نشرت صحيفة الديار مقالاً لكاتبها محمد بلوط عن الوضع السياسي الذي نتج عن استقالة الحريري الفجائية حيث استهل الكاتب مقاله بالقول..بعد أكثر من اسبوع على أزمة اعلان الرئيس سعد الحريري «الاستقالة الملغومة» من السعودية انخفض منسوب القلق الذي خيم على لبنان، وعكست الاوساط الرسمية والسياسية قسطاً من الارتياح للمسار التدريجي التراجعي لهذه الازمة التي رمتها الرياض بوجه اللبنانيين.
ومما لا شك فيه ان الاطلالة التلفزيونية للرئيس الحريري، بغض النظر عن ظروفها والحدود المرسومة لها من السلطات السعودية، تضمنت مواقف اقل حدة بنسبة كبيرة عن البيان الذي تلاه في اعلان استقالته عن بعد.
وطرح بلوط سؤالاً: لماذا انخفاض النبرة والمضمون بين الاطلالتين؟
مجيباً، يقول مصدر سياسي بارز ان الفرق واضح بين بيان الاستقالة والحوار الثاني، لكن القاسم المشترك لهما هو هذا الضغط الكبير المباشر الذي تعرض ويتعرض له الحريري خلال وجوده قسراً حتى الآن في السعودية.
اما اسباب التراجع في اللهجة والمضمون، يضيف المصدر، فانها تدلّ بوضوح على فشل الاندفاعة السعودية التصعيدية ونجاح لبنان في احتواء الازمة واستيعابها في غضون ايام قليلة، بل من اللحظة الاولى.
وبرأي المصدر ان هناك اسباباً أدت الى التراجع او انخفاض قدرة الرياض على التحكم بمسار الازمة، ولعل ابرزها:
1- الاداء الناجح لمواجهة الازمة وتطويعها من قبل رئيس الجمهورية بالتنسيق والتعاون منذ اعلان الاستقالة مع الرئيس نبيه بري الذي بادر اولا بعد وقت قصير من تبلغ الخبر في اثناء هبوط طائرته في مطار شرم الشيخ الى الاعلان بأن الاستقالة غير دستورية ولا تعتبر استقالة اذا لم تكن على ارض لبنان جسديا.
اما الرئيس عون فقد شكك في ظروف اعلانها وظروف وضع الحريري، ولم يسارع الى قبول الاستقالة بل اعلن انه ينتظر عودة رئيس الحكومة لجلاء هذا الموضوع كي يبنى على الشيء مقتضاه.
2- وحدة الصف اللبناني التي تجلت بشكل واضح وتناغمت مع الموقف الرسمي اللبناني رغم كل محاولات التحريض والتهديد والتهويل.
ويشار في هذا المجال الى البيان الذي صدر عن الاجتماع الموسع لكتلة وتيار المستقبل الذي ركز على عودة الرئيس الحريري اولا.
اما بيان الكتلة الثانية فيعتبر نسخة مشابهة لمضمون الاطلالة التلفزيونية للحريري، ويتضمن اثاراً واضحة للضغوط السعودية.
3- الخطاب الأول والثاني للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي اتسم بكثير من الرصانة والتهدئة والايجابية باعتراف مصادر محسوبة على تيار المستقبل، ومما لا شك فيه ان الخطابين ساهما الى حدّ كبير في تفويت الفرصة على محاولات التحريض والفتنة وفي قطع الطريق على اي عبث بالشارع.
4- الموقف الدولي الذي تدرج الى حدود لجم الاندفاعة السعودية، مؤكداً على ابقاء الوضع المستقر في لبنان ودعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وعودة الحريري والاشادة بموقعه ودوره.
5- فشل محاولة تطويق لبنان وعزله عربياً، لا سيما ان غالبية الدول العربية وبينها دول خليجية اكدت حرصها على العلاقة مع لبنان وعلى دوره في المجموعة العربية.
ويخلص المصدر السياسي البارز الى القول ان كل هذه العناصر والمعطيات ساهمت في عدم انفجار الازمة وابقائها في دائرة محددة ومحدودة، غير ان ذلك لا يعني اننا خرجنا منها فهذا يستلزم المزيد من الجهد لاعادة الامور الى نصابها والوضع الى ما كان عليه.
وغداة اطلالة الحريري التلفزيونية المقننة، ان صح التعبير بدا اركان الدولة اكثر ارتياحاً او اقل قلقا فاعرب الرئيس عون عن سروره لاعلان الحريري عن قرب عودته الى لبنان. وتوقف عندما اعلنه رئيس الحكومة من ان التسوية السياسية لا تزال قائمة وان مسألة عودته عن الاستقالة واردة ضمن خياراته.
اما الرئيس بري فعبر عن ذلك بالقول «العدول عن الاستقالة فيه عدالة». وخرج زوار عين التينة بانطباع ايجابي وان الوضع بات افضل من الايام الماضية، وتوقعوا عودة الحريري لكنهم لم يحددوا الموعد.
وقال احد الزوار انه على الرغم من حراجة الموقف وصعوبته بعد اعلان الحريري استقالته بهذا الشكل، فان التطورات في اليومين الماضيين وما جاء على لسانه في الاطلالة التلفزيونية كلها تصب في خانة عدم الذهاب الى الانفجار الكبير او التصعيد.
وتوقف امام نقاط عديدة في كلام الحريري وابرزها:
– اعلانه عن العودة قريباً خلال يومين او ثلاثة. وهذا الكلام المعمم فضائياً يشكل مادة مهمة في وجه اطالة امد ابقائه في السعودية.
– قوله انه «فخور بالتسوية» التي قام بها، وتأكيده على عدم التراجع عنها وسعيه لنجاحها اما ربطه النجاح بالنأي في النفس فهو مفتوح للحوار الذي اكد وشدد عليه.
– ربط مفعول الاستقالة بتقديمها لرئيس الجمهورية عندما قال: هناك لغط لانني لم اقدم استقالتي، واعرف انه دستوريا يجب ان اقدم استقالتي واذهب الى رئيس الجمهورية واقدمها.
– وعوته المتكررة الى جمهوره قبل الاخرين للحفاظ على الاستقرار وعدم الاقدام على اي عمل يخل بالامن والهدوء في البلد.
– تأكيده على الاستمرار بتحمل المسؤولية وقوله «سعد الحريري سيتحمل هذه المسؤولية، وسعد الحريري راجع الى البلد».
محمد بلوط – الديار