اتفق رؤساء الاحزاب المشاركة في الحكومة، خلال اللقاء الذي ترأسه قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على سلسلة خطوات واجراءات من شأنها تحصين الوضع اللبناني على كافة المستويات.
وركزت ورقة العمل الصادرة عن اللقاء، على استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني وبالاخص ايلاء العناية اللازمة بتثبيت اللبنانيين في ارضهم ومنع التوطين واقرار اللامركزية الادارية في اسرع وقت ممكن، واطلاق ورشة اقتصادية شاملة تتضمن ايضا تأمين البنى التحتية وتحسينها من كهرباء ومياه، اضافة الى المحافظة على الثروة البترولية البحرية وتعزيز قطاع الاتصالات والمواصلات.
كما تضمنت الورقة ضرورة اجراء اصلاحات في السياسة والمؤسسات والقضاء والاعلام والتربية.
وقائع الجلسة
وكان رؤساء الاحزاب المشاركة في الحكومة بدأوا بالوصل عند الحادية عشرة قبل الظهر الى قصر بعبدا، وهم: رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والوزراء: مروان حمادة (ممثلا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط)، جبران باسيل، طلال ارسلان، علي قانصوه، النائب سلمان فرنجية، النائب محمد رعد (ممثلا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله)، النائب اغوب بقرادونيان، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
ورحب عون بالمجتمعين، وقال: “بعد ان تم اقرار قانون الانتخاب، والذي يتضمن تمديدا تقنيا للمجلس النيابي لمدة تقارب السنة، وهي فترة ليست بقليلة، هناك خلال هذه الفترة برنامج على الحكومة ان تطبقه، ويجب بالتالي ان نكمل عملنا فعليا لاننا لا نعيش مرحلة انتظار. وهناك ايضا اضافة الى العمل اليومي للحكومة، خطط تم تناولها في خطاب القسم والبيان الوزاري”.
واضاف رئيس الجمهورية: “لذلك ارتأيت ان نضع ورقة عمل لتكمل الحكومة عملها، فهناك مواضيع ميثاقية استنادا الى وثيقة الوفاق الوطني، واخرى انمائية مبرمجة تحتاج الى عمل، وخطة اقتصادية. هذا التصور وضعته امامكم من اجل ان نبحثه خلال لقائنا اليوم”.
ثم تلا المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير ورقة العمل، ثم بدأ المجتمعون مناقشتها، فتم اقرارها بعد ادخال تعديلات طفيفة عليها وزيادة بعض النقاط.
نص البيان
وبعد انتهاء الاجتماع، تلا الدكتور شقير نص “وثيقة بعبدا 2017″، وفيه:
“مع استعادة لبنان عافيته السياسية عبر مسار وطني ميثاقي واستقلالي ادى الى اننتخاب رئيس بإرادة اللبنانيين وتأليف حكومة وحدة وطنية من صنعهم واقرار قانون انتخابات نسبي جديد بارادتهم من شأنه ارساء قواعد متقدمة لصحة تمثيل الشعب اللبناني وفعاليته، ترأس فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الساعة الحادية عشرة والربع قبل ظهر يوم الخميس 22 حزيران 2017 اجتماعا لرؤساء الاحزاب المشاركة في الحكومة بغية البحث في مواضيع أساسية في الدستور تتطلب الاقرار والاستكمال والتطوير كي تدخل حيز التنفيذ، ومواضيع اقتصادية وإصلاحية ملحة تعود بالنفع الكبير على الدولة والشعب والاقتصاد.
وقد حضر الاجتماع: دولة رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري، ودولة رئيس مجلس الوزراء الرئيس سعد الحريري، والسادة: الوزير مروان حماده ممثل رئيس حزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ وليد جنبلاط الموجود خارج لبنان، ورئيس الحزب الديمقراطي طلال ارسلان، ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الاستاذ علي قانصوه، ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وممثل سماحة الامين العام لحزب الله النائب محمد رعد، والامين العام لحزب الطاشناق النائب اغوب بقرادونيان، ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.
وبعد التداول، أقر المجتمعون ورقة العمل التي عرضها فخامة الرئيس وتضمنت الآتي:
في الشق الميثاقي
ان لبنان الرسالة يقتضي منا الاتفاق على استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، خصوصا في القضايا التالية:
1 – المواءمة بين الحفاظ على نظامنا الديمقراطي التعددي، وبين تصور واضح ومحدد زمنيا، لانتقال كامل نحو الدولة المدنية الشاملة، بما في ذلك كيفية التدرج من تثبيت التساوي والمناصفة بحسب الدستور بين عائلاتنا الروحية في حياتنا العامة، وصولا الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية.
2 – الحفاظ على مقومات الوطن اللبناني البنيوية، خصوصا في ديمغرافيته وجغرافيته، من ضمن وحدته ونهائيته بما يقتضيه ذلك من تسليم جامع بعدم السماح بأي تلاعب بالهوية الديمغرافية للبنان، وضرورة صونها تشريعيا، إقامة وانتشارا. والأهم التمسك بالنسيج المجتمعي اللبناني كاملا، بين إنسانه وأرضه. فكما نرفض التوطين المعلن أو المقنع، نواجه أي محاولة لتثبيت أي جماعة غير لبنانية، على أرض لبنان. وكما نكافح الهجرة الخارجية القسرية لأبنائنا، نعمل على وقف الهجرات الداخلية، إن بالنزوح من الريف، أو بنقل سجلات القيد، بما يخلق غيتوات نفسية أو واقعية، تؤدي إلى “كنتنة” لبنان وقوقعة اللبنانيين.
3 – ضرورة إقرار اللامركزية الادارية في أقرب وقت ممكن، بهدف تثبيت اللبناني في مواطنه الأصلية، وتأمين حقه الكامل في الإنماء المتوازن على مساحة وطنه. وذلك عبر بناء الدولة العصرية العادلة القوية المساوية بين اللبنانيين في حقوقهم وواجباتهم، وتكريس السعي الفعلي إلى اقتصاد غير ريعي لا بل منتج، يؤمن تجذير اللبناني في أرضه.
في الشق الاقتصادي
ان لبنان المعافى اقتصاديا يفرض علينا اطلاق ورشة اقتصادية وطنية تقوم على:
أ – وضع وتنفيذ خطة اقتصادية شاملة تنبثق منها الخطط القطاعية، وموازنة الدولة التي يقتضي اقرارها اولا تأمينا للانتظام المالي للدولة وتصحيحا تدريجيا لما اعترى هذا الانتظام من شوائب، على ان تؤدي المحصلة الى تأمين النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتحقيق الإنماء المتوازن، والاقتصاد المنتج، وتوفير الأسواق الخارجية تصحيحا للخلل في الميزان التجاري وحماية الاسواق الداخلية والإنتاج، ومنع الاحتكارات، والاستثمار في القطاعات الاقتصادية العصرية، والتي يمتلك اللبناني فيها قيمة مضافة، مثل المعرفة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتؤدي هذه الخطة الى اشراك القطاع الخاص عبر اقرار القانون المعد لذلك وتشجيع المبادرة الفردية، واعتماد سياسة تسليفية تشجيعية للقطاعات المنتجة يكون المصرف المركزي عمادها، وترتكز هذه الخطة على الافادة من ثروة لبنان الكبرى التي هي عنصره الانساني بمبدعيه ومثقفيه ومجتمعه المدني الناشط، وهي علامة لبنان الفارقة في محيطه. وفي هذا السياق يتوجب إحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي في أقرب وقت ممكن كإطار للحوار المستدام والتوازن بين قطاعات اقتصادنا الوطني.
ب – ان الحكومة مدعوة الى وضع هذه الخطة وتنفيذها ومواكبتها عبر لجنة اقتصادية وزارية دائمة من خلال برنامج زمني، تنفيذي وممول، لتأمين البنى التحتية اللازمة لنهضة الاقتصاد الوطني وخاصة:
1 – تأمين الكهرباء 24/24 من خلال تنفيذ كامل للخطة الحكومية والتي تؤدي الى ازالة اي عجز عن الدولة وتخفيض الكلفة الاجمالية عن المواطن.
2 – الحفاظ على المياه كثروة استراتيجية للبنان وتأمينها عبر كافة الخطط الوطنية المقرة وتنفيذ برنامج انشاء السدود، وحمايتها والحفاظ عليها وتنظيف مجاري الانهر.
3 – استثمار الثروة البترولية البحرية حسب البرنامج الموضوع لها هذه السنة، واستكمال أطرها القانونية كافة، بحرا وبرا، والاسراع بإنجاز خط الغاز الساحلي والموانئ الغازية تكريسا لاعتماد لبنان على الغاز وكذلك تكثيف الاستثمار المجدي في الطاقات المتجددة.
4- الاسراع بتأمين الاتصالات السريعة بأعلى جودة وبأرخص الأسعار.
5- تأمين كافة انواع المواصلات ووضع خطة للنقل المشترك وتنفيذها على مراحل وانشاء الاوتوستراد الدائري وسكة الحديد والمرفأ السياحي والمطار المطور والمعابر البرية الحديثة.
6- تأمين الاعتمادات اللازمة لانهاء ملف المهجرين.
في الشق الاصلاحي
ان بناء الدولة في لبنان يتطلب منا اصلاحا في السياسة والمؤسسات والقضاء والاعلام والتربية بالارتكاز على:
1 – اعتماد الشفافية كمعيار عمل اول في حياتنا المؤسساتية العامة.
2 – تفعيل الإدارة من خلال إعادة هيكلتها بدءا بإجراء التعيينات وفق المعايير الدستورية التي هي الاستحقاق والكفاءة والجدارة والاختصاص،
3 – مساعدة القضاء في أداءه تحصينا لاستقلاليته وفعاليته.
4 – تفعيل عمل الهيئات الرقابية وجهاز أمن الدولة بتحفيزهم على العمل المكافح للفساد.
5 – الإفادة القصوى من موارد الدولة ومقدراتها ومرافقها وثرواتها للمصلحة العامة.
6 – تنفيذ القوانين المقرة وتحديثها لا سيما تلك المتعلقة بالقضاء والاستثمار والتجارة وأيضا تلك المعنية بتسهيل أمور ومعاملات المواطن.
وكما أن الدولة لا تستقيم مع فسادٍ، فكذلك لن يستقيم إصلاحها من دون مواكبته بإعلام مسؤول، بجميع وسائله، حر بالمطلق والحقيقة حدود حريته ، وتطبيق القوانين هو الضامن للحقيقة.
إن هذه النقاط تشكل مجموعة أهداف وطنية جامعة لكل اللبنانيين، ونجاحها نجاح للوطن، وليس لأي مسؤول أو فريق فيه، من هنا ضرورة مواكبتها وتنفيذها بإرادة وطنية جامعة وصادقة ضمانا للنجاح”.
فرنجية
وبعد انتهاء اللقاء، كان اول المغادرين النائب سليمان فرنجية الذي أدلى بتصريح أكد فيه أن ليس هناك أي أمر شخصي بينه وبين رئيس الجمهورية، وقال:” أتينا الى القصر الجمهوري تلبية لدعوة تلقيناها من قبل فخامته وضمن موقعنا السياسي الذي نمثله”.
وردا على سؤال أكد أنه “عندما يدعونا الرئيس عون الى القصر ، من المؤكد أننا سنلبي الدعوة ولا مشكلة لدينا في هذا الموضوع. واتفقنا خلال لقاء اليوم على تسيير أعمال الدولة، وقد كان الحوار بناء وإيجابيا”.
سئل: لماذا لم يحصل لقاء ثنائي بينكم وبين رئيس الجمهورية؟
أجاب: “لم يطرح علي أحد مثل هذا اللقاء”.
سئل: ألم يكن لديك أي مانع لحصوله؟
أجاب: “على العكس، لا مانع، ومنذ اليوم الاول قلت أن رئيس الجمهورية يأمر، ويستطيع أن يأمرنا للمجيء الى القصر، وهذا ما حصل اليوم. تلقينا دعوة ولبيناها. وعندما يرغب فخامة الرئيس يأمر ونحن نلبي”.
جعجع
وتحدث جعجع قبيل مغادرته قصر بعبدا فقال: “كانت صبحية جميلة، وانتم ستطلعون على ورقة العمل التي جرت مناقشات حولها. وليس هناك اي امر استثنائي، وانا تحفظت على البند رقم 1 منها، ليس لأي سبب الا لكوني احب ان اكون جديا فقط لا غير”.
أرسلان
من جهته، كان للوزير ارسلان التصريح الآتي: “ان فخامة الرئيس مشكور على دعوته اليوم، ومجمل الوثيقة التي قدمها تغطي الكثير من الامور العالقة في البلد سواء على المستوى الدستوري او القانوني لجهة تطوير او تنفيذ القوانين وتحديثها الى ما هنالك من مسائل كاللامركزية الادارية والغاء الطائفية وغيرها من المشاريع المرتبطة بالاقتصاد الوطني والنمو وتسيير عجلة الدولة بشكل اساسي”.
واوضح ردا على سؤال: “ان هذا المشروع ليس قصة 11 شهرا، انه مشروع قدمه فخامة الرئيس وتوافقنا عليه جميعنا وهو خطة متكاملة تطاول المواضيع الاساسية لمفهوم مقاربتنا بناء الدولة سواء على المستوى الدستوري او على مستوى القوانين. وليس الامر مرتبطا بهذه الحكومة او هذا المجلس، بل هذه عناوين سياسية سيطبق المجلس النيابي والحكومة ما يتمكنان منها، في هذه المرحلة، على ان يستمر تطبيق ما تبقى في المرحلة المقبلة”.
واشار ردا على سؤال آخر الى انه “لم يكن هناك من تحفظات والجميع وافق عليها.”
وقال: “لقد تم التطرق الى كافة المواضيع بشكل عام، وهذه الوثيقة تم الاتفاق عليها بكامل بنودها وهي صادرة عن لقاء المجتمعين برئاسة فخامة الرئيس ووجود الرئيس بري والرئيس الحريري، وان الامور ستتابع”.