صحيفة “الديار “: عاد الملف الامني الى الواجهة من جديد مع تحذير السفارة الكندية في بيروت رعاياها من السفر الى لبنان، وذلك في سياق ما اعتبرته اوساط مطلعة بداية رفع سقف الضغوط على حزب الله، خصوصا انها حددت مناطق في الضاحية الجنوبية، وحذرت الكنديين من زيارتها تخوفا من وقوع اعتداءات ارهابية..؟ هذا التحذير جاء بعد ساعات على تفجير صيدا الذي استهدف احد قياديي حماس محمد حمدان، ووفقا للمعلومات فقد بدات تتجمع “خيوط مهمة” في هذا الاستهداف الذي يحمل “بصمات” اسرائيلية، وتتابع الاجهزة الامنية عملها للكشف عن المتورطين “العملانيين” على الارض بعد ان اتضح ان التفجير حصل عن بعد…”ضغوط اميركية”
هذه المناخات “الملبدة” لم تكن مفاجاة لاوساط وزارية بارزة، أكدت ان هذه الاجواء المتوترة داخليا سبقتها مؤشرات اميركية مقلقة، افصح الاميركيون عن الاسباب الكامنة وراء رفع الضغوط على الحزب، وجاء شرح الاسباب على شكل “تهديدات مبطنة” حملت من جهة الحرص على استقرار لبنان في ظل ما يسميه الاميركيون رغبة اسرائيلية في التصعيد، ولكنها من جهة اخرى حملت نوعا من “الشروط ” الاسرائيلية لكبح جماح الحزب في سوريا وعلى امتداد الجبهة الشمالية وصولا الى فلسطين.. “والا” .
“مطلب وضمانتين”
وتفيد تلك الاوساط التي اطلعت على فحوى لقاءات للسفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد، ووفود اميركية غير مدنية، مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، جرى بعضها بعيدا عن الاضواء، ان اللهجة الاميركية تبدلت واصبحت اكثر حدة من قبل.. ولفتت الاوساط الى ان الاميركيين يحصرون مطالبهم هذه المرة بعيدا عن الداخل اللبناني، فالمعطيات لديهم ان الانتخابات النيابية ستعزز وضع الحزب في الداخل، ولا جدوى من اي تجميع “للاعداء” في مواجهته لانه محصن ضمن طائفته ونجح في تشكيل “شبكة” من العلاقات مع الاطراف الاخرى يصعب خرقها… ولذلك فان الضغط على الحزب ينحصر في سوريا وعلى الحدود الجنوبية ودوره داخل فلسطين …
ونقل الاميركيون مطلبا واضحا لوقف حزب الله العمل مع الحرس الثوري الإيراني جنوب سوريا وبالقرب من خاصرة اسرائيل فالمعطيات الأمنية الاميركية المتطابقة مع معلومات استخباراتية عربية تتحدث عن عمل منهجي يتم العمل عليه لاستنساخ حزب الله جديد بنسخة سورية بالقرب من المثلث الاردني ـ السوري- الاسرائيلي، وهو ما تعتبره اسرائيل خطرا استراتيجياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولم تنجح في هذا السياق ترتيبات خفض التوتر التي دخل فيها الاردن بشراكة مع روسيا، ورضا اميركي في منع حزب الله من مواصلة العمل في تلك المنطقة، ولم تنجح الغارات الاسرائيلية المنتقاة بعناية في خلق جدار من الردع هناك، والعمل مستمر، فيما يستعد حزب الله مع الجيش السوري بعد استعادة السيطرة على معظم “سوريا المفيدة” والتقدم نحو مدينة إدلب في شمال سورية، لشن هجوم وشيك لضرب المتمردين واقتلاعهم من المناطق المحاذية لإسرائيل في هضبة الجولان، هذا ما قاله الاميركيون حرفيا، اضافة الى بحثهم عن ضمانتين لصالح الاسرائيليين.
تقديرات “خاطئة”
وفي هذا الاطار، يعتبر الاميركيون انه اذا كانت تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية عام 2018 قد أكدت ان احتمالات تعرض إسرائيل الى هجوم وشيك هي احتمالات ضئيلة تصل إلى “الصفر” تقريبا، فان الاميركيين يملكون تقديرات مختلفة تشير الى ان ازدياد خطر التدهور إلى درجة الوصول إلى حرب احتمال قائم، فالاستخبارات الاميركية قلقة جدا من سيناريوهين محتملين، أولا حصول تدهور مفاجىء على الجبهة الشمالية نتيجة رد حزب الله على الغارات الإسرائيلية في سوريا، والثاني اشتعال الساحة الفلسطينية مجددا بعد عودة “الحياة” الى “الشريان الحيوي” الممتد من طهران وصولا الى غزة، وقد عادت “بصمات” حزب الله لتظهر بشكل جلي في الاراضي الفلسطينية، سياسيا، وعسكريا..
وقد اشاروا الى ان ما اشعل “الضوء الاحمر” في اسرائيل، وبصورة استثنائية عودة كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لفتح الى التحرك، في ظل معلومات عن عودة التواصل مع حزب الله.. ولفت الاميركيون انهم يبذلون جهودا مضنية ايضا في قطاع غزة من أجل احتواء العنف والامتناع عن تدهوره إلى مواجهة عسكرية… بعد ان ازداد عدد الطائرات من دون طيار والتي يطلقها الفلسطينيون، وهو امر تعتبره اسرائيل جزء من حاولة لجمع معلومات تمهيدا لعمليات عسكرية، وهذه التكنولوجيا يستخدمها بكفاءة عالية حزب الله في سوريا وبات الآن في متناول حركتي “الجهاد” و”حماس” في القطاع..
“تهديد مبطن”
وتم ابلاغ الجانب اللبناني، ان الولايات المتحدة لم تعد قادرة على “كبح جماح” الاسرائيليين في التدخل اكثر بشكل منهجي ومتدرج صعودا في سوريا بسبب تدهور الوضع الاستراتيجي على الجبهة الشمالية، وكلما زادت هجمات إسرائيل يزداد الاحتكاك المحتمل خصوصا مع حزب الله ويزداد الخطر الذي قد يستدعي ردا اكثر عنفا….وقد سرب الاميركيون معلومات مقصودة عن توجهات اسرائيلية لتوسيع رقعة الهجمات وتكثيفها واشاروا الى ان اجتماع المجلس الوزاري الاسرائيلي يوم الاحد الماضي خلال الجلسة المطولة التي عقدت للبحث الوضع في الجبهة الشمالية، انتهى الى اتخاذ قرار بالتحرك اكثر على الجبهة الشمالية ولن يقتصر الامر على الاراضي السورية، ويبدو ان لدى الاسرائيليين توجه لتجاوز الحدود السورية واستهداف مناطق “نائية” داخل لبنان يشتبه بوجود اسلحة “كاسرة للتوازن”،لايصال “رسالة” “رادعة” لحزب الله… وذكر الاميركيين محدثيهم انه بعد ساعات من الجلسة، فجر يوم الثلاثاء شن الاسرائيليون هجوما استهدف مخازن أسلحة للجيش السوري وحزب الله في ضواحي دمشق بالطائرات وبصواريخ أرض ـ أرض اسرائيلية.. وفهم الجانب اللبناني ان الاميركيين يحاولون “ابتزاز” الحزب والمقايضة على هذا الملف من خلال تفعيل الاتهامات حيال تورط الحزب بتجارة المخدرات..
طبعا الجانب اللبناني الرسمي يتعامل بجدية مع هذه المعطيات الاميركية، ويدرك الاميركيون ان المطلوب من الدولة اللبنانية لعب دور “صندوقة البريد” لا اكثر ولا اقل، دون توقعات كبيرة ازاء ما يقدم ان تقدمه من ضمانات او وعود خصوصا ان حزب الله سبق ورفض مقايضات اميركية سابقة، لكن الخطير هذه المرة ان الاميركيين اوحوا في كلامهم انهم قدموا ما عليهم من “نصائح” وعلى الطرف الاخر تحمل المسؤولية…خصوصا ان البيت الابيض عمم قرارا عبر وزارة الخارجية يقضي بالتركيز في هذه المرحلة على “اذرع” إيران في المنطقة بعد تاجيل الرئيس دونالد ترامب قراره بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني…
صحيفة الديار