وجه رئيس كتلة “المستقبل” فؤاد السنيورة كلمة الى اللبنانيين في المؤتمر الصحافي الذي عقده في مجلس النواب، جاء فيها: “بعد تفكير عميق وإنعام النظر في مختلف جوانب الأوضاع والاعتبارات الوطنية والمبدئية والسياسية والشخصية، وبالتشاور مع الرئيس سعد الحريري، الذي زارني في منزلي مساء البارحة، والذي أقدر له محبته وصداقته وثقته وتقديره الكبير لما قمت به وأقوم به في مسيرتي السياسية والوطنية، وحيث تمنى علي أن أترشح للانتخابات النيابية عن مدينة صيدا. غير أني، وللأسباب والتي سأعرضها الآن، قررت العزوف عن خوض الانتخابات النيابية في دورتها المقبلة والمقررة في السادس من أيار 2018 وفق القانون الجديد.
غير أنني، وأنا أعلن هذا القرار، أسارع إلى القول وبحزم وقوة ووضوح أن هذا القرار لا يعني أبدا انفصالا عن “تيار المستقبل” الذي أنتمي سياسيا ووطنيا إليه، وقبل ذلك ما يقتضيه الوفاء من قبلي، وكذلك الانتماء إلى إرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإيمانا برؤيته الوطنية والاصلاحية والنهضوية وبمبادئه التي حملتها معه ودافعنا عنها سوية. ولذلك فأنا الآن مصمم على الاستمرار في السير في هذا الدرب، وعلى متابعة العمل في هذا السبيل، وعلى الإسهام في تعزيز كل جهد يمكن أن يبذل من أجل تحقيق الإصلاح والإعمار والنهوض في لبنان.
وبناء على ذلك، فإني سأستمر ناشطا في الشؤون الوطنية والقومية، وكذلك ناشطا في جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعني لبنان واللبنانيين. كما أنني سأستمر في حمل قضيتي الإصلاح والنهوض والدفاع عنهما وفي الدفاع عن استعادة الدولة القادرة والعادلة لدورها ولسلطتها الواحدة والوحيدة، وكذلك من أجل استعادة اعتبارها وهيبتها.
لقد انطلقت في العمل العام إلى جانب أخي وصديقي رفيق الحريري منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، ضمن إطار المشروع الوطني والنهضوي الذي انطلق به الحريري وبمبادرةٍ منه آنذاك. أي الاستثمار الوطني في إعداد وتأهيل شباب لبنان عبر التعليم والتدريب تعزيزا لمسيرة بناء لبنان وإعماره وإسهاما في تحقيق نهوضه الوطني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، واستعادة دوره الريادي عربيا ودوليا.
آنذاك، كان عملي مستمرا ومتقدما وبارزا في مؤسسات القطاع الخاص مع اهتمامي وميلي الدائم الى التركيز على الاستثمار في الشباب عبر التعليم والتدريب والتطوير وبناء القدرات الشبابية التي تمثل الأمل في المستقبل، والتي يحسن ويجب الاستثمار فيها وبما يقدرها على التكيف والتلاؤم مع مقتضياته. وبالتالي إقدار تلك القدرات الشبابية على النجاح في خدمة وطنها وأمتها حتى يصبح للبنان مكان مرموق بين الأمم.
حين قرر رفيق الحريري الانخراط في العمل السياسي في لبنان عبر رئاسة مجلس الوزراء، كان هو الذي تمنى علي أن أكون إلى جانبه. وهو الذي عرض علي أن أتسلم منصب وزير الدولة للشؤون المالية وبعدها وزيرا أصيلا للمال في حكوماته جميعا. وذلك كان نتيجة انسجامنا السياسي ووحدة الأهداف الوطنية اللبنانية والقومية العربية في ما بيننا، وكذلك إيماننا المشترك بالأساليب والأدوات والطرائق الواجب اعتمادها لتحقيق تلك الأهداف.
لقد انصرفت الى عملي الوزاري الى جانب الرئيس رفيق الحريري آنذاك، بهدف إعادة إعمار وإصلاح وبناء الدولة اللبنانية ومؤسساتها والانطلاق نحو آفاقٍ جديدةٍ ومستقبلية ونهضوية لوطننا لبنان.
ولقد عملت في جميع حكومات الرئيس الحريري وزيرا للمالية، وانا أعتز بكل جهد بذلته في تلك الوزارة وبالإنجازات العامة والإصلاحات الأساسية والكبيرة التي عملت على تحقيقها على الصعد الإدارية والمالية والاقتصادية والوطنية والسياسية والقانونية والتشريعية. ولقد نجحت في تحقيق ذلك بالرغم من كل العراقيل والإرغامات، والانسدادات التي ووجهت بها، ووجهت بها جميع حكومات الرئيس رفيق الحريري والتي كانت تمنعنا من تحقيق جملة أخرى من الإصلاحات والإنجازات الضرورية التي لشد ما كان لبنان بحاجة لتنفيذها آنذاك، وأكثر من ذلك اليوم.
وخلال تلك الفترة، لم أسع يوما، ولا حتى خطر ببالي طوال عملي في تلك السنوات التي أمضيتها كوزير للمالية أن أترشح للعمل النيابي.
بعد استقالة حكومته الخامسة، وفي ضوء ما رافق ذلك من استعصاءات وإخفاقات وإشكاليات، وقبل حدث استشهاد الرئيس رفيق الحريري المهول والمزلزل، كنت قد اتفقت معه على أن أترك العمل الوزاري والتفرغ والعودة إلى العمل في القطاع الخاص.
بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، فإني أعتز أن تيار المستقبل ورئيسه، الرئيس سعد رفيق الحريري، تمنى علي ورشحني وأيدني في أن أتولى موقع رئاسة مجلس الوزراء، وبالتالي أن أقوم بتأليف الحكومة. ولقد حظيت يومها أيضا بدعم قوى 14 آذار التي كانت تمثل بالنسبة لي كما للغالبية العظمى من اللبنانيين، بارقة أمل كبرى في تعزيز مسيرة الاستقلال والسيادة والحرية والعدالة والعيش المشترك. كذلك أيضا بالنسبة لدورها المهم والمحوري في تعزيز الجهود للتمسك والحفاظ على اتفاق الطائف واستكمال تطبيقه، والحرص على احترام الدستور، وفي العمل على استعادة الدولة اللبنانية لدورها ولسلطتها الواحدة والوحيدة على كامل الأراضي اللبنانية، وفي السعي الحقيقي نحو التحول إلى الدولة المدنية.
لقد أقبلت على العمل في ذلك الموقع ومنه واضعا نصب عيني هدفا أساسيا واحدا وهو الحفاظ على لبنان ودولته ومؤسساتها، وعلى حق اللبنانيين في العيش بحرية وكرامة.
كرئيس للحكومة، عملت على تحقيق إنجاز إقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من اجل كشف القتلة والمجرمين ولتحقيق العدالة، ولحماية مستقبل الحياة السياسية في لبنان، وليس للثأر. وذلك ما أنجزناه بحيث صدر قرار إنشاء هذه المحكمة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1757، وتحت الفصل السابع. كذلك عملت من أجل قيام العلاقات الديبلوماسية بين البلدين الشقيقين والجارين لبنان وسوريا. ولقد أكدت، وسعيت، من أجل ترسيم الحدود بين البلدين، وهو ما اكده أيضا قرار مجلس الأمن رقم 1680 وان كان الترسيم لم يتحقق بعد.
من جهة أخرى، فقد عملنا بجد من أجل إعادة الاعتبار الى احترام مبادئ ومعايير الكفاية والجدارة والإنجاز في إدارات الدولة اللبنانية ومؤسساتها، تعزيزا للأداء الحكومي والتدرج على مسار إنهاء الطابع الزبائني في العلاقة بين السياسيين والدولة والمواطنين. وعملنا من أجل ترشيق حجم الدولة وترشيد عمل إداراتها ومؤسساتها وتحسين مستويات الإفصاح والشفافية. وعملنا أيضا من أجل تعزيز معدلات النمو الاقتصادي والتنمية المناطقية وتحسين مجالات فرص العمل الجديدة للشباب اللبناني ومستويات العيش لدى المواطنين. وعملنا أيضا من أجل تحصين العيش المشترك وتعزيز الانسجام الوطني بين مختلف أطياف الشعب اللبناني ومكوناته.
ولقد نجحنا بداية في إنقاذ الجمهورية والحفاظ عليها من السقوط والتداعي كما الحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة.
كما أنه وعلى رغم كل المعاناة والآلام والصعاب، فقد نجحنا في إعادة بناء مؤسساتنا الأمنية في الجيش الذي يتصدى لاعتداءات إسرائيل وعملائها، والذي دحر الإرهاب والإرهابيين في مخيم نهر البارد، وفي تعزيز قوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات التي حاصرت وكشفت الإرهابيين في عين علق والعملاء الإسرائيليين وفي أكثر من مكان وجريمة ومهدت لتقدم عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
ولقد نجحنا، زملائي الوزراء وأنا في الحكومة، في إفشال إسرائيل وإحباط مخططاتها ومنعناها من الانتصار على لبنان ومقاومته وشعبه في العام 2006، ولا سيما بفضل نجاحنا في تثبيت الوحدة الوطنية في وجهها. وتمكنا من نشر الجيش في الجنوب وعلى الحدود مع فلسطين بعد غياب لـ 30 عاما. وكذلك في استصدار القرار 1701 الذي يسهم إسهاما أساسيا في حماية لبنان إلى جانب الجيش بدون الحاجة إلى تدخل أي جهات أخرى.
ونجحنا قبل ذلك وبعده، أنا وزملائي الوزراء، في منع تهديد الاستقرار السياسي والأمني، بمنع إسقاط الحكومة بعد مغادرة بعض الزملاء لمجلس الوزراء، ومحاصرة السراي، وإقفال مجلس النواب لمدة 18 شهرا.
ولقد نجحنا أيضا، وبسرعة قياسية، في إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي وإعادة بناء ما دمر في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع والشمال بأموال المساعدات من الدول العربية الشقيقة والصديقة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية والكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والعراق وجمهورية مصر العربية ومن الخزينة اللبنانية.
وكذلك أيضا وبالرغم من كل المشكلات والتهديدات والانسدادات، فلقد نجحنا في أن نحقق ولمدة ثلاث سنوات متتالية 2007- 2009 أعلى نسبة نمو اقتصادي في تاريخ لبنان بلغت أكثر من 8.5% سنويا، ونجحنا في تحقيق تدفقات مالية غير مسبوقة إلى لبنان مما أدى إلى تحقيق فوائض كبيرة وغير مسبوقة في ميزان المدفوعات بما أسهم في تعزيز الاستقرار النقدي في البلاد.
من جهة أخرى، وإيمانا منا بمبدأي الشفافية والمسؤولية، فقد أقرت حكومتنا وبكامل أعضائها وفي تاريخ 25/05/2006 مشروع قانون أرسلناه إلى مجلس النواب لمراجعة وتدقيق جميع حسابات الدولة اللبنانية من قبل واحدة أو أكثر من المؤسسات الدولية للتدقيق ووفقا للقواعد الدولية للتدقيق، وذلك اعتبارا من العام 1989 وإلى يومنا الحاضر وبشكل مستمر فيما بعد، وهذا جريا على ما هو معتمد في كثير من دول العالم المتقدم، وهو الأمر الذي لا يعتبر إغفالا أو إلغاء لدور ديوان المحاسبة. هذا المشروع مازال قابعا في أدراج المجلس النيابي إلى الآن.
إن إقرار هذا القانون في مجلس النواب والشروع في تطبيقه يمثل الرد العلمي والعملي والحازم وغير المنحاز على كل الافتراءات والشائعات والاتهامات التي تطلق ولا يكون لها أساس البتة سوى رغبة من يطلقها في التجريح وتشويه السمعة وصرف الانتباه عما يجب ان يتوجه إليه انتباه واهتمامات المواطنين اللبنانيين من أجل حفز الجهود والحض على العمل لانتظام وانضباط أوضاع المالية العامة، ومعالجة الخلل المتمادي فيها، واستعادة استقرارها والعودة إلى إعلاء شأن معايير الحوكمة والإفصاح في الإدارة العامة للدولة، وترشيد عمل اداراتها ومؤسساتها، وكذلك من أجل الإسهام في استعادة النمو الاقتصادي المستدام في لبنان.
مدى أكثر من عقدين، كانت سنوات مليئة بالعمل المتواصل والجهد المستمر لإعادة بناء الدولة وسط ظروف قاسية فقدنا فيها الزملاء والرفاق وتساقط من حولنا الشهداء الابرار، وسط موجات الاغتيالات المتواصلة والإرهاب والحصار المعروف والمشهود والملاحقات الكيدية والسجن الظالم. كذلك كانت المعاناة شديدة بسبب الانسدادات والعراقيل في وجه العمل الحكومي. كما كانت أيضا سنوات قاسية اشتد بعدها ومازال يتصاعد النهم نحو استتباع إدارة الدولة اللبنانية وتتراجع فيها مستويات الولاء للدولة اللبنانية لصالح الأحزاب والطوائف والميليشيات وتتفاقم بالتالي مستويات الفساد والإفساد.
ولكني وعلى مدى كل السنوات الماضية، لم أتراجع عن اقتناعاتي ولم أتزحزح عن إخلاصي لوطني وتمسكي بمبدأي وحدة الدولة والدفاع عن سيادتها وسلطانها على مؤسساتها.
لكننا في المقلب الآخر فشلنا في منع سيطرة السلاح غير الشرعي وتمدده، وبخاصة بعد التدخل العسكري ل”حزب الله” في بيروت عام 2008.
وربما لم يحالفنا النجاح، زملائي وأنا، في الحكومتين اللتين ترأستهما، في إتمام معالجة عدد من القضايا والمسائل التي سعينا جادين أن نحقق فيها إنجازات. وربما يعود السبب الأساس في ذلك إلى الضغوط والانسدادات التي اعترضت طريقنا بالرغم من محاولاتنا الجادة والمتكررة. لكني بالرغم من ذلك، فأنا أعتبر أننا نجحنا في رئاسة الحكومة، أنا والزملاء الوزراء، في تحقيق إنجازات جذرية وأساسية كثيرة وعلى أكثر من صعيد، وأنا شديد الاعتزاز بما أنجزناه.
حين شارفت على الانتهاء من مهماتي في رئاسة مجلس الوزراء في حكومتي الثانية التي ألفتها إثر اتفاق الدوحة، تمنى علي وبشدة رئيس “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري الترشح لشغل المقعد النيابي عن مدينة صيدا الى جانب زميلتي السيدة بهية الحريري وكذلك لأتولى رئاسة الكتلة النيابية ل”تيار المستقبل”.
وبعدما حصلت في الانتخابات النيابية على ذلك التكليف، العزيز على قلبي، من أبناء مدينتي صيدا، فإنني وفي ممارستي العمل النيابي، سعيت وإلى جانب اهتماماتي الوطنية والعربية إلى أن أؤدي دوري النيابي في التشريع والرقابة والحفاظ على سلامة توجهات بوصلتي في الشؤون الوطنية والسياسية والمالية والإدارية وأصول الحكم الرشيد، مستلهما بذلك أهم التجارب في العمل النيابي الديموقراطي. كذلك فقد حرصت على أن أشكل نموذجا جديدا في العمل النيابي عن مدينة صيدا مستفيدا في ذلك مما راكمته من علاقات متميزة، لبنانية وعربية ودولية، من أجل استيلاد الأفكار والمبادرات الجديدة والخلاقة وتطويرها لتحقيق النهوض المنشود في مدينة صيدا. وفي هذا السبيل أيضا، عملت من أجل تأمين موارد مالية معتبرة على شكل هبات لتمويل جزء مهم من المشاريع التنموية والاجتماعية العديدة التي أطلقناها، أنا والسيدة بهية الحريري، في مدينة صيدا، وهي المشاريع والمبادرات التي أسهمت في حركة إعمار ونهوض كبيرة وغير مسبوقة في المدينة، والتي تؤسس أيضا لتعزيز حركة نهوض اقتصادي واعد فيها. كذلك أيضا، فقد أطلقت مجموعة من المشاريع التنموية والمبادرات على صعيد لبنان وفي عدد من المناطق اللبنانية خارج مدينة صيدا، من خلال الهبات التي سعيت أيضا الى الحصول عليها لمصلحة تلك المناطق. ولقد استند ذلك كله بداية إلى توفيق من الله وإلى رؤية حرصت على أن تظل واضحة مصممة ومثابرة ومتابعة، وكذلك أيضا مستندة إلى الثقة التي حظيت بها على أكثر من صعيد وطني لبناني وعربي ودولي من أجل الحصول على تلك الهبات لتنفيذ تلك المشاريع الإنمائية.
كذلك فقد عملت وبالتعاون مع زملائي النواب من أجل مأسسة كتلة “المستقبل” النيابية بما أبرز حضورها وفاعليتها ودورها في مختلف جوانب الحياة السياسية اللبنانية على مدى السنوات التسع الماضية.
وأنا تغمرني السعادة ويملأني الرضى في ما حققته في هذه المجالات.
لماذا إذا قرار العزوف عن الترشح للانتخابات النيابية اليوم؟
أما وقد أنجزت ما أمكنني إنجازه بكل فخر واعتزاز وما حققته لوطني لبنان ولعاصمته الحبيبة بيروت ولمدينتي وأهلي في مدينة صيدا وكذلك لمواطنين لبنانيين في مناطق عديدة أخرى من لبنان، فإن هذا هو ما يحفزني على متابعة مسيرة تلك الإنجازات في المستقبل.
إلا أنه ولما كانت اقتناعاتي لا تتفق مع المبادئ والمتطلبات السياسية والأسس التي قام عليها قانون الانتخاب الحالي، والذي بنظري يتعارض مع الدستور في طريقة تشكيل وتقسيم الدوائر الانتخابية، الذي يجعله الأقرب إلى ما سمي خطأ “القانون الأرثوذكسي”. وكذلك بسبب طريقة الانتخاب التي تعتمد على الصوت التفضيلي، وأيضا بسبب اللوائح المقفلة التي تحرم المواطن حرية الاختيار، بما يسيء إلى ديمقراطية الانتخابات، ويهدد الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وبكونه أيضا يقسم البلاد إلى وحدات طائفية، بما يزيد من حدة الصراع بين المرشحين بداخل اللوائح الواحدة، ويؤدي إلى فوز الأكثر تطرفا في دوائرها. هذا فضلا عن انه لا يعطي أي دور للبرامج الانتخابية التي يقوم عليها نظام الانتخاب النسبي، والتي تمكن الناخبين من التصويت لمرشحيهم على أساسها.
كذلك أيضا وحيث إن اقتناعاتي لا تتفق مع الخطوات المطلوب القيام بها ومنها بعض التحالفات المرحلية، للفوز في الانتخابات المقبلة، فإني رأيت من الأفضل لي ولتجربتي السياسية والوطنية أن أبقى خارج المنافسة النيابية المقبلة وأن أتفرغ لعملي العام والوطني خدمة للبنان الوطن ككل ولمدينتي صيدا، ولذلك فإني أعلن عزوفي عن الترشح.
إنني وبكل صلابة مستمر في العمل العام، الوطني والسياسي الآن، وفي المستقبل وأكون داعما الرئيس سعد الحريري، وملتزما قبل ذلك وبعده نهج تيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري بكل اقتناع وجهد ومن دون أي تردد، وسأستمر في سعي دائم في أي مكان ومن أي موقع كنت فيه وتحت أي ظرف كان من أجل:
1 – الدفاع عن سيادة لبنان وحريته واستقلاله، والدفاع عن اتفاق الطائف واستكمال تطبيقه، والحرص على الاحترام الكامل للدستور اللبناني ولسلطة النظام والقانون. وكذلك الدفاع عن استقلال القضاء وعدم استتباعه، واعادة الاعتبار الى الدولة العادلة والقادرة والرشيقة والرشيدة، ولاحترام معايير الشفافية والتنافسية. وكذلك اعادة الاعتبار الى سلطة الدولة الكاملة وغير المنقوصة على كل لبنان، واعتماد سياسة الإصلاح الحقيقي، بحيث لم تعد تجدي المراهم، بهدف تحقيق النهوض بأشكاله كافة. وفي ذلك كله، سأتعاون مع كل من يلتزم بالفعل هذه المبادئ.
2 – إعادة الاعتبار الى مبادئ احترام الكفاية والجدارة والأداء والانجاز في تولي المسؤوليات العامة، مع احترام التوزيع الطائفي وفي الحدود التي يؤكدها الدستور ولا سيما في ما تنص عليه المادة 95 من الدستور. وكذلك الحرص على مبادئ الحوكمة والمسؤولية على قاعدة أن لا أحد هو فوق المساءلة والمحاسبة على أساس الأداء. والحرص على عدم استتباع الدولة وإداراتها لمصلحة الأحزاب والطوائف والميليشيات، حرصا على المبادئ الواجب الالتزام بها من أجل التصدي العملي والفعلي للفساد والإفساد وأدواته ودعاته.
3 – الانفتاح على الشباب بشبابهم وشاباتهم، وتأكيد دور المرأة في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي جميع مواقع المسؤولية، وتأكيد التعليم وجودته لأجيالنا الصاعدة لكونها تمثل مستقبل لبنان، وأن الاستثمار في تعليمها وفي رفع وتعزيز مستويات كفاياتها ومهاراتهم وتلاؤمها مع حاجات مستقبل لبنان وتطور اقتصاده نحو اقتصاد المعرفة هو الاستثمار الأفضل للبنان في التحول إلى مجتمع الكفاية المتلائم مع متطلبات الاقتصادات الحديثة.
4 – العمل الدائم والمثابر لتحصين الوحدة الوطنية والانصهار الوطني والعيش المشترك بين كل اللبنانيين، والبعد كل البعد عن إثارة النعرات والانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية، والحفاظ على النموذج اللبناني كرسالة لهذا العيش المشترك والذي لشدة ما يحتاج إلى أن يكون اللبنانيون هم رسل هذا العيش بأدائهم وممارساتهم.
5 – التزام لبنان عروبته وانتماءه العربي ولكونه عضوا مؤسسا في جامعة الدول العربية، ومن ضمن ذلك، التزام قضية الشعب الفلسطيني، وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، والتزام العلاقات المتميزة مع جميع الدول العربية والقائمة على الاحترام المتبادل، وبخاصة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي وجمهورية مصر العربية ودول المشرق العربي والمغرب العربي كافة، ومع جميع الدول الصديقة على قاعدة الندية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول باعتبار ذلك كله ضمان وجود وأفق وصونا لمصالح لبنان ومستقبله ومستقبل أبنائه.
6 – الحرص على احترام الدولة اللبنانية للشرعية الدولية وقراراتها الضامنة لحدود لبنان وحقوقه، والمنظمة لعلاقات لبنان بالعالم.
وعلى ذلك أعاهد اللبنانيين”.
أسئلة وأجوبة
سئل: هل تبقى رئيس كتلة “المستقبل” أو ستبقى تشارك في اجتماعات الكتلة المستقبل؟ وهل لقرارك بعدم الترشح أي علاقة بالشائعات والاقاويل غداة الاستقالة التي قدمها الرئيس سعد الحريري من الرياض؟
أجاب: “سأكون قريبا جدا من كتلة “المستقبل”، ولكن لكوني لن اكون نائبا لن اكون رئيسا لهذه الكتلة، كما كنت واضحا وصريحا في الكلام انني انتمي الى هذا التيار وسأكون داعما للرئيس سعد الحريري.
اما عن الكلام الذي نسج، فعلى مدى الخبرة التي اكتسبتها مدى الـ 26 عاما دائما كنت أرشق بالحجارة وتعلمون ان احدا لا يرشق شجرة يابسة لا تحمل ثمرا اذ دائما ترشق الشجرة التي تحمل ثمرا، وبالتالي “ضايق بعينن” كل يوم قصة وكل يوم حكاية. والكلام الذي أدليت به من القصر الجمهوري بعد الاستشارات التي اجراها فخامة الرئيس كان واضحا جدا في الموقف الصارم والواضح وهو أولوية عودة دولة الرئيس سعد الحريري، كما كانت بيانات كتلة “المستقبل” التي كانت تصدر كل يوم برئاستي واضحة كل الوضوح، هذا كله من نسج خيال جموح يريد ان يحاول ان يشوه وكان يقوم بهذا العمل وهو مستمر وسيبقى ولكن من دون طائل”.
وقال ردا على سؤال: “ما يسمى الامل والشكوك واليأس وعدم اليأس كلها حالات فردية وشخصية ونفسية، انا مؤمن بأن هذا سيتحقق مهما مرت الايام ومهما كانت الصعاب ومهما واجهنا من محن ومآس، الامر كالنافورة ترتفع وترتفع وفي النهاية تنزل على الارض.
قلت في بداية احدى مداخلاتي في المجلس النيابي في العام 2017 “نعم نستطيع”، وأنهيتها باستشهاد بأحد أبيات الشعر من قول المتنبي “ابدا اقطع البلاد ونجمي في نحوس وهمتي في سعودي”، أي اينما اذهب ارى ما يبعث على اليأس والفشل والاحباط والنحس ولكن همتي وعزيمتي وارادتي تبقى عالية علو نجم في السماء اسمه سعود.
قيل له: ألا تعتبر ان اسباب العزوف غير مقنعة على الاقل بالنسبة الى مناصريك وهم كثر، وبالتالي الا تستحق ان تستمر في النضال من الداخل وليس من الخارج؟
أجاب: أنا اقدر جدا حقيقة ولا تستطيعون ان تتصوروا الاتصالات التي تلقيتها والاجتماعات التي جرت معي ووفي مقدمها زيارة الرئيس الحريري، ولكن على فترة اكثر من لقاء مع الرئيس سعد الحريري الذي كان يشدد ويتمنى بشدة ان استمر واترشح عن مدينة صيدا وآخرها ما جرى مساء البارحة، ولكن تقويمي لكل الامور يدفعني الى اتخاذ هذا الموقف وانا مرتاح مطمئن، وانا ايضا مؤمن بأني سأتابع هذه المسيرة وسأبقى الى جانب جميع اللبنانيين من اجل هذه القضايا. وأنا اعتقد انني لست وحدي بل معي الالاف من الناس الذين يؤمنون، وبالتالي مهم كثيرا ان نضع البوصلة هذه البوصلة التي تجعلنا نرى الصح والخطأ، وبالتالي نقيس تقدمنا وفق هذه البوصلة لأن الشخص عندما يضيع البوصلة يضيع مساراته وهذه البوصلة وهذه الافكار التي طرحتها ليست افكارا جديدة على اللبنانيين وهي افكار يؤمنون بها ويتحسسون من اجلها ويتمنون ان يسود فعليا هذا الحكم الرشيد الذي نستطيع به ان نبني دولتنا التي لا قوة اخرى ان تتنافس او تحشرها في دورها، بل على العكس تكون هذه الدولة قادرة على ان تحقق امال اللبنانيين بعد عندنا امل؟ نعم انا ذكرت انه انتهى وقت المعالجة بالبراهم نعم قلتها مرة وقلتها في السابق مرات عديدة: نحن في حاجة الى عملية اصلاحية جذرية ونريد ان نعمل جميعا بموضوع الافساد. كل اللبنانيين يشكون من موضوع الافساد فكيف لا يكون الافساد وبالتالي الدولة اصبحت متناثرة مستتبعة من كل الاحزاب والميليشيات وكل واحد يأخذ مدير من هنا وموظفا من هنا ومجموعة من هناك وكيف ستصبح دولة؟ اذا لم تكن دولة ويعود الولاء فيها للدولة والدولة واحدة فعبثا يبني البناؤون”.
سئل: هل انت راض عن عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية و”تيار المستقبل” كما شاهدنا هذا الامر من خلال الزيارة الاخيرة للرئيس سعد الحريري للرياض، وهل انت راض عن عدم التحالف مع “حزب الله” وانت من خلال كلامك تنأى بنفسك عن التحالف في دائرة صيدا – جزين مع “التيار الوطني الحر”.
أجاب: “انا لم اتحدث بما يتعلق بدائرة صيدا – جزين. أنا تحدثت عن كل الانتخابات وانا جد سعيد بهذه الزيارة الاخيرة التي قام بها الرئيس سعد الحريري وهذه العلاقة التي تمثل ليس فقط علاقة مع المملكة العربية السعودية مع الخليج ومع كل الدول العربية لأنه، في النهاية، يجب ان ننظر الى مصلحة اللبنانيين ومصلحتهم في اقتصادهم وهذه المصالح لا تتعزز الا بعلاقات سوية مبنية مع جميع الدول العربية ولا سيما مع تلك التي لدينا معها علاقات اقتصادية كبيرة جدا وايضا علاقات من اللبنانيين في هذه البلدان. لكن انا دائما مع العلاقات السوية مع الدول العربية ومع الدول الصديقة المبنية على احترام الدولة واحترام سلطتها وعدم التدخل في شوؤنها الداخلية وليس فقط بالكلام ننأى بالنفس لا بل ان نمارسه فعلا”.
سئل: يحكى ان دائرة صيدا – جزين لا تحتمل وجودك ووجود بهية الحريري لأنكما ستأخذان اصواتا من بعضكما البعض، هل هذا السبب الاساسي لعزوفك عن الترشح وهل كان ذلك طلب الرئيس الحريري ان تتخذ هذا الخيار الانسحاب لمصلحة السيدة بهية الحريري؟
أجاب: “انا تحدثت وقصدت بالكلام ان هذا القرار اتخذه سعد الحريري لا انا، وماذا تريد ان اقول اكثر من ذلك وكم مرة تحدث معي الرئيس الحريري وتمنى علي وبشدة ان استمر، وآخرها ليل البارحة وطلبت منه ان افكر بالموضوع حتى صباح الغد، لكن الحقيقة عدت الى نفسي وبالتالي اعتقد، واتمنى ان اكون مخطئا، ان هذا القانون حاليا فيه مطبات عديدة، وبالتالي سيكون لهذا القانون تداعياته الكثيرة، ونأمل، ان شاء الله، ألا تنعكس علينا في المستقبل، لأنه عمليا ما سيحصل ان كل نائب في كل لائحة وكأنه يحمل خنجرا يطعن به زميله، ليس فقط خصمه. هذا من ضمن الامور التي لا اريد عبرها ان ألعب هذه اللعبة. أهم سمة في النظم الديموقراطية انهم يجربون، وعندما تاتي التجربة خطأ يعدلون”.
سئل: هل من المعقول من وراء هذا القانون تأتي اكثرية ل”حزب الله” وحلفائه ويقال ان الحزب عندها يمد سيطرته السياسية على البلد بموازاة سيطرته العسكرية؟
أجاب: “طبيعي، هذا القانون “بطيخة” لا احد يعلم ما سيحصل. لكن اقول دائما إن على الانسان احترام نتائج الانتخابات مهما كانت، نريد انتخابات وهذا حق اللبنانيين ولا يجوز ان يصار الى تأجيلها مهما كان. في النهاية، يرى اللبنانيون ما هي النتائج والمصالح وتأثيراتها وتداعياتها، وبالتالي عندما يذهب كل شخص الى الانتخابات يضع في عقله وضميره ووجدانه مصلحة لبنان، ليس فقط دائرته، بل أين مصلحة لبنان الا نكون في حال عدم تلاؤم مع محيطنا العربي، يجب ان نكون دائما شديدي الحرص على التلاؤم مع محيطنا العربي”.
سئل: عندما ابلغت الرئيس سعد الحريري ترددك في الترشح حفاظا على وحدة صف تيار المستقبل في صيدا، هل عرض عليك بديلا ان تترشح في بيروت أو في طرابلس؟
أجاب: “عرض علي كثيرون الا انني لم أوافق”.
قيل له: بدنا نشتقلك دولة الرئيس.
أجاب: “تعلمت من والدي رحمه الله امر لا ازال اذكره، كان يقول لي يا ابني الله يرحم من أبكاني والله لا يرحم من أضحكني، من ابكاني بكي علي ومن أضحكني ضحك علي، “انا ما اشتغلت هالشغلة”.