تبدو جلسة مجلس الوزراء غداً واعدة، في ظلّ الأجواء الإيجابية التي تعبّر عنها القوى السياسية حيال الملف النفطي واحتمال دخول لبنان «نادي الدول النفطية»، رغم أن بعض المصادر تبدو أقلّ تفاؤلاً لناحية إقرار الجلسة العروض التي توصّل إليها الوزير سيزار أبي خليل مع ائتلاف شركات دولية لمزيد من البحث
يفترض أن ينعكس الاستقرار السياسي الذي بدأت تعيشه البلاد والأجواء الإيجابية التي تعمّمها غالبية القوى السياسية، حول ضرورة تسريع الخطوات في ملفّ النفط والغاز، على جلسة مجلس الوزراء غداً. وفيما أكدت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» أن «الأمور منتهية، ولا نعتقد بأن أحداً يريد أن يقف في وجه دخول لبنان عصر الاستقلال المالي»، إلّا أن بعض التجاذب لا يزال يسيطر على إدارة الملفّ.
وفي هذا السياق، شهدت جلسة اللجان النيابية المشتركة أمس واحداً من فصول التنازع حول اختصاص مجلس النواب أو الحكومة في إعداد القوانين ومناقشتها، بما جعل الصورة مشوّشة بعض الشيء حول ما إذا كان مجلس الوزراء سيتمكن غداً من نقاش العروض التي توصّل إليها الوزير سيزار أبي خليل مع ائتلاف الشركات في ما خصّ التنقيب عن الغاز في الحقلين 4 و9، كما ورد في البند 46 من جدول أعمال مجلس الوزراء.
مصادر التيار الوطني الحر شدّدت على أن «الملف بات متفقاً عليه مالياً وسياسياً بين كل الأطراف، وائتلاف الشركات («توتال» الفرنسية و«ايني» الايطالية» و«نوفاتيك» الروسية) قدّم أسعاراً جيدة». واستبعدت أن يؤثر النقاش حول الصندوق السيادي وغيره من القوانين النفطية على سير الأمور جيداً في جلسة مجلس الوزراء، «لأن لدينا متسعاً كبيراً من الوقت للبحث في هذه الأمور… والمهم الآن أن يبدأ العمل بعدما تأخرنا كثيراً».
مصادر وزارية بارزة أخرى أكّدت لـ«الأخبار» ضرورة «ضبط التجاذب السياسي حتى لا نضيّع المزيد من الوقت على لبنان ونؤخّر البدء بالتنقيب عن النفط». وقالت إن «الأجواء الداخلية ممتازة، فلبنان واجه الإرهاب وواجه الخضّة السياسية الأخيرة وخرج منها قويّاً، وبالتالي يجب استثمار هذه الحالة لوضع ملف النفط على سكّته الصحيحة». ورأت المصادر أنه «في ظلّ الصراع مع إسرائيل، فإن ائتلاف الشركات الذي أبدى اهتمامه بالتنقيب عن النفط اللبناني يعدّ ائتلافاً اقتصادياً وسياسيّاً مهمّاً للبنان حيث يجمع أوروبا وروسيا. وبحسب معلوماتنا، فإن الأميركيين لم يبدوا أيّ اعتراض على ما يحصل، وهذا مشجّع للبدء بالعمل، كذلك فإن علينا الإسراع قبل أن تسبقنا إسرائيل إلى الأسواق».
وعلمت «الأخبار» أن المفاوضات بين أبي خليل وائتلاف الشركات تمحورت حول نقطتين تقنيتين؛ الأولى هي موعد البدء بالحفر، وتمّ الاتفاق على عام 2019 وعلى أن تكون الضمانة التي تودعها الشركات وتخسرها لمصلحة الدولة في حال التخلّف عن الموعد ما قيمته 45 مليون دولار. والثانية، هي الاتفاق على حصّة الدولة اللبنانية. وبما أن تحديد حصّة الدولة ليس ممكناً قبل البدء بالحفر وخضوعها لثلاثة معايير، تم الاتفاق على نسب تقديرية، فتكون في البلوك الجنوبي (9) بين 50 و60%، وفي البلوك الشمالي (4) بين 60 و70%. وتقول مصادر وزارية إن «النسبة في البلوك الشمالي تفوق المعدلات العالمية»، بينما هي في البلوك الجنوبي «توازي المعدّل العالمي، وهذا أمر ممتاز في الوقت الحاضر في ظلّ قرب البلوك من المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة والخوف من الصراع مع العدوّ الإسرائيلي». ووجهة النظر الوزارية هذه تشبه إلى حدّ كبير وجهة نظر وزير الطاقة.
غير أن مصادر أخرى بدت أقل تفاؤلاً، إذ رجّحت «أن يتمّ النقاش من دون اتخاذ قرار، فلا يزال التجاذب السياسي قائماً، فضلاً عن أن الملفّ الذي قدّمه أبي خليل كبير والوزراء يحتاجون إلى المزيد من الوقت لمراجعته».
وبعد أقل من ساعتين على بدء انعقادها، طارت جلسة اللجان النيابية المشتركة أمس، نتيجة فقدان النصاب فيها، من دون التطرق إلى أيّ من بنود اقتراحات القوانين الموجودة بين يديها، والتي تتعلّق بإنشاء الصندوق السيادي لأموال النفط والغاز، وإنشاء مديرية عامة للأصول البترولية في وزارة المال، وشركة البترول الوطنية. والسبب، بحسب مصادر نيابية في اللجان، هو «السجال حول الجهة المخولة دراسة مشاريع النفط وإقرارها، وسط تباين في الآراء بين فريق يطالب بإحالة الاقتراحات على اللجان الفرعية، وفريق آخر يطالب بدرسها في الحكومة». ولفتت المصادر إلى أن رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة «لا يزال يصرّ على أن مناقشة هذه القوانين يجب أن تكون في الحكومة، وفي حال عدم نجاحها في القيام بدورها، حينها يحق لمجلس النواب أن يحلّ محلها»، مشدداً على «ضرورة عدم مصادرة صلاحيات مجلس الوزراء». واستغرب عدد من النواب «إصرار السنيورة على التعامل مع هذا الملف بهدوء وببطء، كأنه يسعى إلى تأجيل إقرار الاقتراحات الرامية إلى حماية النفط تشريعياً»، وقوله أكثر من مرة «إننا نستعجل إقرار القوانين، علماً بأننا لسنا مضطرين لها»، و«إننا نختلف على جلد الدب قبل صيده».
وتحدث نواب عن غياب الإدارة الجدية عن الجلسة، ما تسبّب في فوضى دفعت عدداً من النواب الى مغادرة القاعة، ولا سيما بعد الإشكال بين النائبين محمد قباني وسيرج طورسركيسيان، على خلفية طلب الإذن بالكلام، إذ أصرّ الأخير على أن «أيّ نائب في المجلس لديه شخصية ويحق له أن يطلب الكلام»، فردّ عليه قباني بالقول «من ليس لديه شخصية لا يطلب الكلام».
مع ذلك، جرى التوصل إلى تأليف 3 لجان فرعية؛ الأولى متعلّقة بقانون النفط في البرّ برئاسة النائب جوزف المعلوف، والثانية بموضوع الصندوق السيادي والمديرية العامة للأصول البترولية برئاسة النائب إبراهيم كنعان، والثالثة متعلقة بشركة النفط الوطنية، فيما أكد قباني بعد الجلسة أن «هناك تفاهماً مع الحكومة على أن توقيت إنشاء هذه المؤسسات لن يكون فورياً، لأننا لا نريد إنفاق الأموال قبل أن نتأكد من التوقيت المناسب ووجود النفط في البحر اللبناني، باستثناء موضوع النفط في البرّ».
وفيما أيّد وزير الطاقة سيزار أبي خليل كلام السنيورة أن الاقتراحات يجب أن تناقش في الحكومة، قال «استمهلت اللجان المشتركة لأن المستند الذي نعمل عليه محضر من وزارة الطاقة نقوم بتطويره ونحتاج إلى أسبوعين». في المقابل، دعا وزير المال علي حسن خليل إلى أن «يعمل المجلس النيابي على القوانين النفطية بالتوازي مع العمل في الحكومة»، مشيراً إلى أن بند النفط لن يكون مطروحاً في جلسة مجلس الوزراء غداً.