وقالت مصادر نيابية لـ«الجمهورية» انّ الحكومة «لا تستطيع ان تنام اليوم على مجد تحقيق قانون الانتخاب ولا على إنجاز وثيقة بعبدا، كون التحديات الماثلة أمام لبنان في هذه المرحلة كبيرة جداً، وأبرزها:
أولاً، إنعكاس أحداث سوريا على لبنان في ضوء الحديث عن معركة قريبة ضد تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» في جرود عرسال.
ثانياً، سبل مواجهة العقوبات الاميركية التي ستفرض على «حزب الله» في لبنان والخارج وما يمكن ان تكون لها من انعكاسات على أوضاع لبنان الاقتصادية والمالية والعامة.
ثالثاً، مصير النازحين السوريين في لبنان في ضوء صدور مواقف جديدة في الامم المتحدة وبعض عواصم دول القرار تدعو الى استيعاب هؤلاء النازحين حيث هم، علماً انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ما انفكّ منذ تسلّمه مقاليد الحكم يولي هذا الموضوع أهمية قصوى لكن من دون ان يلقى ايّ صدى إيجابياً لدى المجتمع الدولي والعربي سوى الوعود التي لم تجد طريقها الى التنفيذ بعد.
وفي موازاة ذلك، تحاول الحكومة أن تملأ الاشهر الـ11 الفاصلة بين تاريخ صدور قانون الانتخاب وإجرائها، في وقت تزداد المعلومات عن انّ هذه الأشهر ليست موعداً نهائياً إذ انّ التمديد قد يطول أشهراً اخرى لكي تمرّ سنتين على انتخاب رئيس الجمهورية، فيصبح حينئذ المجلس النيابي الجديد هو المجلس الذي ينتخب الرئيس الجديد للبنان عام 2022.
وما يعزّز هذه المعلومات التي ليست اخباراً عادية، انّ النزاع بين الحلفاء بدأ يبرز علناً، إذ يكفي مراقبة التصريحات التي حفلت بها الايام الاخيرة للاطلاع على وجود اتجاهات مختلفة لا بل متناقضة بين المتحالفين كما يؤدي الى تنافس داخل اللائحة الواحدة بسبب الصوت التفضيلي.
وثيقة بعبدا
وفي وقت أكّد الرئيس ميشال عون خلال إستقباله بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك مار يوسف الأوّل على أهمية الحوار بين جميع الطوائف، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ دوائر قصر بعبدا ستواكب الحركة الجديدة انطلاقاً ممّا تقرّر في لقاء بعبدا الأخير، كلّ في مجاله.
فما هو من نصيب مجلس النواب سيكون موضوع ورشات العمل التشريعية المنتظرة التزاماً بما تعهّد به رئيس المجلس بالدعوة الى جلسة تشريعية خلال الشهر المقبل وسط توقعات بإعطاء الأولوية للموازنة العامة وسلسلة الرتب والرواتب. أمّا ما سيكون على عاتق الحكومة فستتولّاه هي، بحيث سيترجم البرنامج الذي تضمّنته «وثيقة بعبدا» بمختلف عناوينها وفق سلّم أولويّات تفرضه حاجات البلاد في المرحلة الراهنة.
الحريري
وفي الوقت الذي ستعود الحركة الى قصر بعبدا وعين التينة، فإنها ستتأخر في السراي الحكومي في انتظار عودة الرئيس سعد الحريري من باريس التي قصدها قبل يومين برفقة عائلته من السعودية. ولم تشر المعلومات الى ايّ لقاءات يمكن أن يعقدها، علماً أنه أجرى اتصالات من هناك مُستطلعاً آخر التطورات الداخلية في ضوء اللقاءات التي عقدها مع بعض المسؤولين الكبار في المملكة على هامش الاحتفال بعيد الفطر.
نصرالله
وعلى رغم عطلة العيد تفاعل كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الاخير، وإعلانه انه في حال شَنّت إسرائيل حرباً على محور المقاومة، فإنّ الأجواء والحدود ستفتح أمام آلاف المقاتلين، للمشاركة في هذه المعركة.
وفيما اعتبر البعض انّ كلامه «يناقض» الحالة الوفاقية التي تعيشها البلاد خصوصاً بعد لقاء بعبدا التشاوري، إستغرب مصدر سياسي «عدم إدلاء الحكومة بأيّ موقف ليس حيال كلام نصرالله عن السعودية وهو ليس بجديد، إنما تلويحه باستقدام مئات ألوف المقاتلين ليحاربوا على الارض اللبنانية ضد إسرائيل».
الحوت
وخالفَ نائب «الجماعة الاسلامية» عماد الحوت القول «اننا نعيش أجواء وفاقية» وقال لـ«الجمهورية»: «أولاً، نحن نعيش وهم وجود حالة وفاقية في البلاد بينما الواقع الحقيقي هو انّ قوى سياسية تقيم ثنائياً ترتيبات في ما بينها لتهدئة الوضع، وليست حالة وفاقية عامة متّفَق عليها بين الجميع.
ثانياً، خطاب السيد نصرالله في هذا التوقيت له وجهان: وجه إيجابي بمعنى ترهيب العدو الاسرائيلي ضد أي تفكير بالاعتداء على لبنان، ولكن اعتقد انّ هذا الخطاب ينبغي أن يصدر عن الدولة اللبنانية وليس عن مكوّن من مكوناتها.
وفي المقابل، إنّ للخطاب وجهاً سلبياً جداً لأنه في نهاية الامر واضح تماماً انّ السيّد يقول ان ليس في لبنان ايّ سيادة لبنانية، وانه هو الذي يقرّر من يتجاوز الحدود ومن يقاتل داخل لبنان ومن يقاتل خارج لبنان، والدولة اللبنانية غير موجودة، وبالتالي هو لا يعترف بها.
لذلك كنت اقول دائماً انّ اولوية فخامة رئيس الجمهورية اليوم هي استعادة سيادة لبنان المسلوبة الضائعة التي سلبها «حزب الله» وسلب قرارها ويتصرّف به. وبالتالي، انا اعتقد انّ دور رئيس الجمهورية الآن هو استعادة هذه السيادة».
وأبدى الحوت اعتقاده «أنّ الاولوية الرقم واحد هي إقرار الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، في محاولة لتحريك عجلة الحكومة والاقتصاد في البلد. أمّا الاولوية الثانية فهي تأمين كل عناصر الشفافية والاطمئنان لإجراء الانتخابات النيابية بأفضل مستوى ممكن».
أبي نصر
وحدّد النائب نعمة الله ابي نصر أولويات المرحلة المقبلة، وقال لـ«الجمهورية»: «انّ ما اتّفق عليه في اللقاء التشاوري في بعبدا يجب ان يكون اولويات العمل، وفي مقدّم هذه الاولويات معالجة الوضع الاقتصادي الملحّ، ثم الانماء، ولا أعرف كيف سنعيد الانماء المتوازن والمُستدام على كل الاراضي اللبنانية في ظل وجود هذه التركة المُفلسة التي ورثها رئيس الجمهورية والحكومة الحالية من العهود السابقة.
لذلك يتطلب الامر جهداً استثنائياً في سبيل الاقتصاد، حتى اذا أقرّينا الموازنة وبدأنا نلتقط انفاسنا إقتصادياً، نبدأ التفكير بسلسلة الرتب والرواتب للموظفين، فعندما يشبع الموظف لا يمدّ يده، لكن اذا كان راتبه لا يكفيه لإعالة عائلته فسيبرّر فعلته.
لذلك نحن مقبلون على مرحلة صعبة جداً، لكن بالإرادة وحسن التعاون بين مختلف الاطراف السياسية يمكن ان نصل الى نتيجة. واستناداً الى ما تقدّم فإنّ الكرة هي في ملعب الشعب الذي عليه ان يُحسن اختيار النواب الذين يمثلون تطلعاته فعلاً، وعليه ان يسأل نفسه هل قاموا بواجبهم التشريعي؟ وهل راقبوا فعلاً السرقات الحاصلة؟
وهل حاسبوا الحكومات طوال 8 سنوات وطرحوا الثقة فيها وساءَلوها؟ وعندما دخل مليون ونصف مليون سوري خلال سنة ونصف سنة في حدود مشرّعة وتداعيات ذلك السياسية والاقتصادية والامنية مَن وقف من النواب يتفرّج على ما يجري ومن تصدى منهم لهذه الظاهرة؟
فكيف يدخل الى لبنان مليون ونصف مليون نازح من دون ان يسألوا لا عن هوياتهم ولا عن سيرتهم تحت شعار الانسانية؟ إنسانياً ندخل المرضى والجرحى والعجزة وعددهم لا يتجاوز المئة الف تقريباً، فهذا إهمال خطير يمسّ السيادة والكيان، وعلى الشعب محاسبة المهملين ومحاكمتهم».
الوضع الامني
أمنياً، رصدت مراجع ديبلوماسية باهتمام الخطة الأمنية التي نفذت في عطلة العيد، والتي انسحبت هدوءاً واطمئناناً على اكثر من مستوى، ما دفع بعض الديبلوماسيين الى الاتصال بمراجع أمنية وسياسية إختلطت فيها التهاني بالعيد بالهدوء الأمني المميّز الذي تَوَفّرَ للبنانيين وآلاف الخليجيين ومن بلدان عربية وأجنبية قدموا الى لبنان في هذه المناسبة، بحيث سجّلت نسبة الاشغال الفندقي نحو 90% في بيروت وأكثر من 80% خارجها، وخصوصاً في جبل لبنان.
وكانت الخطة الأمنية الإستثنائية قد نفذت بإشراف غرفة عمليات موحدة شكّلت من مختلف القوى الأمنية والعسكرية، فسيّرت دوريات وأقيمت حواجز ونقاط مراقبة وذلك تسهيلاً لانتقال المواطنين والحفاظ على أمنهم وسلامتهم خلال ممارستهم شعائرهم الدينية. كذلك، اتخذت تدابير غير مرئية في كثير من المواقع الحسّاسة لضبط ايّ حركة مشبوهة.
وقال مرجع أمني لـ«الجمهورية» انّ «الخطة الأمنية التي نفذت لم تكن جديدة بكل مفاصلها بمقدار ما كانت جدية، وهي تهدف ليس لضبط الوصع فحسب، بل لمنع أي اعتداء في أي منطقة.