الكهرباء والمياه والنقل والاتصالات وغيرها. وأضاف مشدداً على أنّ المشاريع المُدرجة في البرنامج «مهمة جداً» ومن شأنها استقطاب استثمارات القطاع الخاص الذي يتوقع أن تكون مشاركته بنسبة نحو 40 في المئة في تمويل المشاريع المطروحة اي ما بين 3 مليارات دولار إلى 4 مليارات عبر مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وبالأمس، غادر رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير إلى باريس لعقد اجتماع مع منتدى رؤساء الشركات الفرنسية (ميداف) لتشجيعهم على المشاركة في مؤتمر «سيدر».
من جهتها، قالت مصادر حكومية لـ«المستقبل» إن مؤتمر «سيدر» سيدعم الاقتصاد من خلال ضخ سيولة فيه، وبالتالي دعم القطاعات الإنتاجية، وسيجعله قادراً على مواجهة التحديات الاقتصادية، وسيُساهم في خلق فرص عمل جديدة. وكشفت أنّ التركيز منصبّ حالياً على البحث عن مكامن القوة في الاقتصاد من أجل دعمها والاستثمار فيها والبناء عليها في المستقبل. وجددت التأكيد أن مؤتمر باريس يهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي في لبنان ووضع الأسس المتينة التي ستسمح بالنهوض بالاقتصاد في المستقبل وتحقيق معدلات نمو مرتفعة.
هلا ضغبيني – المستقبل