رعى وزير الإعلام ملحم الرياشي “اللقاء العربي – الدانماركي” بعنوان “من أجل تفاهم أفضل بين أهل الأديان.. تفعيل الحوار لمنع التطرف العنيف” الذي ينظمه منتدى التنمية والثقافة والحوار بالشراكة مع مؤسسة “دانميشن” الدانماركية، في فندق “جيفينور” – كليمنصو.
حضر افتتاح اللقاء الوزيران السابقان خالد قباني وابراهيم شمس الدين، النقيب أحمد نصار ممثلا المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، المقدم حماد حيدر ممثلا مدير المخابرات في الجيش العميد طوني منصور، ممثلون للطوائف المسيحية والمسلمة من لبنان وسوريا ومصر من بينهم راعي أبرشية حمص للروم الأرثوذكس المطران جورج أبو زخم، راعي أبرشية حمص للسريان الأرثوذكس المطران سيلوانوس بطرس، رئيس ملتقى حوار الحضارات الشيخ حسين شحادة ممثلا العلامة السيد علي فضل الله، الأب تاتول ممثلا كاثوليكوس بيت كيليكيا للارمن الارثوذكس آرام الاول كيشيشان، الشيخ عبداللطيف كرباج ممثلا الهيئة الروحية في سوريا، الشيخ عمر المصري ممثلا الجماعة الإسلامية، رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر القس أندريا زكى ورئيس المركز الاسلامي للدراسات والاعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط.
ويشارك من الدانمارك وفد من مجلس الكنائس والمجلس الإسلامي وأعضاء في فعاليات المبادرة العربية – الدانمركية للحوار، اضافة إلى ناشطين مدنيين من لبنان وسوريا والدانمارك.
بعد النشيد الوطني، ألقى الدكتور سمير قسطنطين كلمة رحب فيها بكل المشاركين في أعمال المنتدى، ونوه “بأهمية انعقاده في لبنان وفي هذه المرحلة بالذات”.
مادسن
وألقت نائبة رئيس مجلس إدارة “دانميشن” القسيسة ماتي مادسن كلمة تحدثت فيها عن تجربة انتقالها إلى العاصمة السورية دمشق عندما كانت في الثانية عشر من عمرها، فاضطرت لترك بلدتها الصغيرة الآمنة لتعيش في بلد لا تعرف لغته ولا حتى طرق التواصل مع زملائها في المدرسة إلى أن شعرت بتجربة أهل بابل، “أولئك الذين عندما قرروا أن يبنوا معبدا لله لم يتمكنوا من تجاوز فروقاتهم اللغوية رغم وجود هدف يجمعهم، وقد افترقوا عن بعضهم البعض بغضب”.
وقالت: “حتى في الدانمارك حيث نتحدث اللغة عينها نواجه مواقف لا نفهم فيها بعضنا البعض، وهذا حصل معي قبل أسبوعا واحدا حين كان علي أن أوفق بين فريقين يعتقد كل واحد منهما أنه يقوم بالعمل الأصعب وأن الفريق الآخر لا يفهمه، مع العلم أنهما يتحدران من الإتنية نفسها ويتحدثان اللغة نفسها وقد تلقيا التعليم نفسه، حتى اجتمعا معا وقررا أن يصغيا إلى بعضهما البعض والعمل معا”.
وختمت: “بالمساعدة والاحترام والصبر والتسامح بين الأشخاص المختلفين يمكن للأفراد أن يفهموا الآخرين المختلفين، وآمل أن يسير اللقاء العربي الدانماركي في هذا الاتجاه بحيث ينظر إلى الجزء الممتلىء من الكوب، الجزء الإيجابي”.
جرجور
وكانت كلمة لرئيس منتدى التنمية والثقافة والحوار القس الدكتور رياض جرجور تحدث فيها عن اللقاءات التي تم عقدها بالشراكة مع “دانميشن” سواء في لبنان أو في الدانمارك، وأعطت الأهمية لدور الشباب في بناء مستقبل بلداننا ليس على العنف بل على احترام حقوق الإنسان والانفتاح على الآخر ومحاولة فهمه وقبوله كما يرى ذاته”. وتمنى أن “يعلن لبنان مقرا دوليا لحوار الثقافات والأديان والحضارات”، بانيا هذا الرجاء على “دعوة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إعلان لبنان من دول العالم مقرا رسميا دوليا لحوار الحضارات والثقافات والأديان”.
وتناول الوضع العام في منطقة الشرق الأوسط، وقال: “ما نشهده في الشرق الأوسط هو انبثاق التدين التكفيري العنفي الذي يتخذ عنوة وتضليلا الإسلام غطاء لجرائمه والإسلام منه براء، فيما يشهد الغرب انبثاق التجمعات الدينية الأصولية وكل تجمع يتقعقر في خصوصيته ونرجسيته وعنصرية دينية وقومية ضيقة، الأمر الذي يدفع المنتدى وشركاؤه في أوروبا والعالم العربي إلى نشر ثقافة قبول الآخر واحترامه على مستوى القاعدة وعدم الاكتفاء بالخطابات العاطفية والمجاملات من فوق”.
وشدد على “أهمية تحديث الخطاب الديني وتطويره بحيث يساهم في إزالة التصورات المسبقة عن الآخر”.
الرياشي
بدوره ألقى راعي المنتدى كلمة قال فيها: “يوجد تعميم وحالة خطأ أن الطوائف والاديان هي وبال على المجتمع وأن المؤمنين هم منبع الشرور في المجتمعات وهم اصل العنف أو التطرف العنيف وان التطرف يأتي من الدين ولا يأتي من الانسان، وأن أصل العنف هو الدين، وهذا خطأ فإن أصل العنف هو الانسان، والأسباب الكامنة وراء العنف هي في عدم وجود تطرف ايجابي مثل المؤمنين ولدى الذين يملكون ايمانا حقيقيا بعقائدهم وقناعاتهم، فهؤلاء متطرفون أيضا ولكن تطرفهم ايجابي، وهذا التطرف هو الذي ينقذ المجتمعات. وكما قال يسوع يوما: “لا تكونوا فاترين فأتقيؤكم”.
أضاف: “أنا ملحم الرياشي انسان متطرف بإيماني الى حدود شجاعة المحبة، متطرف الى حدود الايمان بالحوار بشكل دائم حتى في لحظات الاخفاق في الحوار. كنت متطرفا بالاستمرار والمتابعة، متطرفا أن النجاح سيأتي يوما لأني لست الا ساعدا من سواعد الله على الارض، وأعمل على هذا الاساس. ان التطرف في الايمان يعلم التواضع، يعلم المحبة، يعلم الشجاعة، يعلم الاعتراف بالآخر المختلف كيفما اختلف هذا الآخر، وكيفما كان هذا الآخر”.
وتابع: “أنا اعرف اناسا مسيحيين ومسلمين جاهدوا كثيرا من أجل أخذ بعض الداعشيين الى إيمان آخر، وهذا تطرف ولكن بالمعنى المحب وليس بالمعنى العنيف. هناك عنف وهناك تطرف إيماني قوي، فكل الموجودين بيننا الآن هم متطرفون ولكن متطرفون بالايمان والمحبة والقناعة العميقة، والبعد الحقيقي لايمانهم أن الايمان هو التواصل والاتصال بالآخر، مثلما نقول كلمة صلاة، ولا مرة جرب أحدنا تفسير كلمة صلاة، من معنى التواصل بين الله والانسان، فالتواصل بين الله والانسان كما قال يسوع يوما: “كيف لكم أن تتصلوا بالله وتحبوا الله وأنتم تكرهون الذي ترونه والله لا ترونه؟” هذا هو التطرف وأنا أطلب تعديل عنوان المحاضرة وفصل كلمة التطرف عن العنف لأننا نحن أيضا متطرفون ولكن متطرفون بشجاعة القوة وقوة المحبة والايمان بمستقبل مشترك بين مختلفين في الافكار وليسوا مختلفين كبشر. نحن كلنا بشر، شاء الله أن نكون مختلفين بالأفكار ولكن الله شاء أن نكون في أرض واحدة، فالمؤمن يعرف انه لم يولد يوما مؤمنا صدفة، فالانسان لا يولد صدفة حيث يولد، ونحن لم نولد في لبنان صدفة ولا في هذا المتوسط صدفة. ولدنا هنا لأن الله شاء أن نولد هنا من اجل رسالة محددة في الزمان والمكان. والمشكلة فينا نحن وليست في الله ولا في الايمان”.
وقال: “الايمان الفردي بين الانسان والله هو حرية كل انسان، والعلاقة العمودية هذه لا يستطيع أحد منا أن يعرف عن الآخر أي شيء ويكشف نواياه، فالله وحده يعرف النوايا وهو خبير في النيات، ولكن ربما كجماعات مؤمنة فشلنا في التعرف على بعضنا البعض وفشلنا في نقل الرسالة من الآخر الى الآخر، ولكن الامور لم تنته بعد، ما زلنا موجودين هنا وما زلنا مع بعضنا هنا، ويجب أن نتعلم من الدروس الماضية كيف نبني مستقبلا أفضل للأجيال الآتية، مستقبلا للحوار، مستقبلا للتواصل، مستقبلا للايمان بحق الآخر في الاختلاف وحق هذا الآخر أن يكون مختلفا ونكون أنا وهو معا من اجل الأفضل”.
أضاف: “هناك شيطنة للاسلام في العالم، هناك محاولة لأبلسة الاسلام في العالم اليوم، وهذا التصحيح ليس مسؤولية المسلمين وحدهم في لبنان، هذا مسؤولية لبنان أولا لأن هذا الوطن هو نموذج ورسالة كما يقول يوحنا بولس الثاني، هو مسؤولية المسيحيين اللبنانيين أيضا لأنهم يعرفون اخوتهم المسلمين ويعيشون معهم، ويقولون هؤلاء المسلمون هم مثلنا، هم كذا وكذا… بكل شجاعة. لأن الدفاع عن الحياة معا تحتاج الى هذا التطرف وهذه الشجاعة في مقاومة أي عنف من أي نوع كان”.
وتابع: “حين كلفت بمهمة وشرف ادارة وزارة الاعلام الحالية، أخذت على عاتقي أن أغير هيكلية وزارة الاعلام لتصبح وزارة للحوار والتواصل لأن الوزارة هي وزارة نخبوية وليست خدماتية، هي وزارة سياسية وليست وزارة خدمات، وهي في الوقت عينه تتمتع وتمتلك الطاقات والخبرات لبنية تحتية كاملة وجاهزة لتستقبل أي حوار بين أي مختلفين سواء كانا من أديان مختلفة أو من بلاد مختلفة أو أي شيء آخر. فليس أفضل من لبنان، وليس أفضل من بيروت، لا جنيف ولا الاستانة ولا أي عاصمة في العالم افضل من بيروت لترعى هذا الحوار لأن بيروت تعلم المعنى الحقيقي للعيش معا وللحياة معا. لاجل وزارة التواصل والحوار وان شاء تبصر هيكليتها النور قريبا وترسل الى مجلس الوزراء نعمل معا.
وختم الرياشي: “ختاما اقول ان العنف مصدره واحد وهو الانسان، فالانسان هو أصل كل بلاء وأصل كل شفاء، ليس الدين وليس الايمان إنما الانسان”.
حوار
بعد ذلك كان حوار سئل فيه الرياشي: الحوار عن العقيدة يبدو أمرا صعبا، فهل الحوار عن المواطنة يشكل البديل وهل هو المرتجى؟
أجاب: “ان الحوار عن العقيدة ممكن ألا يوصل الى كثير من الامور، لكن أنا أعتقد أن الحوار عن العقيدة هو حوار ضروري ولا عيب فيه. لا يجب أن نخاف من الاختلاف، إذ الخوف هو اكبر ضرر على العقيدة بحد ذاتها وعلى الانسان بحد ذاته، فنتحاور عن العقيدة كل من قناعته. ففي المواطنة يوجد أمور كثيرة اختلف معه في الدين عليها من أي طائفة كان أو من الطائفة عينها، ولكن في المواطنة تكون الامور اقرب حتى لو اختلفنا في امور أخرى، وهذا لا يعني أن هذه مثل بعضها البعض، فنقارب بين نظرتين لا يوجد شبه بينهما، لأن الاديان، المسيحية والاسلام والاديان الاخرى هي اديان تنتشر على مستوى العالم، أما المواطنة فهي محصورة بأوطان نشأت منذ مئة سنة وليس أكثر أما الانسان فموجود منذ الاف السنين، والاديان أعتق بكثير من الاوطان. ومنذ مئة سنة لم تكن اوطانا بل كانت ممالك وامبراطوريات، والاوطان هي نشأة حديثة ممكن أن تتغير اشكالها، وطالما ان العلاقة بين الشعوب هي علاقة بين الدول، لكنني من المؤمنين بالانسان الاممي كيفما كان وكيفما انتشر”.
سئل: هناك في العالم العربي اعلام كثيف من اجل العنف، وأهل هذا الإعلام يرفضون تسميته بذلك، اما الاعلام من اجل الحوار فيبدو قليلا، وبصفتكم وزيرا للاعلام ما هو برأيك دور الاعلام في نشر ثقافة الحوار؟ وزارة الاعلام ماذا يمكنها أن تفعل؟ وماذا تفعل؟ ومن أجل ماذا حتى يكون صوتا بديلا؟
أجاب: “هذا سؤال جيد، وأعتقد أنه جوهر او لب الحل وليس لب المشكلة، لأجل ذلك نحن نريد من وزارة الاعلام وزارة الاعلام والتواصل وتجنيد كل وسائل الاعلام للاضاءة على الحوار وادارة الحوار بين المختلفين، ادارة الحوار بطريقة تحمي الحوار واصوله ولا تؤدي الى العنف. صحيح أن هناك محطات تبشر بالعنف، وهناك وسائل اعلام كثيفة وكثيرة وخصوصا امام عظمة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ولكن في النهاية ان السكين موجودة بيد الانسان ويستطيع فيها ان يقشر تفاحة او يرتكب فيها جريمة، ولكن ملايين البشر يقشرون بها التفاح ولا يرتكبون الجرائم، فمهما زادت الجرائم يبقى الحضور الانساني في الانسان اقوى. صحيح أن منطقة المتوسط تعيش ارهاصات كبيرة ولكن هذه المنطقة تصنع تاريخها الجديد بعد مرورها بفترة طويلة كانت الديكتاتوريات طاغية فكان الانسان بطبيعته يلجأ الى الايمان ويستعمل الايمان للعنف رفضا للطاغوت السياسي ورفضا للدكتاتورية ولعدم وجود الاحزاب السياسية، فكان يستغل الدين من اجل هذه الغايات. ولإبعاد الدين عن هذه الصورة نحتاج الى ديموقراطيات والى اوطان بحلة جديدة، وأعتقد أن المشرق اليوم يعيش بداية ولادات جديدة ستكون مشرقة باذن الله في السنوات المقبلة”.
وختم الرياشي: “العنف اليوم هو أمر طبيعي نتيجة الامور التي يمر ومر بها المتوسط، واعتقد أن المستقبل سيكون مختلفا لأن العنف بمعناه الدموي وصل الى القمة وبدأ بالتراجع اليوم”.
جولات
وكان المنتدى جال مع الضيوف الدانماركين على القيادات السياسية والدينية، فالتقوا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكد أن “رسالة لبنان إلى العالم هي الحوار والحرف والسلام وليس العنف والحرب والسلاح”.
من جانبه توجه جرجور إلى “الشركاء في الوطن”، ودعا إلى أن “يكون الحوار ثقافة حياة تصون سيادة لبنان ووحدته الوطنية.
وزار الوفد العلامة السيد علي فضل الله الذي دعا الى “التحرك أبعد من الحوار للعمل معا بين الطوائف بفعالية من أجل ايجاد حلول عملية للتحديات المشتركة”.
وفي إطار جولته حط الوفد في كلية اللاهوت للشرق الأدنى حيث أكد المنتدى وشركاؤه أن “الحوار شرط لا غنى عنه لضمان التنوع في لبنان وتعزيزه”.
وقبل ساعات من انطلاق أعمال “اللقاء العربي – الدنماركي” الذي يستمر يومي الخميس والجمعة، توجه الوفد إلى مدينة صيدا للتعرف على هذه المدينة النموذج بالوحدة والتنوع والعيش المشترك، وكان لقاء مع النائب بهية الحريري التي اعتبرت أن “العالم أجمع يواجه اليوم هاجس التطرف ويبحث عن السبل لإبعاده عن المجتمعات”، وقالت: “مع الأسف الشديد هذا التطرف يرتدي ثوبا دينيا لكنه أبعد ما يكون عن الدين، فنحن ديننا دين قبول الآخر ودين تسامح ومحبة ورحمة”.