إن الذي ملأ اللغاتِ محاسنًا جعل الجمال وسره في الضاد
أحمد شوقي
العربية هي أكثر لغات المجموعة السامية انتشارا، كما أنها واحدة من أكثر اللغات انتشارًا في العالم حيث يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي السنغال وإرتيريا. اللغة العربية ذات أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها. العربية هي أيضا لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى(1).
وأثّر انتشار الإسلام، وتأسيسه دولاً، في ارتفاع مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية، تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.
واللغة العربية تُدّرس تدريسا رسميا أو غير رسمي في كثير من الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي، ففضلا عن أنها اللغة الرسمية في كل دول الوطن العربي، فهي كذلك لغة رسمية في تشاد وإريتيريا وإسرائيل.، كما أنها إحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأمم المتحدة.
قد كان التوازن بين اللغات الرسمية الست، أي الانكليزية والعربية والصينية والأسبانية والفرنسية والروسية، شغلا شاغلا لكل الأمناء العامين. واتُّخذت عدة إجراءات، منذ عام 1946 إلى يومنا هذا، لتعزيز استعمال اللغات الرسمية حتى تكون الأمم المتحدة وأهدافها وأعمالها مفهومة لدى الجمهور على أوسع نطاق ممكن.
وفي إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة لشؤون الإعلام قرارا عشية الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم الذي يُحتفل به في 21 شباط/فبراير من كل عام بناء على مبادرة من اليونسكو، للاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. و تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 كانون الأول/ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة 3190(د-28) (ملف بصيغة الـ PDF المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1973 وقررت الجمعية العامة بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
ويتمثل الغرض من هذا اليوم هو زيادة الوعي بين موظفي الأمم المتحدة بتاريخ كل من اللغات الرسمية الست وثقافتها وتطورها. ولكل لغة من اللغات الحرية على اختيار الأسلوب الذي تجده مناسبا في إعداد برنامج أنشطة لليوم الخاص بها، بما في ذلك دعوة شعراء وكتاب وأدباء معروفين، بالإضافة إلى تطوير مواد إعلامية متعلقة بالحدث.
وتشمل الأنشطة الثقافية: فرق العزف الموسيقية، والقراءات الأدبية، والمسابقات التنافسية وإقامة المعارض والمحاضرات والعروض الفنية والمسرحية والشعبية. كما تشمل أيضا تجهيز وجبات طعام تعبير عن التنوع الثقافي للدول الناطقة باللغة، وإقامة عروض سينمائية وحلقات دورس موجزة للراغبين في استكشاف المزيد عن اللغة.
كما وشارك وزير الثقافة الدكتور غطاس الخوري في احتفالية اليوم العالمي للغة العربية “اللغة العربية والتقنيات الجديدة”، بدعوة من منظمة اليونسكو في باريس، حيث ألقى كلمة لبنان تحت عنوان: “اللغة العربية والعلوم، العمق التراثي والبعد المعرفي” في مقر المنظمة، وفي حضور المديرة العامة اندريه ازولاي، رئيسة المؤتمر العام زهور العلوي وممثلي الدول الاعضاء والفاعليات الديبلوماسية والأدبية والثقافية.
وقال الخوري: “إسمحوا لي بداية أن أتقدم بالشكر من المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو، على قراره القاضي باعتماد يوم 18 كانون الاول يوما عالميا للاحتفال باللغة العربية. لغتنا العربية، لغة الضاد، التي تحفل بمفرداتها الرائعة، وإيقاعها المتميز، وسعة التعبير بمساحات لامتناهية، الإمكانات الكبيرة للبحث والتعبير.
لغتنا الجميلة، والتي سأشير إليها باللغة الأم في كلمتي هذه، كانت بالأمس البعيد لغة السياسة، والأدب، والشعر، والعلوم، والرياضيات، والطب، والفلك. أسس الأولون، عبرها وبواسطتها، قاعدة كبرى للمعرفة استفاد منها العالم أجمع، واستند إليها ليتابع ابحاثه المختلفة.
واضاف: ومن على هذا المنبر، إسمحوا لي بأن أنادي وألح في ندائي، على ضرورة التوفيق بين الفكر العلمي الغربي وبين الفكر العلمي الموروث، لضمان التحديث والسير بالفكر العربي في مسار التقدم والعالمية. وهذا ما اعتمده الكثير من الدول، التي حلقت في المجالات العلمية، مع محافظتها على مخزونها التراثي، مثل تركيا وروسيا وإسبانيا والصين وغيرها من الدول.
استنادا الى ذلك، وبغاية إثراء الموقف الثقافي العام، وانتشال الفكر العربي من وضعية الجمود والتبعية، اقترح اعتماد المنهجية التالية:
– اعتماد اللغة العربية لغة التدريس في المراحل التعليمية كافة.
– تدريس اللغات الأجنبية بشكل مدروس وهادف، بحيث يخرج المتلقي ملما، وبشكل جيد، بإحدى اللغات الاجنبية.
– حض الأهل، عبر حملات إعلانية مكثفة وموجهة وذكية، على مخاطبة أولادهم باللغة العربية، وإقناعهم بأن التكلم بلغة أجنبية ليس معيارا للحداثة والحضارة.
– تشجيع المطالعة باللغة الأم، وتشجيع الباحثين في مختلف الموضوعات، وخصوصا العلمية منها، على نشر ابحاثهم باللغة العربية”.
وختم: “لا نستطيع في هذه العجالة ان نستفيض أكثر، وخصوصا أن العنوان: “اللغة العربية والعلوم (العمق التراثي والبعد المعرفي)”، يلزمه الكثير من المؤتمرات والأبحاث والقرارات السياسية والأكاديمية. ولغتنا قادرة على مواكبة الركب العلمي العالمي، كما لدينا مخزون تراثي نفتخر به. ومن أجل ألا يقتصر دور لغتنا الأم على الشعر والادب، والخطابات السياسية الرنانة، لا بد من أخد المبادرة، والتخطيط لتبقى لغتنا العربية لغة العلم والعلماء”.