كتبت صحيفة “النهار” تقول: على رغم الإرادة الفرنسيّة الصادقة لمساعدة لبنان، وإعادة تعويم الحكومة، وعلى رغم حماسة رئيس الوزراء سعد الحريري في توفير الدعم للبنان كما كان يفعل والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخصوصاً في الأزمات، فإن مصادر وزارية متابعة لاستعدادات مؤتمر باريس – 4 تتخوّف من فشل تلك المبادرة وعدم بلوغها نهايتها السعيدة مالياً واقتصادياً. فالدعم السياسي متوافر أميركيّاً وأوروبيّاً قبل الدعم العربي المنقسم حيال لبنان، لكن حاجة لبنان الى مليارات الدولارات لا يمكن السياسة أن تسدّها.
وتحدثت المصادر الوزاريّة الى “النهار” فقالت إن الآمال المعلّقة على مؤتمر باريس – 4 مجرّد أوهام، وما تقوم به الدولة اللبنانيّة في انتظار نتائج المؤتمر تقرب من الكذب على الناس. فوزارة المال أرجأت دفعات ومتوجّبات إلى السنة 2018 كي تخفّف العجز في موازنة 2017 و”تجمّلها”، وما أخفته العام الماضي ستظهر نتائجه هذه السنة بارتفاع العجز بنحو 7 مليارات دولار إضافيّة. أمّا اعتماد مصرف لبنان هندسة مالية فلم يكن يهدف إلى جذب المال بقدر ما سعى إلى مساعدة المصارف على رفع رؤوس أموالها لضمان التزامها اتفاق بازل الذي الزم المصارف زيادة رأس المال لزيادة قدراتها التشغيلية والتوسع في ظل تبعات الازمة الاقتصادية حيث ستكون لديها القدرة على منح الائتمان على نطاق أوسع، كما ستعزز حركة رأس المال في ظل الحاجة إلى اتخاذ إجراءات من شأنها أن تساهم في ضخ السيولة في السوق.
أمّا توفير المال الإضافي فسيكون عبر رفع قيمة الفوائد على الليرة لزيادة الطلب عليها وعلى سندات بالعملة اللبنانيّة وتشجيع التحويلات من الدولار والعملات الأجنبيّة الأخرى إلى العملة المحلية، وهو ما بدأ يسلك طريقه حالياً.
ولكن لماذا التشكيك في نتائج مؤتمر باريس – 4 من الآن؟ عزت المصادر الوزارية ذلك الى أسباب سياسيّة وإداريّة وأخرى مالية.
– إن مؤتمر باريس – 3 في العام 2007 أتى بعد أشهر من عدوان تموز 2006 على لبنان وتعرّض البلد لدمار في بناه التحتيّة ما أثار تعاطفاً دولياً معه، وهذه الظروف تبدّلت حالياً.
– إن التعاطف والتضامن العربيّين كانت تقودهما المملكة العربية السعودية ودولة قطر متعاونة مع المملكة. لكن العلاقات المتأرجحة بين لبنان والمجموعة الخليجيّة، ما عدا قطر، قد ينعكس سلبا على النتائج المرجوة من باريس – 4، علما أن السعودية كانت في رأس قائمة المانحين عام 2007 وتعهدت دفع 1,1 مليار دولار من أصل 7,5 مليارات وعد لبنان بها.
– أما الجهة الأكثر تمويلاً فكانت أوروبا بنحو 1?750 مليار دولار توزّعت بين 1?250 مليار دولار من بنك الاستثمار الأوروبي و500 مليون دولار من الاتحاد نفسه. لكن أوروبا قبل عشر سنين غير أوروبا اليوم وهي تعاني انقسامات تهدّد الاتحاد وأزمات اقتصاديّة داخليّة. ولن يكون في وسع فرنسا فرض مساعدات على الاتحاد إلّا في ما يختص باللاجئين السوريّين لابعادهم عن حدودها. لذا فإن المبالغ المتوقّعة من أوروبا قد تكون هزيلة، ولا تسد جزءاً صغيراً من توقّعات لبنان البالغة نحو 15 مليار دولار.
– حصل لبنان على نحو 50 إلى 57 في المئة من تعهدات باريس – 2 (عام 2001) وباريس – 3 (عام 2007) لعدم تمكّنه من المضي في الاصلاحات المتّفق عليها وتالياً فإن المبالغ التي دفعت له على دفعات وتوزعت بين الهبات والقروض والمشاريع بلغت 2.6 ملياري دولار (من 4,4 مليارات موعودة) في باريس – 2 و3,2 مليارات (من 5,6 مليارات موعودة) في باريس – 3.
– تعهّد لبنان في مؤتمر باريس – 3 عام 2007 تنفيذ إصلاحات لتحفيز النمو الاقتصادي من خلال التشريعات والاجراءات التي تطاول الحوكمة وتحرير التجارة وتطوير الأسواق المالية، وتفعيل الشركة بين القطاعين العام والخاص، لكن معظم تلك التعهّدات ظلّت حبراً على ورق بعد مرور عشر سنين عليها.
– تعهّد لبنان خفض العجز المالي والحد من تنامي الدين العام عبر إقرار اصلاحات تطال السياسة الضريبية وقطاع الكهرباء من طريق اصلاحه بتحرير إنتاج الطاقة وإنشاء الهيئة الناظمة للقطاع تمهيداً لخصخصته. إلا أن الواقع يشير الى ازدياد أرقام الدين العام وارتفاع أرقام خدمة هذا الدين والاستدانة المتكرّرة بفوائد مرتفعة، هذا وظل قطاع الكهرباء يسبّب نزفاً للخزينة، ولم تتّخذ أي خطوة لتحرير الإنتاج أو لخصخصة القطاع..
– التزم لبنان خصخصة قطاع الاتصالات وتأسيس شركة تيليكوم لبنان وطرح رخصتي الخليوي للمزايدة. وقد سجّل لبنان مساراً انحداريّاً في هذا المجال ونشأت حول القطاع صراعات سياسيّة – مصلحية تتردّد أصداؤها في مجلس النواب وصولاً إلى القضاء. ولا تزال الدولة تملك القطاع من غير أن يتحقّق فيه تقدّم حقيقي.
وأضافت المصادر أن أمراً مُهماً أيضاً يتعلّق بالمشاريع التي أعدّها لبنان للمؤتمر المقبل وهي مشاريع غير مترابطة وغير منسّقة جيّداً بين الوزارات ولا تجمعها خطّة متكاملة ما يجعلها وحدة متكاملة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر لقيام بنية تحتيّة جيّدة ومشاريع إصلاحيّة وانتاجيّة واعتماد إشراك القطاع الخاص فيها. ولم تنشأ لدى رئاسة الجمهوريّة أو رئاسة الحكومة وحدة خاصة لربط المشاريع بل تم تجميعها في رزمة واحدة لتقديمها وهو أمر سينعكس سلباً على صدقية لبنان وعلى إثبات جدّية الحكومة في اعتماد خطّة واضحة ومدروسة.
هل يعني ذلك فشلاً حتمياً لمؤتمر باريس – 4 قبيل الانتخابات النيابية المقبلة؟ لا بالتأكيد، فالنتائج الحقيقيّة لن تظهر قبل الانتخابات، استناداً الى المصادر. لأن الاجتماع سيكون ناجحاً إعلاميّاً بحضور دولي حاشد، أمّا المساعدات فستتعهّد الدول درسها تم الاجابة عنها لاحقاً. وبذلك تنقضي الانتخابات على مؤتمر دولي يفيق بعده المسؤولون على أن الدعم السياسي لم يترجم مالياً… وتستمر الأزمة.