الرئيسية / قضايا المرفأ / مخاطر البث المباشر
flag-big

مخاطر البث المباشر

أصبحت الوسائل الإعلامية، وسيلةَ الاتصال الأكثر إنتشارًا، والأوسع مدى، والأكثر جذبًا، لا حدود لها، لجمعها بين الصَّوت والصورة. ولكن الإعلام اليوم، مشكلته الكبرى أنّه إعلام حروب وحروب إعلاميين، بمعنى آخر إنّها فوضى إعلاميّة، تنحصر خصوصاً  في البث المباشر. معظم وسائل الإعلام اليوم تتبع السياسات بعدما تأسّست على محاصصة بين الطوائف والأحزاب لِمَا لها من قُدرة على التَّأثير في الاتِّجاهات لدى الأفراد والجماعات، أو تعديلها، أو تغييرها، خصوصا عبر البث المباشر. من هنا تتحوّل وسائل الاعلام الى ناقلة لرسائل تُطلق على الهواء من دون أي حسيب أو رقيب.

تتمثّل احتمالات الضرر، ممّا ينشره البث المباشر من مواد ثقافية واجتماعية وسياسية وغيرها من المواد التي تهمّ الرأي العام، في إشاعة أنماط سلوك غير مرغوب فيها. تبثّ هذه المواد ثقافة العنف وأفكاراً ذات تأثير مباشر وغير مباشر على هويتنا وتربيتنا وتقاليدنا. ما يشاهده المشاهد من مظاهر للعنف والتصاريح النارية في البث المباشر لبعض الأحداث، تُولّد لديه شعوراً بالإحباط والدونية إزاء ما يراه من مظاهر سلبية، خصوصا عبر شاشات التلفزة. إنّ تظهير هذا الواقع في وسائل الإعلام بشكل دراماتيكي، يجافي الحقيقة ربما عن قصد أو عن غير قصد، وذلك بهدف السبق الصحفي عبر النقل المباشر للأحداث دون إجراء الرقابة الذاتية الواجبة مهنياً. من هنا تصبح وسائلنا الإعلامية، في كثير من الأحيان، منابر للشتم ولبثّ الأفكار الغريبة التي تضرب وحدة المجتمع وتشوّه تنوّعه، وبمجانيّةًّ مطلقة، وكل هذا تحت عنوان السبق الإعلامي والصحفي والحريات الإعلاميّة.

إذاً طريقة البث المباشر وطريقة تعاطيه مع الأحداث في بعض الوسائل تُحرّض على إثارة النّعرات الطّائفية والغرائز، وتُسيء لصورة الوطن، فهي هنا تصنع الخبر ولا تنقله. إنّ بعض وسائل الإعلام تبث خطابات، وتنقل مشاهد عنف وصور دم وحرب مدمّرة مباشرة، تشكّل تشوّهاً عميقاً لدى المشاهد، وتحثّه على الكراهية والعنف دون مراعاة الانعكاسات الخطيرة التي يمكن أن تنتج عن ذلك .وأكبر دليل على ذلك، بعض القنوات التلفزيونية والإذاعية، في الحملات الانتخابية أو في البرامج والتغطيات المباشرة… ، تغطّي وتبثّ تقارير صحفية تتضمّن مقتطفات من تصريحات لبعض السياسيين والأشخاص المهتمين بالشأن العام، تحثّ على التباغض والتفرقة بين الشعب. إنّ بثّ مثل هذه الخطابات والتصاريح، دون التفكير بالضوابط القانونية والمهنية التي تمنعها، يُعدّ إخلالا بقواعد المهنة الصحفية وأخلاقياتها. من هنا تكمن خطورة البث المباشر، فحقّ المواطن في النفاذ والحصول على المعلومة، لا يجب أن يتحول إلى مادة إعلامية مثيرة تحث على العنف والبغض والكراهية .إنعدام الرّقابة على وسائل الإعلام، يسمح بأن تطلق تصاريح، وخطابات نجعل من منابرنا الإعلامية ساحةً للشتائم والتخوين والشرخ والفرز والتقسيم، وكل هذا تحت ستار الحريات الإعلاميّة.

وسائل الإعلام المرئية والمسموعة خاصة، تفتقد للوعي في تعاطيها الحذر والمهني مع البث المباشر ولا تعي مخاطره الجمة لما لذلك من انعكاسات خطيرة في هذه الفترة التي تتسم بتأجيج حاد للمواقف وبمحاولات الاستقطاب السياسي. وتصل خطورة البث المباشر لدرجة المس بحرمة الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية، وعدم توخي الحياد واحترام خصوصية كل حدث يتم بثّه، مما يُفشل الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في إنجاح عملية الإنتقال الديمقراطي.

لقد وصل البث المباشر إلى حدّ الإحساس بالممنوع، في بعض الصور والمشاهد القاسية، التي تُشجّع الشباب وتدفعهم إلى الإنتحار والإدمان على الكحول والمخدرات، وهذا ما يُؤدي إلى زعزعة الأخلاقيات. غياب للوعي التام بما هو قادم عبر البث المباشر، وعدم تحصين النفس ذاتياً مما يحمله في طياته من سموم وأذى نفسي لدى الشباب. وهكذا نستنتج أن الإنسان عموماً في ضوء ما يحدث وما يُبث، مُحاصر بإنسانيته فيما يرسله أو يتلقاه عبر وسائل الإعلام.

إنَّ الغزو الفِكري بوسائل الإعلام، عبر البثّ المباشر دون أي رقابة، يتسلَّل إلى العقل والفِكر دُون أنْ يَشعُر به أحدٌ، فيُثِيرُ غضَب الرأي العام وخضوعه التام لما يسمعه أو يُشاهده، وله وقع مُدَوٍّ ولا سيَّما مع التقدُّم العلمي في وسائل الاتِّصالات والمواصلات التي تنقل صُوَرَ الحرب المدمِّرة مباشرةً.

اعداد: سينتيا الخوري

مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *