حازَت جزين في عطلة نهاية الأسبوع «حصّة كبيرة» من النقاش الإنتخابي العالي المستوى، خصوصاً بعد تَفجير «التيار الوطني الحرّ» مفاجأة من العيار الثقيل تمثّلت في إبلاغ مرشّحيه عن المقعد الكاثوليكي أنّه كـ»تيار» لن يُرشّح كاثوليكياً، بل سيكتفي بترشيح مارونيّين اثنين، هما النائبان أمل أبو زيد وزياد أسود.
تُشكّل جزين مع صيدا دائرة واحدة. ففي جزين هناك مقعدان مارونيّان ومقعد كاثوليكي من حصّة «التيار الوطني الحرّ»، بينما هناك نائبان سنّة في صيدا هما من حصة تيار «المستقبل»، ويَسعى كل من التيارين للحفاظ على رصيده ومنع الخرق الذي بات في ظلّ النظام النسبي محتّماً، أقله بمقعد واحد في الدائرة.
خبر تخلّي التيار العوني عن مرشّحه الكاثوليكي إنتشر منذ يوم الجمعة الماضي، ومتابعةً للتطورات، عقد «التيار» خلوة في جزين السبت خُصِّصت للبحث في خلفيات الاستغناء عن هذا المقعد وصورة المرحلة المقبلة. واعتبر بعض العونيّين المشاركين في الخلوة أنّ هذا الامر قد يُزعج بعض المُحازبين الكاثوليك الذين يُمثّلهم «التيار» وكانوا يُفضّلون الإبقاء على المرشح الكاثوليكي.
ويقول مصدر جزّيني في «التيار»، لـ»الجمهورية»، إنّ هدف «التيار» هو حصد المقاعد المسيحية الثلاثة وعدم السماح لمرشّح حركة «أمل» بخرق جزين مجدّداً، ومن أحد أهمّ أسباب الاستغناء عن الكاثوليكي، هو إفساح المجال أمام مرشح «القوات» عجاج حدّاد، بحيث يخرق هو وليس مرشح «أمل».
ويُشدّد المصدر على أنّ «العمل جارٍ على قدمٍ وساق من أجل التحالف مع «القوات»، خصوصاً أننا خضنا المعارك البلدية والإنتخابات الفرعيّة سوياً».
وفي السياق، تُجري الماكينة العونية حسابات دقيقة، فهي تعتبر أنّ تحالفها مع تيار «المستقبل» كان سيمنحها مقعدَين مسيحيّين في جزين، هما بالتأكيد الماروني والكاثوليكي، وبالتالي سيسمَح لمرشح الرئيس نبيه بري بالخرق، أمّا في حال التحالف مع «القوات» فإنّ ذلك سيُصعّب مهمّة المرشح ابراهيم عازار أكثر.
وبحسب الماكينة، «يستطيع التيار العوني تجيير أكثر من 17 ألف صوت، وقد ارتفعت نسبة التأييد المسيحي خصوصاً بعد الإشكال الذي وقع بين برّي والوزير جبران باسيل، وحتى لو قرّر «حزب الله» دعم عازار، فإنّ أبو زيد يَمون على نحو 1000 صوت شيعي في مليخ وقرى الجوار، فيما أسود قويّ في جزين المدينة والبلدات المسيحية، وفي حال نجَح التحالف مع «القوات»، سيكون الرأي العام المسيحي الى جانبنا».
تُحاول معظم الأطراف في صيدا وجزين قراءة الرسالة العونية جيداً، وأولى المتفاعلين معها كان تيار «المستقبل»، حيث اعتبر أنّ سحب المرشح الكاثوليكي هو «بمثابة جس نبض أو رسالة إيجابية تُوَجّه لنا».
وتؤكّد مصادر تيار «المستقبل» في صيدا لـ»الجمهورية»، أنّ «التوافق في جزين بين العونيّين و»القوات» يسهّل مهمّتنا، فليتوافقوا هم و»الباقي في صيدا علينا».
ويستبعد «المستقبل» أن يكون سحب المرشّح الكاثوليكي، يأتي في إطار تبادل المرشّحين بين «المستقبل» والعونيّين، أي أن يُرشح «المستقبل» مسيحياً في جزين، ويرشح العونيون سنياً في صيدا، «فهذا الأمر يحتاج الى قرار سياسي كبير، غير متوافر، فكلّ فريق يرشح في القضاء القوي فيه، والأهم حالياً بالنسبة إلينا هو اتفاق «القوات» و»التيار الوطني الحرّ» في جزين، ونحن معهم».
يعلن الرئيس فؤاد السنيورة في الأيام المقبلة عزوفه عن الترشّح للإنتخابات، ويبحث تيار «المستقبل» عن إسم بديل يخوض المعركة الى جانب النائب بهية الحريري، ويحاول «المستقبل» الاحتفاظ بمقعديه الصيداويين، خصوصاً لِما لصيدا من رمزية خاصة.
وتعمل الماكينة الإنتخابية على توزيع الأصوات التفضيلية بين المرشحين، ومنع رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» النائب السابق أسامة سعد من الخرق، ويَستنفر «المستقبل» من أجل هذه المهمة، حيث يعتبر أنّه قادر على تأمين 1.8 أي أقلّ من نائبين، والفوز ليس مستحيلاً، خصوصاً في حال تحالف «القوات» والعونيين في جزين، مع أنّ عدم الخرق يحتاج الى جهد مُضنٍ».
من جهتها، تستعدّ «القوات اللبنانية» للمعركة الإنتخابية جيداً، وتعلم أنّ فرَص تحقيق الفوز هذه المرة مرتفعة بسبب اعتماد النظام النسبي، وتعمل على تنظيم صفوفها من أجل حشد اكبر دعم لمرشحها عن المقعد الكاثوليكي عجاج حداد، والذي نال في انتخابات العام 2009 أكثر من 6000 صوت.
وتؤكّد الماكينة القواتية أنّ الحزب تقدّم عن انتخابات 2009، فهناك 1200 محازب يحملون بطاقة، وعدد لا يستهان به ممّن يريدون الإنتساب إلى الحزب، إضافة إلى المناصرين والقواتيين غير الملتزمين.
وقد تلقّت «القوات» خبر استغناء «التيار» عن مرشحه الكاثوليكي بإيجابية، حيث يؤكد حداد لـ»الجمهورية» أنه «عندما تتشكّل لائحة، سأفوز حكماً، إذ إنّ حضورنا بات يتخطى الـ6000 صوت، والنتيجة التي سأحصدها ستفاجئ الجميع، وهذا بسبب عملنا الدؤوب ووجودنا الى جانب أبناء جزين».
ويُشدّد حداد على أنّ كل شيء وارد وخصوصاً التحالف مع «التيار»، فنحن وهم بتنا حلفاً واحداً، وقد ساعدنا ما حصل مع باسيل ووَحّدنا، إذ إنّنا نرفض التعرّض للمناطق المسيحية».
ويعتبر أنّ «الأصوات الشيعية لا تكفي عازار للفوز، خصوصاً أنّ وضعه مسيحياً ليس جيداً، ونحن و»التيار» نملك النسبة الأكبر من التمثيل المسيحي، ومتفقون في جزين على الوقوف معاً حتى لو لم نكن على اللائحة نفسها».
في المقابل، بدأت ملامح اللائحة المقابلة لتحالف «القوات» و»المستقبل» و»التيار الوطني الحرّ» بالظهور، وهي ستتألف من أسامة سعد في صيدا ولن يكون معه مرشح صيداوي آخر، وإبراهيم عازار في جزين من دون ماروني ثان، إضافة الى مرشح كاثوليكي لم تحسم هويته بعد.
وفي وقت يعلن بري أسماء مرشّحيه اليوم، يؤكد عازار لـ»الجمهورية» أنّ «قرار خوض الانتخابات نهائي ونعمل بين أهلنا في جزين»، موضحاً أنه «من الآن وحتى 10 أيام ستتوضّح ملامح اللائحة»، لافتاً الى أنّه «ليس مرشحاً حزبياً في حركة «أمل» كما يحاول العونيون التسويق».
ويقول: «لا مشكلة عندي في التحالف مع «القوات»، وهناك مشكلتان لا تسمح لهم بالانضمام إلينا، أولاً خلافهم مع «حزب الله»، وثانياً الابتعاد السياسي مع اسامة سعد».
ويلفت الى أنّ الخلافات «هي داخل الفريق العوني»، مشدداً على أنّ «حزب الله» و»امل» أعلنا تحالفهما، وبالتالي ستذهب اصواتهم إلينا».
ويشير الى أنّ هدف إشكال باسيل مع بري «هو شدّ العصب المسيحي والتأثير في المعركة عموماً، وفي جزين خصوصاً، لكنّ الناس أدركت هذا الامر»، مؤكداً «أنّه يضع في حساباته انّ «القوات» و«التيار» فريق واحد حتى لو لم يخوضا الانتخابات على اللائحة نفسها».
إذاً، أيام قليلة وتتّضح صورة المعركة في جزين. وفيما يحلو لـ«التيار العوني» أن يُطلق على «عروس الشلال» تسمية «بشرّي العونيين»، فإنّ صيدا تعني لـ«المستقبل»، برمزيتها، ما تعنيه بشري لـ»القوات». فهل ينجو التياران من الخرق في عقر دارهما؟